الإنسانية على الطريقة الأميركية؟! بقلم : موفق مطر
بلغت قيمة حرية (5 أشخاص) أميركيين أخذتهم السلطات الأمنية الإيرانية كرهائن (10 مليارات دولار) بواقع 2 مليار عن كل شخص، في صفقة سرية مع إيران– أخرجت للعلن فجأة ضمن شروط، لا تعنينا تفاصيلها، لكن تعنينا مبرراتها المعلنة بأن الأموال ستذهب لتمويل احتياجات إنسانية للشعب الإيراني! لكن هذه الدولة الاستعمارية الأميركية العميقة التي تستحضر (الإنسانية والديمقراطية) في كل صفقة، دفعت لإدارة قاعدتها العسكرية الأكبر في العالم المسماة “دولة إسرائيل” 270 مليار دولار منذ إنشائها على أرض وطن الشعب الفلسطيني بتسهيل من دولة الانتداب الاستعمارية المملكة المتحدة (بريطانيا) لتحقيق الهدف من وعد بلفور سنة 1917 الأميركي مضمونا والبريطاني ظاهريا، وملخصه إنشاء وطن قومي لليهود تنفيذاً لمخرجات وثيقة كامبل سنة 1905 التي أقرها رؤساء وملوك ورؤساء حكومات الدول الاستعمارية حينها، وأهم ما فيها أيضا إنشاء كيان عنصري (يهودي ديني) في فلسطين يفصل الشق الآسيوي عن الأفريقي من الوطن العربي، وتحديدا بمنطقة شرقي قناة السويس (فلسطين) يمنع قيامة حضارة الأمة العربية من جديد، ويعمل على تفكيكها واستنزاف قدراتها الطبيعية والاقتصادية، وإشغالها بالصراعات الطائفية الدينية والمذهبية والطبقية الاجتماعية، ما يعني حسب الأرقام الموثقة أن الإدارات الأميركية تقدم لمنظومة الاحتلال والاستيطان “إسرائيل” ما نسبته 55% من مجموع المساعدات الأميركية للعالم، وفي نهاية سنة 2028 تكون المنظومة العاملة تحت إمرة سادتها في البيت الأبيض بقيمة 38 مليار دولار، خلال تسع سنوات بدأت سنة 2019، وهذه المليارات ليست لمشاريع إنسانية، وإنما بعكس هذا الاتجاه تماما، أي لتطوير أسلحة دمار وقتل، لتدمير ما بقي من مشاهد الحضارة الإنسانية في فلسطين وبلاد عربية مجاورة وحتى بعيدة جغرافيا، وإطاحة القيم والشرائع والقوانين الإنسانية !.
أتى القرار الأميركي متزامنا مع ترويج أوساط لدى رئيس حكومة الصهيونية الدينية الإرهابية نتنياهو، بأن حكومته تدرس منح السلطة الفلسطينية تسهيلات اقتصادية (مالية) وبذلك يمنح اللص المجرم القاتل نفسه (رتوشا أخلاقية) لتجميل صورته المعروفة كأبشع احتلال واستيطان وحكم عنصري على وجه الأرض، لكن إرادة الشعب الفلسطيني التي تمثلها القيادة الفلسطينية كانت بالمرصاد، وأعلنت أن الثروات الطبيعية، وذخر الاقتصاد الزراعي والصناعي وأموال الشعب الفلسطيني رهينة لدى سلطة منظومة الاحتلال الإسرائيلي، التي تسيطر عليها بالقوة العسكرية المرفوعة على المساندة الأميركية العسكرية المباشرة، والمالية اللامحدودة، وأن أي إفراج عن بعضها ليس “منة ” ولا تكرما، ولا سياسة” فجميعها حقوق ثابتة للشعب الفلسطيني لكن سلطة الاحتلال نهبتها وسرقتها وسيطرت عليها كما أرض الشعب الفلسطيني بقوة السلاح وإرهاب الدولة، لكن التكذيب الفعلي لما روجته أوساط نتنياهو جاء من صدر مجمع (الصهيونية الدينية) ، حيث قرر ما يسمى وزير المالية في حكومة المنظومة الإرهابية (بتسلئيل سموتريتش) منع 200 مليون شيقل (55 مليون دولار) مخصصة للتنمية الاقتصادية في السلطات المحلية العربية المخصصة للمجتمع العربي للمدن والقرى الفلسطينية داخل مناطق 1948 ، وتجميد الأموال المخصصة لبرنامج التعليم العالي في القدس الشرقية، فاعتبر الكثيرون قراره عنصريا، رغم محاولات رئيسه نتنياهو إبراز أقصى ما لديه من صفات “الثعلب “المراوغ المخادع عندما تعهد بتحويل الأموال في نهاية المطاف”..
وبذلك يوجه “سموتريتش” صاروخه المالي النووي نحو مليوني فلسطيني صامدين في أرضهم وبيوتهم وقراهم ومدنهم لكنهم يحملون بطاقات المواطنة الاسرائيلية، ولهم حقوق الانتخاب والترشح، ما يعني وبدقة أكثر أن نتنياهو رأس حكومة الصهيونية الدينية العنصرية، قد أدرك جيدا أن صمود الشعب الفلسطيني في فلسطين التاريخية مرتكز على صمود مليوني فلسطيني منذ نكبة 1948 أولا وأن خلخلة هذا الصمود ستؤدي حتما إلى خلخلة تلقائية لصمود أكثر من خمسة ملايين فلسطيني في الضفة بما فيها القدس وقطاع غزة، أي خلخلة ركائز دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة، وتحويل الحق الفلسطيني التاريخي والطبيعي برمته إلى مجرد حالة إنسانية ومشكلة اقتصادية، بما فيها المواطنون الفلسطينيون الذين يشكلون 20 % من إجمالي تعداد السكان في (إسرائيل)، ما يقودنا إلى صواب التفكير بالمنطق الوطني الذي شكل جوهر الفكر السياسي لحركة التحرر الوطنية الفلسطينية، والتي عملنا على تجسيدها في مدرستنا النضالية والكفاحية، بأننا شعب واحد، وأن كل منا يكمل الآخر في مهمة الحفاظ على الهوية والأرض والوطن والثقافة والوجود. ففي كل خطاب يؤكد رئيس الشعب الفلسطيني وقائد حركة تحرره الوطنية على أن الوحدة هي سر قوة الشعب الفلسطيني فهو القائل: “إن الحقيقة الساطعة وجذر الرواية الفلسطينية أننا نحن الشعب الفلسطيني أصحاب الحق كما كنا منذ فجر التاريخ وسنبقى” ومما قاله أيضا:” 40% من شباب اليهود في إسرائيل يعتبرونها دولة عنصرية تميز بين مواطنيها وتصدر القوانين التي تمنح اليهود الحقوق حصرا”. ونستذكر في هذا السياق قول الفلسطيني الوطني محمد بركة رئيس لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية النائب سابقا في الكنيست الإسرائيلي:” نحن لم ولن نخرج من التاريخ”.
إدارة بايدن تستهدي بخطة دونالد ترامب الاقتصادية لسلب الشعب الفلسطيني حقوقه التاريخية والطبيعية، وتحويلها إلى مجرد مشاكل اقتصادية بقصد منعه من حقه الثابت في قرارات الشرعية الدولية في دولة مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية، وسيكون لنا رأي وموقف آخر عندما نلمس فعلا مقنعا يؤكد لنا أن إدارته قد تحررت – ولو جزئيا – من شبكة الدولة الاستعمارية العميقة الناظمة لسياسة البيت الأبيض.