لقد تأسست حركة الاخوان المسلمين عام 1928 في جمهورية مصر العربية على يد الشيخ حسن البنا، ومن المفارقات التاريخية انه قد تلقى في نفس العام مساعده ماليه سخية من ريع قناة السويس التي كانت تشرف على ادارتها الاستخبارات البريطانية وطرح الشيخ حسن البنا مبادئه المعروفة والتي يهمني في هذا المقال التطرق لها واهمها: أن شعب مصر ليس بحاجة الى تعدد احزاب، بل جماعة اسلامية واحده تعيد اللُحمة الى الأمة الإسلامية، بالإضافة الى تنقية الإسلام من الشوائب التي شابته خلال القرون السابقة ولم يوضح ماهية هذه الشوائب وتركها مفتوحة يفتي بها المرشد حسبما يراه مناسبا لجماعة الإخوان المسلمين.
لقد عملت جماعة الإخوان المسلمين تحت الأرض في عهد الراحل جمال عبد الناصر بعد محاولة الإختيال الفاشلة بالمنشية-الإسكندرية عندما كان يحتفل الشعب المصري بيوم جلاء القوات البريطانية عن مصر، ولكنها تنفست الصعداء في عهد الرئيس الراحل أنور السادات حيث قربهم إليه بعد أدعائه بإكتشاف مؤامرة عليه من بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة من اليساريين والناصريين، ثم مالبث أن أنقلب عليهم بعد اتفاقية كامب ديفيد التي عارضتها جميع اطياف الشعب المصري والجماهير العربية آنذاك وعاشت مصر السادات عزلة عربية لعدة سنوات حتى اغتياله على يد جماعة اسلامية، ثم جاء الرئيس حسني مبارك الذي حكم مصر لعدة عقود ولاسيما السنوات العشر الاخيرة بالحديد والنار وكان يعتقل كل من يعارضه من كل الأحزاب ولكن في هذا المقال أريد أن أؤكد أنه كان هناك تعاون على أعلى مستوى بين نظام الرئيس حسني مبارك وحركة الإخوان المسلمين وبالتنسيق مع المخابرات العامة المصرية من خلال مجلس الشعب وبعض الصفقات التجارية والسياسية بينهما، وقد تمكن الرئيس حسني مبارك من تمرير كل سياساته لتثبيت حكمه وحتى موضوع التوريث بحضور جماعة الأخوان المسلمين في مجلس الشعب.
وفي 25يناير 2010 حصلت مصادمات كثيرة بين عناصر الشرطة والمتظاهرين ولم يشارك جماعة الإخوان المسلمين الشعب المصري في ساحة التحرير الا في اليوم الرابع بعدما تحققوا أن الشعب المصري لن يتراجع عن اسقاط النظام وبعد 18 يوما سقط نظام حسني مبارك ويذكر أن السيد عمر سليمان ”رئيس المخابرات العامة المصرية” قال: أن الأخوان المسلمين فاوضوه في بداية الثورة أن ينسحبوا من الميدان مقابل منحهم تصريح الموافقة بتأسيس حزب لهم معترف به.
لقد حكم المجلس العسكري في مصر لفترة أكثر من سنة شابها الكثير من المصادمات مع الأحزاب السياسية وكان السبب خوف هذه الأحزاب من المجلس العسكري بالقفز للسيطرة على الحكم وسحب البساط من تحتهم، وفي نفس الوقت كان هناك تنسيق وتواصل مستمر بين جماعة الإخوان المسلمين والمجلس العسكري على أعلى مستوى وأكثر من اي حزب آخر وتوصلوا الى نقطة خلافية صعبة، هل الإنتخابات أولا أم الدستور أولا؟ وقد ضغط الإخوان المسلمين بإتجاه الإنتخابات أولا لأنهم متأكدين من الفوز بحكمهم الأكثر تنظيما ومعظم بقية الاحزاب هي أحزاب جديدة وغير منظمة، وكلما كان المجلس العسكري يعارض هذا التوجه كانوا يسيرون المسيرات والمليونيات ضد المجلس العسكري الى حد المصادمات المباشرة معهم مما يؤدي الى سقود المزيد من الشهداء وإسالة المزيد من الدماء.
وأخيرا رضخ المجلس العسكري لضغوط جماعة الإخوان المسلمين والإدارة الأمريكية بإنجاز الإنتخابات أولا لإن الإدارة الأمريكية تدرك النتيجة كما يدركها الإخوان المسلمون ويريدوا أن يوصلوا الإسلام السياسي الى الحكم، بعدما تحققوا من خلال اللقاءات المتعددة والمكثفة مع قيادات الإخوان المسلمين بأن الجماعة لن تضر بالمصالح الأمريكية بالمنطقة وخاصة أمن إسرائيل، وقد أكد قادة الإخوان المسلمين في أكثر من مناسبة إلتزامهم التام بجميع الإتفاقيات التي وقعتها الدولة المصرية مع دول العالم وخاصة إتفاقية كامب ديفيد.
