قيادة التغيير: متطلبات واستحقاقات ، بقلم : سناء حسن أبوهلال
يقول “لو جير ستنر” أحد أهم رواد إدارة التغيير “إن الدرس الأكثر أهمية الذي تعلمته هو أن الثقافة هي كل شيء في عملية التغيير”، انطلاقاً من هذه المقولة فإن عملية إعادة بناء ثقافة المؤسسة التربوية سيؤدي إلى تناقص قوى مقاومة التغيير، لأن هذه الثقافة الجديدة ستصبح جزء لا يتجزأ من ثقافة الفرد والمؤسسة، فمقاومة التغيير تقل إذا كان التغيير نابعاً من أفكار الأفراد، ويعد تغيير ثقافة مجتمع المؤسسة هو العنصر الأصعب في التغيير وبحدوثه تقل المقاومة.
والتغيير على هذا النحو يتضمن عمليتان هامتان جداً في تطبيق التغيير المرغوب، وهما إعادة الهيكلة المؤسساتية وإعادة بناء النسق الثقافي (Restructuring , Reculturing)، فمشاركة العاملين في المؤسسة في وضع خطط التطوير، وبناء الرؤية الاستراتيجية للمؤسسة، وإعادة هيكلتها سيساعد على تطبيق العاملين للتغيير، وإذا كان هذا التغيير متقبلا لدى العاملين وأصبح جزءا من هويتهم وشخصيتهم وانعكس ذلك على ثقافة المؤسسة، فإن ذلك سيضمن نجاح خطوات التغيير وضمان ديمومة الأثر فيما بعد وإعادة تجميد الموقف الجديد، لحين ظهور حاجة لتغيير جديد آخر.
تعرف عملية إعادة الهيكلة المؤسساتية (Restructuring) بأنها الإجراءات والعمليات التي يقوم بها قادة التغيير كمتطلبات للتغيير وتشمل: تعديل السياسات وأساليب العمل، تغيير الهيكل التنظيمي جذرياً أو بإجراء التعديلات، إعادة تحديد الواجبات والصلاحيات والاختصاصات لبعض الإدارات، إعادة النظر في درجة مركزية السلطة واتخاذ القرارات، أو في طبيعة الأنشطة التي تقوم بها المؤسسة، لاستبعاد غير المجدي منه واستحداث أنشطة أكثر فعالية، وتهيئة البنية التحتية المناسبة لدعم مبادرات التجديد والتطوير، وتحسين ظروف العمل وبيئته، والاستثمار الأمثل لكافة الموارد المادية والبشرية والفنية المتوافرة في داخل المؤسسة وخارجها لتطبيق التغيير. وتتطلب هذه العملية من قائد التغيير القدرة على وضع استراتيجية التغيير المناسبة والتي تتناسب مع الأهداف المخطط لها للمؤسسة، كما يتطلب ذلك إتاحة الفرص الأكبر للعاملين للمشاركة في التخطيط للتغيير، حيث أن التغيير الحقيقي لا يحدث من خلال التعليمات وإصدار الأوامر من رأس الهرم المؤسسي إلى القاعدة وخاصة المؤسسات التربوية، لأن العاملين في المؤسسات التربوية سواء كانوا معلمين أو مديرين أو مشرفين أو إداريين هم حملة مفتاح التغيير ودورهم هو الأساس فيه، لذلك يجب العمل على إعدادهم ودعمهم وتطوير مهاراتهم ليكونوا مواكبين للتغيير بشكل إيجابي، كما يجب مشاركتهم في صناعة التغيير منذ البداية.
أما إعادة بناء النسق الثقافي في المؤسسة التربوية (Reculturing) فتقوم على مفهوم الثقافة التنظيمية التي تعرف بأنها “نمط الافتراضات المسلم بها حول الكيفية التي ينبغي لمجموعة معينة من الناس أن يفكروا ويتصرفوا ويشعروا بها أثناء عملهم وشؤونهم اليومية”، تشمل عملية إعادة بناء النسق الثقافي إحداث التغييرات في الأنظمة المتصلة بالقيم، والدوافع، والمهارات، والعلاقات التنظيمية مما يؤدي إلى تعزيز أساليب ووسائل جديدة للعمل الجماعي التعاوني ينعكس أثرها مباشرة في إحداث فرق ملموس في عمليتي التعلم والتعليم داخل المؤسسة التربوية. وبالتالي إحداث التغيير على ثقافة المؤسسة وثقافة الناس فيها، وتسهم هذه الجهود في زيادة المرونة ودرجة التكيف لدى الأفراد والجماعات نحو التغيير، وتساعد العاملين على مواصلة جهودهم التطويرية بالرغم من الصعوبات التي قد يواجهونها أثناء التطبيق.
