3:37 صباحًا / 25 نوفمبر، 2024
آخر الاخبار

حمى اشتياق بريد الوله بقلم : رشا السرميطي

حُمَّى اشتياقٌ، بَلْ خَفْقٌ لفؤادي بِنُوتةِ المُتيَّمينَ..

أَكْتُبُ إِلَيْكَ يَا حَبِيْبِي، كُلَّمَا تَدَّفقُ نَبْضِي فِي شِرْيَانِ القَلمِ،

كَانتظارٍ يَحْتَرِفُ الصَّبْرَ، أنْظُمُ الحُرُوفَ وَفَاءً لِمَا عَاهَدتُ أوراقيِ عَلَيْهِ، والإخلاصُ مَأْخُوذٌ عَلى أنْفَاسيِ العِشْقِيَّةَ وَعداً عَتِيقاً، وإنْ سَأَلَنِي أيٌّ منَ الظِّلالِ أوَ أشْبَاهَ الرِّجَالِ، لِمَاذا لَمْ أُحِّبُه؟ أُجِيبُ: يَسْكُنُ قَلْبِي ذاكَ الرَّجُلُ الوَرَقِيِّ، الحَقِيْقِيُّ، الذيِ عَلَّمَني كَيْفَ الهَوى، وَخَلَعَ عَنْ جَسدِ الأطفالَ زِيَّ العَفَافِ والبَرَاءةِ، فَأَلْبَسهُم الآمال والأحلام بدلاً مِنهُ، كِسوةً حِيْكَتْ بِحِبالٍ مِنَ الأمَلِ وَالثِّقَةِ بِاللهِ، مُطَّرَزَّةٌ بِزَخْرَفةِ الإيمانِ العَريْقَةِ.

وَحِيْنَما تَعْشَقُ الطِفلةُ طِفلاً مِثْلَهَا، تَصيرُ بوِجْدِهِ أنْثَى لاَتَكتَملُ إلاَّ بِهِ، تُصْبِحُ مَنْقُوصَةً بِغِيَابِهِ عَنْهَا، ويَصُيِرُ مَعَهَا ذَكَراً شَرقيَّاً، يُصْبِحُ أيضاً بارتِبَاطِهِ مَعَهَا أصِيلَ النَسَّبِ والحَسَبِ، تَظَلُّ حالمةً باللِّقَاءِ والبَقَاءِ تَحتَ جَنَاحيْهِ إذا مَا صَارَ رَجُلاً، ويَظَلُّ الآخرُ منْتَظِراً تَحَقُقَّ الأُمْنِيَةِ، كَالذيِ أَهِيمُ بِحُبِهِ ويَهوَانيِ حدَّ اللاقُبولاً بِغَيْريِ عِوَضاً، رُغْمَ تَأَخُرِ اللِّقَاء. لَقَدْ كَانَ قَدَرِي عَجِيْبٌ يَوْمَ عَرَفْتُهُ وَحُبِّي اكتَملَ لُؤْلُؤَاً ثَمِينَاً بِبَحرِ عِشْقِهِ، فَغَادَرَ المَحَارَ بَاحِثاً إِلَيْهِ عَنِّي، إلاّ أْنْ أوَجَدَتْهُ أَبْجَدِّيَةً، تُغْرِي كُلَّ صَيَّادٍ مَاهِرٍ حَاوَلَ الإمْسَاكَ بِسُطُورِ كَلِماتيِ، محُكِمَاً إمسَاكَ الوَرَقَ، لَمْ يَكُنْ هُوَ، بَلْ كَانَ شَبِيهَاً عَاصَرْتُهُ بِخَطئِ الحُكْمِ الأوَّليِّ، وَمَا إنْ عَرَفتُ ذَلِك، حَتَّى تَصَّدَيْتُ لَهُ وَهَزَمْتُهُ.

حَنِيْنٌ يَلْثِمُ إبْهَامِي، ومِسْكَاً يَنْثُرُهُ القَلَمُ عَلَى أَوَاخِرِ أَوْرَاقِي المَحْمُومَةِ لأُغْلِقَ الدَّفْتَرَ بِاشْتِيَاقٍ. أَمَا آنَ لِكَأْسِي مِنْ سُمِّ الفُرَاقِ أَنْ تَمْتَلِئ ! أَمْ أَنَّ قَدَرِي مُخْتَلفٌ عَنِ العُشَّاقِ جَمِيعاً؛ فَمَتَى نَلْتَقي؟