جرت أنتخابات البرلمان المصري وحصلت جماعة الإخوان المسلمين على الإغلبية أما السلفيين الذين تفاجأه المصريين بنتائجهم التي حصلوا عليها والذين لم يشاركوا أصلا بالثورة ولم يكونوا معارضين بالمطلق لنظام حسني مبارك! لأنهم كانوا يعتبرون أنفسهم جماعة دعوية وليسوا جماعة سياسية!، لقد حاول الإخوان المسلمون والسلفيون إجراء تعديلات تشريعية على بعض بنود البرلمان المصري ولكنها كانت شكلية وسطحية وحتى لم تلبي الحد الأدنى لطموحات الشعب المصري الى أن أصدرت المحكمة الدستورية قرارا ببطلان إنتخابات مجلس الشعب المصري وبناءا عليه فتح جماعة الإخوان المسلمين بما فيهم المرشد ومكتب الإرشاد خاصتهم والرئيس مرسي نفسه وقادة حزب الحرية والعدالة المنبثق عنهم النار على المحكمة الدستورية والقضاء المصري الذي اشرف على الإنتخابات المصرية وصادق على فوز الرئيس مرسي وحلف اليمين الدستوري أمامهم، ولكنهم كعادتهم حاولوا الإنقلاب على المحكمة الدستورية المستقلة بعدما حصلوا على مبتغاهم من المحكمة!!.
ثم بعد فشلهم في مواجهة قضاة المحكمة الدستورية نقلوا معركتهم الى النيابة العامة بإعتبراها جزء من القضاء تحت مبررات لاتقنع حتى الرويبضة من الشعب المصري وهكذا أدخلت هذه الجماعة الشعب المصري الى أتون صراع سياسي وإجتماعي ليس من السهل الخروج منه وخاصة أن هناك دماء كثيرة سالت وشهداء كثر سقطوا.
بدل أن يراجع الرئيس مرسي والمرشد نفسهما إلا أنهما سكبا البنزرين على النار بالإعلان الدستوري الذي اعطى للرئيس صلاحيات مطلقة على جميع مؤسسات الدولة وقال أن هذه القرارت لاترد ولاتصد! وهذا يذكرنا بقول الشيخ حسن البنا أن مصر بحاجة الى جماعة اسلامية وليس لأحد آخر، ولم تتوقف الجماعة عند هذا الحد بل وضعت ظهرها للحائط وقالت ‘فليضرب الشعب المصري رأسه بالحيط!’ نحن سائرون في مشروعنا بأخونة الشعب المصري، فسارعوا بإنهاء الدستور الملئ بالثغرات والعيوب بشهادة جميع اطياف الشعب المصري وبالتالي أنسحابهم من لجنة صياغة الدستور الذي لم يتبقى بها الا الأخوان والسلفيين، مما زاد الموقف تعقيدا وإشتعالا وسقط شهداء جدد أمام قصر الإتحادية بقيام عدد من جماعة الإخوان المسلمين بمهاجمة المعتصمون أمام القصر ومصادرة خيامهم وأمتعتهم والإعتداء عليهم بالضرب المبرح وحتى اطلاق النار على بعضهم وكان آخرهم الشهيد الصحفي أبو ضيف الذي أصيب بعيار ناري من خرطوش أثناء تأديته الواجب الصحفي أمام الإتحادية وأثناء الإعتداء الوحشي على المعتصمين هناك.
لقد طرح المجلس العسكرية والداخلية ‘لقاء الأسرة’ يضم الرئيس مرسي والمعارضة وحدد موعد ولكن اللقاء ألغي ولم يتم من قبل مكتب الرئاسة وفي الحقيقة من قبل المرشد، لأن هذا اللقاء سوف يحرج المرشد ومرسي وجماعة الأخوان المسلمين ولم تنجح جميع الوساطات التي بادر بها المفكرين المصريين أمثال محمد حسنين هيكل وآخرين… لتخفيف الإحتقان بالشارع المصري ولكنهم كانوا يعودوا بخفي حنين.
ثم جاءت السقطة الأخيرة برفع الأسعار بدون دراسة متأنية لهذا القرارت إلا أن الرئاسة تراجعت أمام ضغط انضمام معارضين آخرين خاف المرشد والرئيس مرسي من ثورة جياع تقدم بتقريرها ‘المخابرات والداخلية المصرية’.
إن هذا العناد وهذا التخبط في سلوك الإخوان قولا وفعلا في مصر يؤكد بالدليل القاطع أن هذه الجماعة تعيش في غربة تامة عن الشعب المصري فهم يريدون تطبيق أفكار تأسست سنة 1928 في عام 2012 ويبدو أنهم لم يدركوا ولم يستوعبوا أن الزمن قد تغير كليا والسبب في ذلك أنهم كانو منغلقين على أنفسهم معتبرين كلام المرشد لايصد ولايرد ويدينوا له بالولاء والطاعة، هذا السلوك يأتي في ظل تغيرات جذرية عاشها الشعب المصري بعد ثورة 25يناير دفع من أجل حريته الكثير من الدماء رغم أنهم حاولوا في مرحلة معينة سبقت الثورة إلا أن الشعب المصري تنبه لهذه الخطوات وثار على قرارت الرئيس مرسي والمرشد.
هذا الإغتراب الفكري والسياسي والمجتمعي الذي تعيشه جماعة الإخوان والأرتباك الذي بدى واضحا بين قيادات هذه الجماعة يدلل على أن هذه الجماعة منفصلة تماما عن واقعها، وأعتقد اذا لم يراجع المرشد ومكتب الإرشاد نفسه وخطواته ويقف وقفة جدية تقييمية وناقدة فإن الإخوان المسلمين سيخسروا كل شيء فهم يسخرون الدين في خدمة مصالحهم الدنيوية، قال تعالى ‘يشترون بآيات الله ثمنا قليلا’.
فكما بدأت دعوة جماعة الإخوان المسلمين في مصر وأنتشرت في أنحاء العالم فإن مقتلها سيكون في مصر ويمتد لجميع أنحاء العالم وسيتسببون في فشل مفهموم الإسلام السياسي وأنه لايصلح في القرن الحادي والعشرين بعقلية المرشد ومكتب الإرشاد وجماعة الأخوان المسلمين.