شفا – أقام مكتب الاتصال القومي والقيادة الفلسطينية لحزب البعث العربي الاشتراكي، أمس الاثنين، ندوة حوارية، بعنوان: “آفاق العمل القومي والقضية الفلسطينية” في قاعة السابع من نيسان بمبنى البرامكة في دمشق.
وفي كلمةٍ له خلال الندوة، توجه مسؤول مكتب العلاقات العربيّة والقوميّة في الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين أبو أحمد فؤاد، بالشكر إلى الرفاق في مكتب الاتصال القومي والقيادة الفلسطينية لحزب البعث لاستضافته في هذه الندوة الحوارية المهمة، التي تأتي في ظروف خطيرة للغاية على المستوى الدولي والمستوى القومي والوطني، وفي هذا الظرف الدقيق التي تمر به قضية فلسطين بشكل خاص والأوضاع العربية بشكل عام.
وقال فؤاد، إنّ “المراقب لأفاق العمل القومي والقضية الفلسطينية يدرك بأنه لا يمكن تناول هذا الموضوع بمعزل عن الواقع المحيط في خضم تطور السياسات المتسارعة على الصعيدين الإقليمي والدولي، ولا شك بأن القضية الفلسطينية ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بمحيطها العربي عبر تداخل ما هو وطني فلسطيني مع ما هو قومي عربي حيث بات مصطلح البعد القومي للقضية الفلسطينية يفرض نفسه في كل النقاشات والادبيات التي تتناول الشأن الفلسطيني على المستوى الشعبي والرسمي”.
وأشار فؤاد، إلى أنه “تم تشويه طبيعية المرحلة التي يمر بها النضال الوطني الفلسطيني وما ترتب على ذلك من تشويه للقضية الفلسطينية من قضية تحرر وطني وقومي بعد توقيع اتفاقات أوسلو التي أحدثت شرخًا عميقًا في صفوف الشعب الفلسطيني وترتب عليها نتائج خطيرة للغاية أعطت صورة مشوهة للعالم عن الواقع الفلسطيني، لذلك نقول: لا بد من إعادة الاعتبار لقضية فلسطين كقضية قومية عربية وكقضية تحرر وطني، قضية شعب يقود معركة وصراعا وجوديا مع الكيان الصهيوني”.
وأوضح أنّ “الوقائع السياسية التي نعيشها تؤكد على مجموعة من الحقائق أهمها الالتزام بنهج المقاومة بجميع اشكالها كخيار استراتيجي وهي الحقيقة الأصوب التي أختارها الشعب الفلسطيني والعربي تاريخيًا واليوم يواصل الجيل الفلسطيني الجديد خلق وقائع جديدة على الأرض في الضفة الفلسطينية و القدس وغزة وعموم فلسطين من خلال عمليات بطولية وصمود اسطوري من شباب يثق بحتمية تحرير كل ذرة من تراب فلسطين، كما جرى مؤخرا في مخيم جنين من فعل مقاوم، وفي نابلس وعموم مدن وقرى فلسطين التاريخية التي تنجز وسائل ابتكار نضالية إبداعية باستمرار وهو ما يؤسس لمرحلة جديدة في تاريخ الصراع ويمثل جزءاً من مخاض بزوغ حقبة تاريخية جديدة تؤسس لبناء حركة وطنية فلسطينية جذرية تعيد الاعتبار لمعنى فلسطين وتحرير كل ذرة من ترابها”.
كما قال فؤاد إنّ “العملية العسكرية “الإسرائيلية” في جنين جاءت ضمن أجواء أزمة سياسية “إسرائيلية” داخلية تعصف بالكيان وحاول الاعلام “الإسرائيلي” والمسؤولون “الإسرائيليون” تسويقها وكأنها حرب بين دولتين، – دولة إسرائيل ودولة جنين- ولا أدل على ذلك من استخدام إسرائيل ترسانتها العسكرية الجوية والبرية لاقتحام مخيم جنين”.