عَجْزٌ أَصَابَ عَزِيمَتي ومَنَعنيِ عَنِ اقْتِلاعِ جُذورَ الرَّغْبَةِ المـَاضِيةِ مِنْ أغوارِ الذَّاكِرةِ، كُلَّمَا فَقَدْتُ الأَمَلَ بِلِقَائِهِ، فِي مَوَاسِم النِسَّيَانِ، تُورِقُ أَفْكَارِي إذا مَا تَكَدَّسَتْ غُيُومُ الحَنِينِ واجتَمَعَتْ الأحْدَاثُ بِرَأسيِ، أَمْطَرَتْ الُّلؤْلُؤَتَانِ حِبْراً دَافِئاً، ورُسِمَتْ الكَلِمَاتِ هَاوِيةً، تَهْطُلُ رَذَاذَاً عَذباً، يُحْييِ جَفَافَ الرُّوحِ، فِي لَحْظَةٍ مَنَ الإفتِقَادِ لِذَاكَ الرَّجُلِ. ومَا إنْ أعْدَدْتُ المِشْنَقةَ الوَاقِعِيَّةَ لِنَحْرِ أمانيَّ، وظَنَنْتُ بأَنَنِّي لَنْ أدرِكَ يَوماً حُلُميِ سِوىَ فيِ رِحَلٍ أَجُولُ بِهاَ فَضَاءاتِ الورقَ، ولَنْ أَبْلُغَ مَحَطةَ اللِّقَاءِ المشْتَعِل أبَداً، وشُمَوعُ رَبيِعِ عُمْريِ قَدْ تَذوبُ وتَنْطَفِئُ قَبْلَ مَجِيئ الصَّبَاحِ، فيَطولُ لَيْلِي وتَزْدَادُ الحُلْكَةُ فَوْقَ دَفَاتِريِ السِّرِيَّةِ التِّي خَبَئْتُهَا إِلَيْهِ. تَعْدُو الحَيَاةَ مُسْرِعةً، وَتَسْبِقُنِي، تُزْهِرُ الأَمَانِي الذَّابِلةَ، ويُلْغَى ذَاكَ الحُكْمُ الغِيَّابِيُّ بِشَنقِ الأمنِيَّةَ الأصِيلةَ، فيَأتيِ القَدَرُ ليِ بِشَخْصِيَّةٍ جَدِيدَةٍ، تُحلُّ انْتِظَاري، وتُمَدِّدُّ طُولَهُ بِضْعاً مِنَ العُمر. ألَيْسَ مِنْ حَقيَ أنْ أحْلُمَ – أَعْتَرفُ بِأنَنِّي لمَ أَتَوَّقَفْ عَنْ زِيَارَةِ المَكَانَ آملةً بلقائك ذات مرة- بَينَ سُطُوريِ، فَجَمِيعُ القُرَّاءَ قد عَثروا عَلَيْكَ. كَأَنَّها أَطْلالُ أَمسيِ، وَمَسَائي اليَومُ مُخْتَلِفاً، تِلْكَ الأُرْجُوحَةَ التيِ لَطَالَماَ حَمَلَتْنَا بَيْنَ أَحْضَانِها بِلا أَذْرُعٍ، نَتَسَابُقُ مَنْ يَحْتَلَها قَبْلُ الآخَرَ، دُونَ إقْلاعٍ عَنْ عَادَتِنا، أَذْكُرُ كَمْ فَرِحْنَا وَأَحْزَنَتْنَا نَسَمَاتُ الهَوَاءَ حَوْلِهَا، كَانَتْ سَوَاعِدُنَا بِنَاءً مُتَرَاصاً لا يَتَخَلَّلُهُ الغُرَبَاءَ، نَتَأَرْجَحُ وَالآمَالُ تَتَغَلْغَلُ مِنَّا وَفِيْنَا، لِنَسْقُطَ مِنْ قِمَمِ المَاضِي، ثُمَّ نَنْهَضُ لِحَاضِرٍ يُبْقِيْنَا، أَصْبَحْتْ أُرْجُوحَتِي الآنَ مَكْسُوَّةٌ بِصَدئِ الغِيَّابِ، وَأَيَّامُ النَّوَى فَرَّقَتْنَا، لَكِنَّ أَرْوَاحَنَا لَمْ تَزَلْ تَجْتَمِعُ وَأحْلامَنَا المُقَدَّسَةَ، التِّي يُفْصِحُ عَنْها القَلمُ تَفَاؤلاً، يُشيحُ الحِدَادَ عَنْ أبْجَدِيَّاتِ المُنتَظِرِين، فما عُدتُ أنا، ولا عَادَ هُوَ.

