الحجلة بمعجون الأسنان! بقلم : هند شريدة
بينما لا تغمض جفون أترابها وهم ينتظرون نتيجة التوجيهي صباح الغد بكامل الشوق والتوتر؛ لا يغمض لزينة جفن أيضا، ليس لكمشة المشاعر نفسها، بل لأنها لم تمسِ مثل قريناتها، ولن تقفز فرحا يوم غد حِيال نتيجة لن تظهر أصلاً، لأنها حرمت من الجلوس على مقاعد الدراسة، وإجراء امتحانات الثانوية العامة من الأساس.
الطفلة زينة عبده (17 عاماً) من سكان جبل المكبر، كان من المفترض أن تنتظر نتائج التوجيهي مثل باقي أقرانها، لكن الاحتلال قرر أن يحرمها حقها في التعليم، والذهاب الى المدرسة، وعوضا عن ذلك، وضعها في “حبس منزلي مفتوح”، أقعدها الحياة مدة 8 شهور، كما أقعد والديها اللّذَيْن أجبرهما الحُكْم الجائر أيضاً على المكوث معها، فسجنا هما الآخرَيْن. لم يكتف الاحتلال بذلك، بل كان يرسل لزينة وحدات خاصة تحت ذريعة تفقد حالها، والتأكد من امتثالها للقوانين، فكانت القوّة تعتدي عليها بالضرب في كل مرة يقتحمون فيها المنزل.
ليست هذه المرة الأولى التي اعتقلت بها الفتاة الصغيرة؛ بل سبقها مرة وهي في 16 من عمرها، لرفعها علم فلسطين في قلب العاصمة، وعوقبت على ذلك بقضاء شهرٍ في زنازين هشارون وهي ترتجف برداً، بين الحشرات والصراصير، والمكيّف متمترسٌ صوبها قارصاً أطرافها بلؤم شديد في عزّ الشتاء القارس.
أخبرتني الأسيرة المحررة أناغيم عوض البارحة، أنها التقت بزينة قبل سنتين في “المقلعط” هشارون. “كم كانت زينة طفلة، وهي بعد كذلك. تخيّلي.. فقد رغبت ونحن في زنزانة ليس فيها شيء سوى البقّ والحشرات- أن تلعب الحجلة! نعم الحجلة. فكرنا طويلا بماذا سنرسم على الأرض، وبعد طول عناء وتفكير، يوريكا.. وجدنا ضالتنا بمعجون الأسنان! أخذنا “ما تبقى لنا” من معجون، وأخذنا نرسم على أرضية الزنزانة الضيقة مربعات الحجلة، حتى انتبه علينا “سوهير” بفعل الكاميرات المرشومة في المكان، فأتى مسرعاً فارعاً دارعاً مهدداً إيانا بالعقاب، ما اضطرنا إلى شطف الأرضية، وهكذا.. تبدّدت الحجلة!”
أول الأسبوع الماضي؛ حكمت المحكمة على زينة بتسليم نفسها في العاشر من أيلول القادم، والسجن الفعلي خمسة شهور ونصف، بالإضافة الى غرامة مالية قدرها 5000 شيكل. ربما تتمدد زينة الآن على سريرها، فاتحة عيونها للسماء، تعد ما تبقى لها من أيام قبل تنفيذ الحكم. قد لا تحمل السيرة الذاتية لزينة نتيجة الثانوية العامة بعد، لكن يمكنها وبجدارة استثنائية أن تضيف مهارات عدّة تتقنها بإبداع فذّ، من بينها رفع علم فلسطين عاليا في قلب القدس، ولعب الحجلة بمعجون الأسنان!