يا ويلنا من نكبة ثالثة ونهائية ، بقلم : موفق مطر
لا تراجع عن القرار الوطني بردع العابثين بأمن الشعب الفلسطيني ووحدته، والسلم الأهلي والمجتمعي، فاللحظة مصيرية، وتتطلب إصرارا وثباتا وإرادة غير مسبوقة لحماية المشروع الوطني، وتفكيك شبكة المؤامرة (الدولية – الإقليمية – الصهيونية) التي تنفذها قوى وجماعات محلية، لا يربطها بفلسطين وبالوطنية الفلسطينية سوى شارات وشعارات وظفت للتمويه على جريمة خيانة بحق الوطن. تبدأ بالإجهاز على المؤسسة الأمنية، لتنهار بعدها ركائز مؤسسات الدولة تلقائيا مرة واحدة، وأخطر ماقد يحدث بعدها الانهيار الاقتصادي، الاجتماعي والقيمي والثقافي الفردي والجمعي، وعندها لن تنفع الشعارات السياسية الفارغة، فالفقاعات لا تصمد أبداً إلا على مسارح ألعاب الخفة والخداع.
لا ينفع ولا يجدي في هذه اللحظات التاريخية إلا القرار الأصعب، قرار التصدي بالوسائل القانونية المشروعة، الكفيلة بمنع صناع الفتن من ضرب مقومات الشعب الفلسطيني ، الذي يناضل لإثبات جدارته بالحرية والاستقلال بدولة ذات سيادة،، القرار الأصعب لأننا على ثقة بأن الشعب الفلسطيني لن يسمح لأصحاب النزعات الفئوية بتدمير أساسات وحدته التاريخية، وإطاحة نظامه السياسي، ودك المشروع الوطني، ليختلط ركامه مع رماد نسيجه الاجتماعي.
القرار الأصعب المسنود على إيمان بقدرة الشعب الفلسطيني على تجاوز النكبتين التاريخيتين، وأنه لن يهاجر وسيبقى صامدا مهما بلغت دموية مجازر وجرائم حرب منظومة الاحتلال الإسرائيلية، وسينتصر بفضل وعيه لمعنى الانتماء الوطني ولن يسمح بحدوث النكبة الثالثة التي ستكون – لاسمح الله – بمثابة الفصل النهائي لرواية وجودنا كشعب على أرض وطننا التاريخي والطبيعي فلسطين، التي تعمل قوى المؤامرة على محوها عن الخريطة الجغرافية والسياسية ومنع تثبيتها في القانون الدولي، فقد أخذ شعبنا الفلسطيني العبرة من النكبة الأولى سنة 1948 وأدرك حجم وأبعاد المؤامرة الدولية الاستعمارية الصهيونية، التي نفذتها بريطانيا تحت إشراف وإدارة الولايات المتحدة الأميركية، وشاركت في تنفيذها أنظمة حكم رسمية عربية !! وأخذ العبرة كذلك من النكبة الثانية سنة 2006 نتيجة مؤامرة (صهيونية – إخوانية – إقليمية) نفذها فرع جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين المسمى (حماس)، متسلحا بعدائية مطلقة للحركة الوطنية الفلسطينية، وبرغبة شديدة لسفك دماء الآخر الفلسطيني الوطني، وبتعميم يبشر القاتل بتملك مفتاح لدخول الجنة !! أما النكبة الثالثة فقد صرح بها رئيس حكومة منظومة الاحتلال بنيامين نتنياهو جهارا نهارا بقوله :”يجب اجتثاث فكرة الدولة من عقول الفلسطينيين” ما يعني بالنسبة لنا اجتثاث فكرة وجود الشعب الفلسطيني، وعودة منظومة الاحتلال (إسرائيل) إلى مربع الدعاية الصهيونية، بأن الفلسطينيين مجرد مجموعات سكانية من العرب يجب أن يعودوا إلى حيث أتوا ! وسبيل المنظومة إظهار الشعب الفلسطيني كجماعات مسلحة موالية لقوى ودول إقليمية متنافسة وتقاتل بعضها، تنفذ أجندات خارجية، لا انتماء لدى أفرادها إلا لمصادر التمويل