ظَنَنْتُ أنَّ الشَّمْسَ لا تَمُّرُ بِفُصُولِ العَامَ؛ وفُرْشَاتي بَاتَتْ مُتَعَطِّشَةً لِلألوانِ. سُبْحِانَ مُنْبِتُ البِذْرَ بَرَاعِماً، تُزْهِرُ ثمراً ثُمَّ تَتَسَاقَطُ يَابِسةً، كَشُعُورِنَا بالوَحْدَةِ بَعِيدَين، يَقْطِفُ كلٌّ مِنَّا الوَرْدَ بَاقاتٍ مِنَ الكَلِمَاتِ، لِمنْ يُحِّبُهُ، واللَّوْحَةُ مُتَكَرِّرَّةً، بِذَاتِ النَّزْفِ بَيْضَاءَ كَأفْئِدَتَنا.

فيِ الفَقْدِ، لا أَمْتَلِكُ إلاَّ كِتَابَاتيِ، وَلِحَافُ أبْجَدِّيَتِي عَنْ ذَاكَ الرَّجُلُ، يُوَارِي خَيْبَةَ الأَمَلِ، المَوْرُوثَة مِنْ كُلِ رَجلٍ قِابَلْتُهُ، وَلَمْ يَكُ هُوَ !

أَرَانِي صَدِيقَةً لِخُيُوطِ أوَّلِ فَقَرَاتِها، كُلَّمَا حَاوَلتُ شَدَّها إليَّ تَخْتَفِي، كالسَّرَابَ تُذَّكِّرُنِي بِرَحِيْلٍ أَجْهَضَ العَوْدَةَ، تَسْحَبُنِي بِأَذْرُعِ الدِّفْءِ وَالوَفَاءِ، رُبَمَا لِتُوَاسِيْنِي مُرَّ الشُعُورِ، كَأَنَّهَا عَلِمَتْ أَنَّ الأُسْطُورَةَ لِي وَحْدِي، وَمَا كُلُّ العُشَّاقِ يُجِيدُ الانْتِظَار. هَجَرَ شَبَابُكَ المَكَانَ مُخَلِّفاً رُوحِي تُنَاجِي مُصَادَفَاتِ القَدَرِ، وَمَشَاعِرِي المَقْتُولَةِ بِعُسْرِ اللِّقَاء – وبَعْدُ لَنْ يَجِدَنِي أَحَدٌ سِوَاكَ – رُبَمَا هِيَ آخِرُ العَبَراتِ تَزِّفُ إلَيْكَ أَخْبَارِي، أو قَدْ أُحْرِقُ أَوْرَاقيِ بِلَهِيبِ الشَّوْقِ المُشْتَعِلِ في سَرَادِيْبِ النَّوَى، بالكَادِ يَرْسِمُ القَلَمَ النَّفَسَ الأَخِيرِ حَرفاً، راجِيَاً مِنَ اللهِ حُدُوثَ المُعْجِزَةَ الأُسْطُورِيّةِ، كَيْ يَتَبَدَّلَ السِّينَاريُو القَدِيْم لِلْعُشَّاقِ، كَبَقِيَّةً مِنْ لَوْحَةِ طُفُولَتِي المُغْتَصَبَةِ أَمَامَ رَجُلٍ أَتْعَبَنِي العُثُورَ عَلَيهِ.

عَلَّمَنِي السُّهَادَ ذَوَبَاناً لِشُمُوعٍ تُضِيئُ نَبْضِي بِهِ، وَالمُتْعَةُ بِدَمْعٍ خَافِتٍ يَرْثِيِ زَمَنِي، مَمْنُوعَةٌ مِنَ الصُّرَاخِ، وأيُّ تَجَاوُزٍ لِلْحَدِّ يَشْرِّعُ أَلْفَ بَابٍ مِنَ التَّسَاؤُلِ مِمَّن أَحَبُوني: لِمَاذا هُوَ؟ أَغْلَقْتُهَا جَمِيعاً، وَالصَّمْتُ عُدَّتِي صَبْرَاً، وَمَا احْتِسَاءُ الأَلَمِ بِرَغْبَتِيِ، لَكِنَّ الأَيَامَ دُوَلٌ! وَأَيْنَ السَّاعَةُ التي تُأَمِّنُ رَاحَتيِ؟ لَقَدْ عَلَّمَنِي حُبُكَ أنَّ الصَّمْتَ قَدِيْرٌ. تَرْتَعِشُ شِفَاهِي مِنْ عَلى مِنْبَرِ الوَدَاعِ لأُتَمْتِمَ سِرَّاً؛ أَصَابَني الهَوَى بِسِهَامِهِ لَكِنَّهُ لم يُحَطِّمْ جَبَروتَ أنْثَوِيَّتي أو يَكْسِرَ عَفَافيِ، فَأَنَا امْرَأَةٌ لا تَنْحَنِي لِغَيْرِ اللهِ، مَاثِلةٌ فَوْقَ التُرَابِ مِنهُ وَ إِلَيْهِ المَآبِ.