ومن هنا يبرز دور القائد في قيادة رحلة التغيير، فقائد التغيير هو قائد ابتداءً ولكنه يتفوق على أقرانه من القادة الآخرين بسمات تجعله مختلفاً عنهم، وقادراً على إحداث التغيير بكفاءة واقتدار، ولعل السمة المشتركة لقادة التغيير الناجحين أنهم يفهمون أهمية بناء وخلق ثقافة الابداع والابتكار، وهم قادة يؤمنون بأنه يجب تغيير الطريقة التي يفعلون بها الأشياء قبل إحداث التغييرات في المؤسسة، وهذا يحتاج إلى قائد بسمات خاصة واستثنائية منها:
· التمتع بالحماسة والطاقة العالية والقدرة على إظهار الأمل للآخرين، وتحديد الحاجة الفعلية للتغيير وليس التغيير من أجل التغيير فقط.
· القدرة على رؤية الصورة الكبيرة للمؤسسة، وذلك بأن يرى الموضوع من كافة جوانبه وأبعاده ويربطه مع المستقبل، لأن ذلك يسهم في اتخاذ القرارات التي تغلب عليها المصلحة العامة للمؤسسة وهذه الصورة تنضج مع الوقت، وبالتالي تنعكس على القرارات اليومية بفعالية وتصبح أكثر حضوراً في أذهان القادة، كما تقود إلى الوضوح والشفافية، وعلى القادة العمل الدائم على توضيح الصورة الكبيرة للتغيير ومشاركة الآخرين في رسمها والتخطيط لتنفيذها وتحديد أولويات التغيير على مستوى المؤسسة، وبالتالي يشعرهم بأنهم جزء من صناعة التغيير فيساهمون في إنجاحه، ومن المهم في ظل هذه الصورة الواسعة للتغيير الإدراك بأن للتغيير استحقاقات، فلا بد من وجود خسارات مرحلية في طريق التغيير كانت تعتبر مكتسبات في السابق، سواء للقائد نفسه أو الفريق أو المؤسسة.
· القدرة على استشراف المستقبل وهي مهارة تنطوي على استقراء التوجهات العامة في حياة البشرية والتي تؤثر بطريقة أو بأخرى على مسارات الأفراد والمجتمعات. وهذا يساعد قادة التغيير على رسم نهج استباقي وتنظيم الخطوات الاستباقية للتغيير، واعتماد خطط وسيناريوهات التغيير التي ترتقي بالعمل المؤسسي.
· الريادة في الأفكار والإبداع والابتكار، ليس في المنتج فقط، ولكن في الأسلوب وفي التفكير وفي ثقافة العمل. قائد التغيير يجب أن يمتلك الفكرة والقوة ليسير في خطوات التغيير، فالفكرة وحدها لا تكفي والقوة وحدها أيضا لا تكفي، لأن التغيير يحتاج لتغيير ثقافة المجتمع والمؤسسة وبالتالي لن يحدث بالقوة.
· المحافظة على علاقات فعالة وإيجابية مع جميع الأعضاء وموجهة نحو الصورة الواسعة للتغيير، وأن يستكشف مواطن القوة في الأعضاء ويستفيد منها بأن يمنحهم الفرص للمشاركة والقيادة معه. فقائد التغيير الناجح لا يعمل عشرة أشياء معا وإنما يستثمر في عشرة أشخاص ليقوموا بهذه الأعمال.
· القدرة على الإقناع بالتغيير، فقائد التغيير يجب أن يمتلك الثقافة وأسلوب مخاطبة الجماهير، لأن الناس بطبيعتهم لا يرغبون في التغيير فيقاومونه ولإقناع الآخرين يجب أن يجمع قائد التغيير بين العقل والعاطفة في خطابه بأن يتمثل نموذج الراكب والفيل، فيخاطب الراكب بالعقل والفيل بالعاطفة والحوافز السريعة، والعمل على تمهيد الطريق لهما بتيسير التغيير.