ولفت فؤاد إلى أنّ “مخيم جنين أُسس عام 1953 لإيواء الفلسطينيين الذين طردوا تحت وطأة السلاح من أراضيهم خلال نكبة عام 1948، ويحوز هذا المخيم على رمزية كبيرة بسبب قربه من المخيمات من أراضي 48، وبسبب مسيرته الطويلة في النضال ضد المحتل، وفي “معركة جنين” 2002 تمكنت مقاومة المخيم من توجيه ضربة موجعة للاحتلال الذي يتمتع بقوة وأسلحة متفوقة عنها، لينسحب “الجيش الذي لا يُقهَر” (غيتي)، ففي عام 2002، وعندما أعلنت “إسرائيل” عن عملية “الدرع الواقي” لقمع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، كان مخيم جنين على رأس مناطق الضفة الغربية المستهدفة من العملية، وفي هذه المعركة سُطِّرت صفحة في سجل النضال الفلسطيني تحت اسم “معركة جنين” -أكبر عملية عسكرية لإسرائيل منذ عام 1967- تمكنت المقاومة في المخيم من توجيه ضربة موجعة للاحتلال الذي يتمتع بقوة وأسلحة متفوقة عليها، لينسحب “الجيش الذي لا يُقهَر” بعد مقتل 23 جنديا، فيما قدّم المخيم 56 شهيدا ارتقوا أثناء المعارك دفاعا عن الأرض، وفي غضون ذلك كانت المقاومة في الضفة المحتلة قد بدأت تشتعل مجدداً بعد سنوات من الهدوء بسبب قمع الاحتلال وسياسات التنسيق الأمني، وقد دُفعت جنين مجددا لتكون في بؤرة النضال الفلسطيني الذي لم تتخلَّ عنه يوما ما، وقد قابل الاحتلال هذه الأنشطة بالمزيد من العقوبات على السكان، فمُنعوا من العمل داخل الأراضي المحتلة عام 1948 تحت ذريعة الأسباب الأمنية، كما مُنع بعضهم من السفر خارج البلاد بأمر من جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك)”.
وأضاف، أنّ الحصار والقمع “الإسرائيلي” والغضب ولّد من السلطة الفلسطينية التي بقيت ملتزمة بالاتفاقيات السياسية مع الاحتلال ظاهرة المسلحين المنفردين أو الذين يشكلون فرقاً صغيرة، وانسحب الكثيرون من هؤلاء من الانضمام إلى التنظيمات الفلسطينية المعروفة، إذ فضَّل أبناء الجيل الجديد الذي وُلد غالبيته بعد معركة جنين (2002) النضال المستقل، انتقاما لما شاهدوه بأم أعينهم من استمرار الاحتلال في مدن الضفة، والقصف الذي لا ينقطع عن غزة، ونمو الاستيطان في القدس، وعنف المستوطنين الذي أدى إلى قتل الأبرياء، وإحراق المنازل والسيارات، واقتلاع الأشجار، وتدمير المحاصيل”.