تَتَطَايَرُ أَحْلامِيِ فِي مَهَبِّ الرِّيْحِ، وَتُهْدِمُ قُصُورَ آمَاليِ الشَّاهِقَةِ بُروجُها، دُونَ رَأْفَةٍ. لَهِيبُ أنْفَاسِي يَسْعَرُ مُوقِداً الدِّفءَ بَيْنَ أضْلُعِي، وَ بَرْدُكَ القَارِصُ أَحْيَانِي، لأَضُّمَّ بَاَقةَ وَرْدِيَّ الأَحْمَرَ الَّتِي حَضَّرْتُها إِليْكَ، وَعَدْتُكَ القَانِي وَالعِطْرُ جُوْرِيٌّ كَطِيْبِ أَحْزَانِي فِي البُعْد، أَزْحَفُ بِخُطَى المُعْدَمِ، وَعِزَّةُ النَّفْسِ شُمُوخاً يَشْهَدُهُ خِطَابيِ إلَيْكَ، أتجهُ نَحْوَكَ.. وَأقْتَرِبُ مِنَ اللهِ بِسُطُورِي، فَهوَ العَالِمُ بِمَا تُخَلِّفهُ عَوَاصِفُ الأفكَارِ بِعَقْلِي، صَعْباً كَانَ المُرُ وَتَجَرَّعْتُهُ، أُقَاوِمُ لأَجْلِ الوَتَدِ وَالأَوْرَاقُ ذَابِلَةٌ كَخَرِيْفِ بِدَايَتِنا، ظَمِئَةٌ إلَيْكَ، وَ مَاْذَا بَعْدَ الشِّتَاءِ إلاَّ رَبِيْعاً مُزْهِراً !

انْسِلاخٌ عَنْ أُولئِكَ الأَطْفَالُ قَاوَمْتُهُ، بِذَنْبِ أُنُوثَةٍ لامْرَأَةٍ مَحْضُ خُرَافةٍ. نُوفِمْبَرَ في أَلْفَيْنِ وَتسْعُمائةٍ عامٌ مبعثرٌ، رَأَيْتُهُ يَتَّشِّحُ مِعْطَفاً أَسْوَداً، مَلامِحُهُ تَبْدو حَزِيْنَةً؛ وَكَمْ أَحْبَبْتُهُ بِسَوَادِ اللَّيْلِ يَغْرَقُ، أَمْضَى ذَاْكَ الرَّجُلُ سَبْعَةً وَعِشْرِيْنَ عاماً مُتَنَقِلاً بَيْن مَحَطَاتِ الذِّكْرَيَاتِ، إلى أَنْ تَوَقَّفَ القِطَارُ، فَأَمْسَكَ حَقِيبَةَ الوَجَعِ مُتَّجِهاً لأحَدِ المَطَاعِمِ، يَخْطُو بَبُطءٍ، كَأَنَّ المَسَافَةَ نَحْوَ البَابِ تَبْلُغُ أَمْيَالاً، وَحَدْسُهُ يَهْمِسُ إلَيْهِ شَرٌّ يُمْسِكُ كُرَاسَةَ كَلِمَاتِي مُبْتَسِماً حِيْناً، وَحِيْناً آخَرَ يَضُمُنِي لِصَدْرِهِ، تَآكَلَ جَسَدُهُ المُغْتَرِبَ، فَبَدا نَحِيْلاً تَعْرِيْهِ الهُمُومَ وَتَنْحِتُهُ المـَسْئُوليّة، حَتَّى أَنِّي كِدْتُ لا أّلْحَظَ وُجُودَهُ، لَوْلا خَفْقُ قَلْبِي هَرَعاً لأُعَانِقَهُ، تَرَيَّثْتُ جُنُوناً لِعَاشِقَةٍ مُتَيَّمةٍ، كَيْ لا أكُ مُخْطِئَةً الخَطِئةَ الكُبْرَى – وَهْمُ التَّمَنِي وَلَيْتَنِي مَا عَرَفْتُ ! كَلِصَةٍ أَخْتَلِسُ ذِكْرَيَاتِي الحَمِيْمَةِ بِرِفْقَتِه، وَأَمَليِ بِمَعْرِفَةِ الحَقِيقَةِ كَادَ يُنجَبُ فيِ ميِقاتِ مَخاضِ الوِئامِ الذيِ جَمَعَنا فِي مَحَطةِ عُمْرٍ مُذْهِلةٍ، مسرِعَةٍ، تَدُوسُ أَجْمَلَ أَمَانِينَا.

