شفا – أقام مركز دراسات ارض فلسطين للتنمية والانتماء، ندوة فكرية تكريمية تحت عنوان: غسان كنفاني في ذكراه الواحدة والخمسين يستقبل الشهيد الند محمد صلاح ابراهيم في يومه الأربعين.
وقد تميزت الندوة بمشاركة مجموعة من نواب الشعب التونسي، حيث حضرها كل من النائب محمود شلغاف عن دائرة قرقنة، والنائب لطفي الهمامي عن دائرة العمران الأعلى، والنائب رشدي الرويسي.
وشارك في الندوة باحثون من فلسطين وتونس و اليمن والاردن ومالي، وأدارتها السيدة سنية محمد الباحثة بمركز دراسات أرض فلسطين.
وقد بدأت الندوة بوقفة احترام وتقدير لصمود مخيم جنين في وجه العدوان الصهيوني الغاشم، وترحم على ارواح شهداء الثورة الفلسطينية والامة العربية على طريق الانتصار الحاسم على الكيان الصهيوني.
وقبل تقديم المداخلات العلمية القى النائب محمود شلغاف كلمة قال فيها إن غسان كنفاني اغتيل لأنه كان يمثل خطراً على الكيان الصهيوني من خلال كتاباته السياسية والأدبية المعبرة عن واقع ومعاناة الشعب الفلسطيني، ومن خلال نضاله السياسي من موقعه القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين .
وأضاف ان غسان كنفاني استبق الجميع عندما حذر من خطورة التطبيع، في وقت لم يكن أي من الأنظمة العربية قد دخل هذا المسار، مؤكداً على ان تكريم غسان كنفاني يفرض علينا اتباع خطاه والوفاء لمبادئه كل من موقعه وحسب المهام المطروحة، وعلى هذا الاساس تصبح مهمتنا ومن موقعنا كنواب شعب تقدميين هي العمل والدفع والتسريع بإقرار قانون يجرم التطبيع، وعلينا العمل على اقتناص اللحظة السياسية المناسبة لتمرير هذا القانون الذي يمثل اقراره مهمة مباشرة مطروحة على القوى التقدمية التونسية.
وقدم د. عابد الزريعي مدير مركز دراسات ارض فلسطين للتنمية والانتماء مداخلة بعنوان “محمد صلاح كتجسيد للاستشراف السردي للمقاومة في رواية ما تبقى لكم”، عرف من خلالها على الشهيد محمد صلاح ” ضيف غسان” حسب عنوان الندوة.
واشار في المداخلة الى ان البنية السردية الثلاثية في رواية ما تبقى لكم التي حددت مصير بطلها حامد، تكاد تكون ذات البنية التي حددت مصير محمد صلاح البطل الواقعي وق،د تلخصت تلك البنية أولا في البداية المتمثلة في الحافز “الشرار” الدافع للفعل، وقد تبدى هذا الحافز في الاهانة الوطنية والاخلاقية التي لحقت بحامد بطل رواية ما تبقى لكم، ودفعته للبحث صيغة للرد، وفي الاهانة النفسية الوطنية التي لحقت بمحمد صلاح، لحظة اكتشافه ان جنديا مصريا قتل على الحدود دون ان يهتم به أحد، وان قيمة الجندي الاسرائيلي اعلى من قيمة المصري.
وتابع الزريعي: “وثانيا في الوسط المتمثل في المسار الذي سلكه حامد في رده الاولي على الاهانة، فقرر عبور الصحراء ليصل الى امه ويبثها شكواه، بينما اختار محمد صلاح التغيب عن وحدته العسكرية كنوع من رد الفعل على الاهانة. وثالثا النهاية وتتمثل في الاختيار النهائي للشخصية، حيث اختار حاكم بعد اصطدامه بالضابط الاسرائيلي، البقاء في الصحراء والمواجهة مع العامل المسبب لتلك الاهانة، ولم يعد يفكر بالذهاب الى امه، اما محمد صلاح فقد عاد الى وحدته بناء على نصيحة اصدقائه، وتسلح كلاشينكوف، و6 مخازن، وسكاكين ومصحف، مسافة 5 كم، اشتباكين بينهما 3 ساعات. قتل 2 في الاول، وقتل 1 واصاب ضابط في الثاني. واستشهد 3 يونيو 2023.
وأشار إلى أن المفارقة ان البحث يكشف عن وعي سابق لدي الشخصيتين لعب دورا في وعي الاهانة وليس الاحساس بها فقط، ويتبدى هذا الامر من خلال ما يرد على لسان حامد وهو يضع السكين على خاصرة الضابط الصهيوني، وفي تدوينات محمد صلاح وسيرته قبل استشهاده. هذا المقارنة تكشف عن نوعية السرد الاستشرافي الذي تميز به غسان، أي السرد الذي يستشرف الواقع القادم.