كما أشار فؤاد، إلى أنّ “تقرير إسرائيلي صدر من “معهد أبحاث الأمن القومي” في جامعة تل أبيب يؤكد أن ظاهرة المقاومة الفردية تتعلق بـ”وعي نضالي يتسع ويتغذى من ارتفاع مستوى الاحتكاك العنيف مع قوات الاحتلال، ومن الفراغ السلطوي للسلطة الفلسطينية”، مؤكدًا أنّ الوعي النضالي هذا هو الذي أفرز مجموعات المقاومة المسلحة بالبنادق الهجومية والأجهزة المتفجرة المرتجلة، أمثال كتيبة جنين -التي تشكَّلت بعد عملية “نفق الحرية” (عملية هروب الأسرى الفلسطينيين من سجن جلبوع عام 2021)- ومجموعة عرين الأسود وغيرها، وفي 19 يونيو/حزيران المنصرم، انطلق جنود الاحتلال نحو مخيم جنين لاعتقال مقاومين داخله، لكن هذه العملية لم تكن عادية بتاتا، حيث دفع جنود الاحتلال المدجّجون بالأسلحة والمدرعات ثمنا باهظا خلال هذا التدخل الذي استخدمت فيه إسرائيل لأول مرة منذ عشرين عاما طيرانها الحربي، وذلك حين نجح مقاومو المخيم بتفجير قنبلة زرعوها في طريق المدرعات العسكرية بالتزامن مع إطلاق نار كثيف مما أدى إلى إصابة 8 جنود بإصابات متفاوتة الخطورة، وخلال هذه العملية، التي تقول المصادر الإسرائيلية إنها حسمت قرار الاحتلال بإطلاق عمليته الأخيرة ضد جنين، قامت خلية مقاوِمة فلسطينية مسلحة بنصب كمين لقافلة مدرعات في طريق المخيم، وانتظر أعضاء الخلية في الطابق الأراضي بأحد المساجد، ثم قاموا بتفجير العبوة باستخدام سلك على ارتفاع سبعة أمتار، وعندما علقت الآلية العسكرية في مفترق الطريق هرعت قوات أخرى لمساعدتها، ليفتح مسلحون النار نحو القافلة مفجرين عبوات ناسفة إضافية، حيث أكدت هذه العملية الأخيرة للاحتلال، وبالدليل القاطع، مدى تحسن قدرة المقاومة المسلحة في جنين وتطور تصنيع ونشر عبوات ناسفة ثقيلة وقاتلة، دون نسيان حصول الاستخبارات الإسرائيلية على معلومات تفيد بأن الفلسطينيين يخططون لوضع المزيد من الكمائن والعبوات الناسفة في طريق القوات التي تحاول دخول المخيم. وبعد انتهاء العملية، وفي الوقت الذي كان سكان جنين يحتفلون فيه على وقع الآليات الإسرائيلية المحطمة، تعالت أصوات اليمين الإسرائيلي المتطرف للقيام بعملية واسعة النطاق على غرار عملية “الدرع الواقي 2002″، لمنع جنين من أن تصبح “غزة” جديدة أو “جنوب لبنان” جديدًا، على حد وصفهم”.
وتابع: “أصبحت جنين، التي تقول المصادر الإسرائيلية إنها حلَّت محل الخليل خلال العام الماضي بوصفها أكبر مركز “للإرهاب” المزعوم في الضفة الغربية، تُشكِّل أكثر من أي وقت مضى تهديدا خطيرا لدولة الاحتلال، وأصبح التعامل معها أولوية استراتيجية في الدفاع عن أمن الاحتلال، والسبب الرئيسي في ذلك ليس فقط القدرات المتزايدة لهؤلاء المقاومين، ولكن الأهم الحاضنة الشعبية الواسعة التي تدعمهم، وهو ما يفسر تنكيل إسرائيل المتكرر بسكان جنين جميعا دونما تفريق، ويبدو أن سياسات القمع الإسرائيلية تأتي بنتائج عكسية. يؤكد تقرير إسرائيلي صادر من “معهد أبحاث الأمن القومي” في جامعة تل أبيب أن الممارسات الإسرائيلية الحالية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية تُشكِّل “أرضا خصبة لتعاظم روح المقاومة الفلسطينية”. ويضيف التقرير أن إدارة إسرائيل للصراع وفق مفهوم “جز العشب” يوشك على استنفاد أدواته، وربما يؤدي إلى انفجار “عنف واسع” يُشكِّل تحديا واسعا لإسرائيل، وهي إشارة متكررة لمخاوف الاحتلال من نشوب انتفاضة فلسطينية جديدة.، ما سبق ينسحب على نابلس أيضاً ومحيطها وبقية المناطق في عموم فلسطين المحتلة عام 67 و 48 حيث تنضج روح المقاومة الشعبية وتزداد أهميتها وتقنياتها يوماً بعد يوم، ففي نابلس وغيرها من المدن والقرى والمخيمات يتم التصدي لاقتحامات جيش الاحتلال بكل شجاعة وبالتخطيط يتطور يوماً بعد يوم، وهو ما دفع المستوطنين الإرهابيين إلى جنون الانتقام من خلال تخريب البيارات والبساتين وقطع الأشجار وإحراق سيارات وممتلكات المواطنين كما حدث في حوارة بحماية جيش ومخابرات الاحتلال، كل ذلك جاء رداً على الشعور بالهزيمة أمام فدائيي ورجال المقاومة في مختلف الأنحاء إلى جانب نوع من العقاب الجماعي ومحاولة رفع معنويات المستوطنين ورعبهم من قوة وتماسك الشعب الفلسطيني”.