طَلَبَ القَهْوَةَ بِلا سُكَّرٍ، كَقَهْوَتِي المُرَّةِ، مُنْشَغِلٌ بِذَاْكَ الدَّفْتَرُ وَعُلْبَةَ سَجَائِرَ لَمْ يَسْتَخْدِمَهَا، تَارَةٌ يُخْرِجُ لُفَاْفَةً وَأُخْرَى يُدْخِلُهَا لا يَبْدُو مُدْمِناً، كَأنَّه يشعل ولاعته عبثاً ليحرق الماضي، أو، لِيُضِيءَ شمعةً لحاضرنا معاً. ينظر لسَاعَتِهِ كثيراً ولا أظنُ أحداً يَتَخِذُ مَوْعِدَاً فيِ محَطَة، فليسَ أجملُ مِن قَدَرٍ جَمَعَنا هناك. رُبما، طموحه أكبر أن ينزل في المحطة التالية، أدرك أننيِ لستُ سِوَى إحْدَى محَطَاتِ حَيَاتِه.

أَشْرَقَتْ عَيْنَا كَانُونَ الأَوَّلَ خَلْفَ غَيْمِ مَصِيْرنَا حَائِرَةً، وَاَجْفَانُ الصَّبَاحِ ذَابِلةٌ مِنْ دَاءِ الغَيْرَةِ، وَسُحُبِ أَحْلامِنَا الأُولى مُتَكَدَّسَةً لِحِيْنِ الهُطُول بِرَعْدِ تَقَاسِيْمِ وَجْهِكَ، تَبْرُقُ الدُّنْيَا فَيَخْتَفِي بَصَرِي، فَقَدُتُ نَبْضِي وَغَزَارَةُ صَمْتِي تَهْطُلُ عَلَيْنَا بِتَعْوِذَةِ الإِنْتِظارِ، حُلُمِي المَقْتُولُ يُنَازِعُ مُقَاوِمَاً مَآلَ مَصَائِرِنَا، تَرَدَّدْتُ ذَهَاباً كَي نَتَصَافَحَ وَالْخَوفُ يَمْلَؤُنِي، لَكنَّنِي اسْتَنْبَطتُّ شَجَاعَتي مِنْ حَاجَتِي للمَشْهَدِ الأَخِيْرِ لأُتِمَّ الوَعْد، تَنَشَّقْتُ أنَفَاسَهُ عَبَقاً لِذَاكَ الرَّجُلَ الشَّرْقِيِّ الَّذِي مَا مَلَكْتُهُ، حَتَّى جَاء مَنْ يُشَارِكَنِي مَشْهَدَ الوَفَاء بَعِيْداً عَنْ وَهْمِ الأُمْنِيَّةِ، لأَهْجُرَ مَقَابِرَ السُّهَادِ هَارِبَةً، وَالأَشْبَاحُ تُطَارِدُ قَرَارَاتِي وَسْوَسَةً تُحَاوِلُ إغْوَائِي، فِي مَوْعِدٍ مَعَ هَاجِسٍ يُلْبِسُنِي خَسَارَةً عَظِيْمَةً، وَبَعْدُكَ لَنْ يَبْقَى شَيْئَاً. إِيْقَاعٌ جَدِيْدٌ يَتَأَرْجَحُ عَلَى أَوْتَاْرٍ مِنَ الرِّضَى، وَتَسْلِيْماً للقَضَاءِ، خِيْرَةٌ للهِ فِيْمَا اخْتَارَ لَنَا، وَحْدُهُ عَالِمَ السِّرِ، وَلَنَا التِّذْكَارَ.

فِي هَذَاْ المَسَاْءَ، أَتَكِّئُ عَلَى نَافِذَتِي وَأُرْجُوحَتِي خَاْلِيَةً !

نَمَتْ الشَّجَرَةُ، فَوَصَلَتْ الفَضَاءَ، وَامْتَدَّ الجَذْرُ طُوْلاً ..

رُفِعَ المِعْصَمُ لله، رَبُّ السَّمَاوَاتِ، حمداً وثناءً.

شاهد أيضاً

اللجنة الرياضية لمحافظة سلفيت تزور نادي سرطة الرياضي

اللجنة الرياضية لمحافظة سلفيت تزور نادي سرطة الرياضي

شفا – بتوجيه من محافظ سلفيت اللواء د.عبدالله كميل، نفذت اللجنة الرياضية في محافظة سلفيت …