وقدمت الاستاذة سميحة خلفي المحامية والباحثة في مركز دراسات ارض فلسطين. مداخلة بعنوان ” الكيان الصهيوني وجرائم الاغتيال السياسي ــ غسان كنفاني انموذجا”، تحدثت فيها عن الاغتيال بوصفه اداة فعل للعدو الصهيوني، انطلاقا من قناعته بان كل من يعتقد انه يشكل خطرا مستقبليا على مشروعه يجب تصفيته وفي هذا السياق تم تصفية غسان كنفاني، واغتيال عديد الشخصيات العربية.
واشارت الى ان الملفت للنظر انها كمحامية لم تجد أي ملف قانوني يتعلق بقضية الشهيد غسان. بما يعنيه ذلك من عدم ايلاء هذا الجانب ما يستحقه من اهتمام. واكدت على ضرورة تحويل عمليات الاغتيال الى ادوات ملاحقة قانونية للكيان لصهيوني في مختلف المحافل الدولية، ومن ناحية ثانية الاستناد اليها كأليات تعبئة جماهيرية ضد الاحتلال وحشد القطاعات والفعاليات القانونية للعمل الميداني التعبوي والتحريضي من خلال اقامة المحاكمات الشعبية لرموزه المنفذة لتلك العمليات.
وقدمت د. سمر عبد العظيم من الاردن، والباحثة في مركز دراسات ارض فلسطين مداخلة بعنوان” التحريض في ادب غسان كنفاني، قصة منتصف ايار انموذجا” قالت فيها ان التحريض في الأدب / السرد، هو أن يحمل الخطاب معنى الحث والحض والدعوة إلى رفض ما هو قائم؛ للعمل على تغييره من خلال الأفكار التي يتناولها أو يدعو إليها، إما بالتصريح؛ أي بالكلام المباشر الواضح الصريح، أو بالتلميح من خلال توظيف الرمز أو الصورة أو الرسم. وقد وظف غسان كنفاني التحريض في كل قصصه القصيرة التي تتناول فكرتها كل ما هو يتعلق بفلسطين، وفي رواياته بلا استثناء؛ لذلك لنا أن نطلق على كتاباته صفة الأدب المحرض. وقد جاء التحريض صريحاً واضحاً في قصة “منتصف أيار”. حيث بدا إبراهيم شخصية محرضة لصديقه على قتل القط الذي أكل القط زوج حمام لجِدِّهِ من على سطح البيت. وفي ذات الوقت طرح عليه حلاً بديلاً في حال انثنى عن الانتقام، فسيقوم هو بالانتقام بدلاً عنه “سوف أقتله أنا إذا خانتك شجاعتك” جهز الصديقان السلاح مترصدان هدفهما القط، ضرب الصديق أولاً إلا أنه لم يصب هدفه، أما إبراهيم فانتقم منه بطلقة في رأسه أردته قتيلاً “لقد لطمته الرصاصة في وجهه”. نقل إبراهيم تحريضه من قتل القط اللص إلى خوض قتال يكون هدفه قتل الذين استولوا على الأرض، موضحاً فكرته “ألم تعد نفسك لخوض معارك تقتل فيها رجالاً لا قططاً؟”
وقد الدكتور موديبو دانيو من مالي وهو رئيس وحدة الدراسات الافريقية بمركز مسارات. مداخلة بعنوان ” الهجرة والتهجير: قراءة في رواية رجال في الشمس لغسان كنفاني” جاء فيها إنّ المجتمع ساحة صراع بين القوى السياسيّة والاقتصاديّة والثّقافيّة، وهذا ما يجعل الدراسة الاجتماعيّة أمرا صعبا ومفتوحة على ضروب التّأويل وعلى مخاطر مختلفة أقلّها طغيان الإيديولوجيا طمعا أو خوفا، مضيفاً: “ولذا غالبا ما يلتجئ الناقد إلى النصوص الأدبيّة بما هي عالم مصغّر من جهة ومادّة خام “محايدة” من جهة أخرى لتفسير الظواهر الاجتماعيّة ما شاخ منها وما استجدّ. تنبعا لذلك، وبمناسبة ذكرى اغتيال الأديب الفلسطينيّ المقاوم غسّان كنفاني، اخترنا روايته المشهورة “رجال في الشمس” لتفسير ثنائية “الهجرة والتّهجير” التّي باتت الشّغل الشّاغل لدى العامّة والخاصّة في الشّرق والغرب والشّمال والجنوب. فما الهجرة والتهجير؟ وإلى أي مدى يمكن اتّخاذهما آليّة استقرائيّة لنصّ أدبيّ من قبيل الرواية المذكورة؟ تلك هي المحاولة التّي نقوم بها في تقديم ” الهجرة والتهجير: قراءة في رواية “رجال في الشّمس” لغسان كنفاني”. تلك الرواية التي تدور حول مصير ثلاثة فلسطينيين من أجيال مختلفة، يلتقون حول ضرورة إيجاد حل فردي لمشكلة الإنسان الفلسطيني المعيشية عبر الهرب إلى الكويت ، حيث النفط والثروة. وهم: أبو قيس. الرجل العجوز الذي يحلم ببناء غرفة في مكان ما خارج المخيم، وأسعد: الشاب الذي يحلم بدنانير الكويت وبحياة جديدة، ومروان: الصغير الذي يحاول أن يتغلب على مأساته المعيشية، فشقيقه في الكويت تركهم دون معيل لأنه تزوج، والده ترك أمه ليتزوج بامرأة تملك بيتاً عليه إذن أن يعيل العائلة فيقرّر الوصول إلى الكويت. واشار في مداخلته الى ان مصطلح التّهجير طرد الناس من بيوتهم أو قراهم. ويعرّف بأنه ممارسة مرتبطة نوعا ما بالتطهير المتعصب تجاه مجموعة عرقية أو دينية… وقد يطلق عليه مصطلح “التّهجير القسريّ وهو “ممارسة تنفذها حكومات أو قوى شبه عسكرية أو مجموعات متعصبة تجاه مجموعات عرقية أو دينية أو مذهبية بهدف إخلاء أراضٍ معينة وإحلال مجاميع سكانية أخرى بدلا عنها مثل ما حصل في يوغسلافيا السابقة وفي رواندا حيث سيق المتهمون إلى العدالة الدولية لنيل جزائهم العادل بينما يغضّ الطّرف عمّا حصل ويحصل في فلسطين ليل نهار إلى حدّ السّاعة… والتّهجير القسريّ من الناحية القانونيّة يعتبر جريمة حرب في المواد (2)، (7)، (8) من نظام روما الأساسي. واستنادا إلى هذا التّعريف يتبيّن أنّ الهجرة تتمّ طوعا وتصبح تهجيرا حين يكون كرها. والتهجير وارد وبأشكال متعدّدة في رواية كنفاني “رجال في الشّمس”. يتمثّل شكل التهجير الأوّل في تعذيب فلسطينييّن إلى حدّ فقدان الرجولة الأمر الذّي يدعو بعضهم إلى مغادرة البلاد خوف العار مثل ما حصل لأبي الخيزران السّائق. أمّا الشّكل الثّاني فعبارة عن طرد فلسطينيّين من ديارهم إلى المخيّمات ليعيشوا حياة الذلّ والقهر والفقر. والشّكل الثّالث حاجة ماسّة إلى النقود إمّا للخروج من المخيّمات لبناء ديار محترمة أو للزّواج أو تحمّل مصاريف العائلة بكرامة… واعتمادا على دوافع الهجرة المذكورة في أشكالها الثلاثة يمكن الاستنتاج بأنّ “رجال في الشمس” لم يهاجروا طوعا وإنّما غادروا فلسطين كرها تحت ضغط كبير متعدّد الأبعاد سياسيّ واجتماعيّ واقتصاديّ… وهذا يجعل أمرهم تهجيرا وليس هجرة. ومشروعهم قيميّ بالأساس، خرجوا باحثين عن القيمة (المال) والقيم (المبادئ والأخلاق والكرامة) فدفنوا في الرمال الحارقة بالشّمس ومعهم طموحاتهم”.
وقدم الباحث والكاتب اليمني مجيب الرحمن الوصابي مداخلة بعنوان ” الرمز في قصة الصغير يذهب الى المخيم لغسان كنفاني” اشار فيها الى تميز القصة بالحضور المكثف اللافت للمروي له/عليه والمتعمّد، فيتكرر أحدَ عشرَ مرة في هذه القصة على العكس من أعماله القصصية الأخرى عند المقارنة، ولا يحضر المُخاطب الغائب في هذه القصة إلا مرتبطا بزمن الاشتباك. ويبدو أن المخاطب هنا الذي يروي له الكنفاني هو التاريخ… يوثق شهادته للأجيال وهي شهادة الحاضر والماضي والمتنبي من إرهاصات الواقع أو مقدماته لما ستشهده الساحة الفلسطينية العربية من صراع (اشتباك) بالنسبة للشخوص في هذه القصة في تغدو رموزا اختزالية وفي القصة ” كل الاجيال” ويمكن تقديم قراءة متعددة لكل شخصية في دلالته الرمزية الجد وأميته وجرائده الصفراء، الشرطي وحذاءه، أبناء العم الفتى المغامر والعنيد، عصام القوي والزعيم، الآباء السلبيين، وهي شخصيات متعددة الدلالات الرمزية ومفتوحة على مختلف التأويلات، وهنا تكمن براعة غسان كنفاني إنّ غسان كنفاني يقدم في هذه القصة في بعده الرمزي شهادة تاريخية توثيقية لتاريخ الصراع العربي الصهيوني والعربي الفلسطيني البيني….. بل رؤية استشرافية يمكن أن نؤولها في زمن الاشتباك والجوع واللهث الذي يصفه بالغريزي بعد الجاه والمال. وقد أعقب تقديم المداخلات نقاش معمق شارك فيه الحضور بفاعلية ملفتة.