وشدد فؤاد على أنّ “دولة الاحتلال باتت تكابد العديد من الصعوبات في العمليات التي تقوم بها في جنين ونابلس وغزة، فمن جهة، أصبحت المعارك بالأسلحة النارية بين جنود الاحتلال والجماعات الفلسطينية المسلحة في الشوارع الضيقة في المخيمات والمدن أمرا مرهقا، دون نسيان العمليات المسلحة خارج حدود المخيم، لكن التحدي الأبرز في الوقت الحالي بالنسبة لإسرائيل هو ملاحقة المقاومين الفرديين أو الفرق محدودة الأعضاء، وهم مدفوعون بشكل أساسي بالإلهام، حسب وصف الإسرائيليين أنفسهم، ما يثبت عجز الجيش الإسرائيلي تصريح العقيد “أريك مويال” الذي قال: “كل عملية في المخيم أكثر تعقيدا بكثير من أي عملية في أي مكان آخر، لديهم (مقاومي جنين) خبرة كبيرة. إذا أطلقت شعلة فإنهم يرونها على الفور ويسمعونها ويهربون، في مواجهة هذا الوعي، نحتاج إلى استخدام أدوات مختلفة”.
وبين فؤاد، أنّ “إسرائيل” تحاول التصعيد أكثر فأكثر على أمل أن يسعفها ذلك في إنهاء “مشكلة المخيم” الذي يؤرقها، ففي الأشهر القليلة الماضية التي سُجِّلت بوصفها أسوأ أزمنة إراقة الدماء في الضفة الغربية منذ عقود، اتخذ الاحتلال عدة قرارات عسكرية لكسر شوكة المقاومة الفلسطينية، فأطلق عملية “كاسر الأمواج” في آذار/مارس 2022 التي كانت تهدف إلى عزل مخيم جنين عن باقي أنحاء الضفة الغربية، خوفا من أن يصبح نموذجا للمقاومة، ومنذ ذلك الحين تشهد جنين ونابلس القريبة منها توغلات لا تتوقف من جيش الاحتلال، ورغم كل الشراسة التي تُبديها إسرائيل، تزداد الهجمات الفلسطينية في العدد والقوة، بعد أن وجد الشباب الفلسطيني نفسه أمام خيار وحيد هو حمل السلاح من أجل الدفاع عن نفسه ووطنه. وقد تمكَّن مقاومو جنين -لأول مرة- من إطلاق صاروخ بدائي تجاه أراضي الاحتلال”.
وفي ختام حديثه، قال فؤاد إنه “لا مخرج لنا كفلسطينيين أمام النتائج السلبية لحوار القاهرة سوى العمل والتفكير بتطوير مقاومتنا تسليحاً وأسلوباً، حيث بات التباين بين تيارين أكثر وضوحاً كل يوم، تيار لا يؤمن إلا بالنضال السلمي غير المسلح، وآخر يؤمن بالكفاح المسلح والمقاومة بكافة اشكالها، وهو الأسلوب الذي نؤمن به وبكل وضوح، وقد أثبتته التجربة فلا نتائج تتحقق بدون الوعي السياسي والنضالي والشعبي الممتزج بالمقاومة بأشكالها كافة دون الانتقاص من قيمة وفعالية أي أسلوب نضالي، كما أنه من المهم عدم المساس بمشروعية كافة أشكال النضال ضد هذا الاحتلال الإرهابي”.