بالمال والإمداد بالسلاح وللعائلات والعشائر، وفعلا يبحث أركان استخبارات المنظومة عن ضعاف النفوس، والمجرمين المنفلتين، الذين لا يقيمون وزنا لقيم الأخلاق والأعراف، ولا يعرفون حرفا واحدا من أبجدية الانتماء الوطني، وتدسهم بين الجماهير أولا، بعد تسليحهم وتأمين خطوط الإمداد لهم، ثم تستخدم أعلى درجات المهارة الأمنية لاختراق فصائل وتنظيمات وأحزاب ترفع شعار المقاومة المسلحة، لتسهيل تموضعهم كألغام موقوتة،ألغام يتم تفجيرها عن بعد لضرب واقع التلاحم في ميادين النضال والمواجهة ولإفراغ الوحدة الوطنية الفلسطينية من مضمونها، وتجفيف الحاضنة الشعبية للمناضلين الحقيقيين، بعد تمويه تحركاتهم وأفعالهم الخسيسة ! وتركيز دورهم بافتعال أحداث عنف داخلية، واشتباكات مسلحة، وإطلاق النار على مؤسسات السلطة الوطنية وأجهزة المؤسسة الأمنية الفلسطينية، وفي الشجارات العائلية أيضا، بالتوازي مع حملات إعلامية منظمة، لحرف أنظار الرأي العام بكل أصنافه عن جرائم حرب منظومة الاحتلال، والتركيز على صور ومشاهد صراعات داخلية فلسطينية عنيفة، والهدف من ذلك كله إقناع العالم بأن الشعب الفلسطيني ليس مؤهلا أو جديرا باستقلال ودولة، وأن الصراعات الداخلية “المسلحة” والانفلات الأمني هي الدليل الذي تسارع وسائل إعلام وفضائيات كبرى مشبوهة شريكة بالمؤامرة لتقديمه، أما الهدف غير المعلن فهو إدخال المجتمع الفلسطيني في متاهات الفعل ورد الفعل الدموي، تحت وطأة عادات الثأر والانتقام، ما سيؤدي حتما لاشتعال حريق عظيم لا يبقي من السلم الأهلي والمجتمعي أي أثر، وحينها ستؤمن منظومة الاحتلال والاستيطان الفاشية العنصرية مستقبلا مرئيا مداه الأفق على الأقل، فيتحقق حلم نتنياهو برؤية (إسرائيل) وقد بلغت مئة سنة ! .
يعلم ويعرف ويدرك المناضل الوطني الفلسطيني الحر الشريف كل هذا، لذا فإنه لا يتظاهر ولا يتمظهر بسلاحه، ويحافظ على طهارته، ولا يوجه فوهته إلا نحو محترفي العدوان ومرتكبي جرائم الحرب في المدن والقرى والمخيمات، ودعونا نتفق على أن معيار قياس الانتماء الوطني هو الإيمان بمبدأ القانون الواحد، والنظام الواحد، والسلطة الواحدة، والقرار الوطني الفلسطيني المستقل الواحد، ورفع المصالح العليا للشعب الفلسطيني فوق أي مصلحة خاصة، وبما يضمن تدفق مقومات الصمود والمواجهة والتمسك بالثوابت الوطنية، والعمل بعقلية الانتماء الوطني وفق تقويم نضالي يومي ممنهج للحفاظ على السلم الأهلي، لأننا بدونه وبدون توفير شروط ديمومته لا يمكننا الانتصار لروايتنا الوطنية، وملخصها أن تاريخنا في وطننا فلسطين ابتدأ مع وجود البشر وأمة الإنسان على هذه الأرض، وأننا شعب حضاري أسهمنا جيدا في تكوين المشهد الحضاري الإنساني .
والكلمة التي لابد من قولها بصوت عال: يا ويلنا إذا لم نتصد لصناع النكبة الثالثة .. فهذه المرة – إذا غفلنا – سنسقط ويسيطر المستوطنون المجرمون على أرض وطننا فلسطين كافة ..أما الذين انخرطوا في تنفيذ المؤامرة عن قصد أو جهل، فإنهم لن يكونوا أكثر من خدام في مزارع ومصانع ومشاريع منظومة الاحتلال والاستيطان العنصرية (إسرائيل)!!