هناك حقائق تاريخية عشناها وما تزال مؤرخة لا يستطيع مؤيد أو ناقد لنظام ما أن يتجاهلها أو يقفز عنها. وأنا هنا لست بصدّد الدفاع عن النظام الأردني، فلا يوجد نظام عربي ملكي، جمهوري، أميري، أم سلطاني، يخلو من العيوب والسلبيات التي بعضها لدى غالبية الأنظمة العربية يخجل الشخص من ذكرها واعتبار أصحابها ينتمون للشعوب العربية. لذلك وعلى قاعدة ( الخلاف في الرأي لايفسد المودة بين البشر ) سوف أناقش بعض الآراء التي أوردها الصديق الذي أحترم وأقدّر الدكتور شاكر النابلسي في مقالته بعنوان ( سطور سوداء من تاريخ هؤلاء) المنشورة في “إيلاف” بتاريخ الثاني من ديسمبر 2012 .
هل هناك عربي يؤيد الوحدة العربية؟
يقول الزميل الدكتور شاكر النابلسي في مقالته المذكورة: “ولنعلم جيدا أنّ الهاشميين يرفضون
الوحدة رفضاً تاماً، ويقاوموها كما قاموا “وحدة مصر وسوريا” عام 1958، ووحدة “جنوب اليمن وشماله” عام 1990، وحاربوا الى جانب الإمام المخلوع آنذاك”. أعتقد أنّ هذا الرأي لا تؤيده مجريات ووقائع التاريخ العربي الذي عاصرناه جميعا ولا توجد أية معلومة تاريخية موثقة تؤيد ذلك، فمن في الأساس قاوم وحدة مصر وسوريا؟. إنّهم السوريون أنفسهم لأنّها كانت وحدة غير منطقية ومجرد نزوة ناصرية قوتلية (شكري القوتلي)، أتاحت لعبد الناصر فرصة لخطابات وحدوية بين دولتين لا تربطهما حدود جغرافية، وأطلقت يد المشير عبد الحكيم عامر (حاكم سوريا، الإقليم الشمالي) أن يعيث فسادا وإرهابا من قصره المنيف في منطقة بلودان الجبلية السياحية، من خلال عبد الحميد السراج وزير داخلية عبد الناصرالذي فرض على سوريا حكما بوليسيا لم تعرفه سوريا إلا بعد ذلك في حكم الوحشين حافظ وبشار، ويكفي أنّ هذا القاتل المجرم عبد الحميد السرّاج ، قام باعتقال زعيم الحزب الشيوعي اللبناني السوري فرج الله الحلو عام 1959 وقتله بالرصاص ثم قام بتذويب جثته بالأسيد كي لا يكتشف أي أثر لهذه العملية القذرة الجستابوية، ومن المهم قراءة كتاب عديله غسان زكريا بعنوان (السلطان الأحمر).. نتيجة ذلك قامت حركة الانفصال في الثامن والعشرين من سبتمبر 1961 بقيادة الضابط السوري عبد الكريم النحلاوي، ولم يكن قد مرّ على هذه الوحدة البوليسية سوى ثلاثة سنوات تقريبا لم تشهد توحيدا حقيقيا في أي مجال من مجالات الحياة سوى القمع والسجون والمعتقلات. فمن إذن الذي أطاح بالوحدة الشكلية بين مصر وسوريا؟ هل هم الهاشميون أم الضباط السوريون أنفسهم؟. وإذا كانت هناك رغبة سورية أو مصرية في العودة للوحدة، لماذا لم نسمع بأية محاولة في هذا الاتجاه منذ الانفصال حتى اليوم رغم حكم حزب (أمة عربية واحدة) منذ عام 1963 في سوريا عبر انقلابات دموية لا مثيل لها في أي قطر عربي سوى العراق الذي حكمه نفس الحزب الدموي؟. فلماذا الزجّ بالنظام الأردني في الإطاحة بالوحدة الديكورية بين مصر وسوريا، وقد أطاح بها السوريون أنفسهم احتجاجا على القمع والسجون والمعتقلات التي كان بطلها هو السلطان الأحمر الدموي بامتياز مخزي؟.أليس هذا الإدعاء تزوير لتاريخ عشناه وما زلنا؟.
ومن قاوم وحدة اليمن ويريد الانفصال اليوم؟
أمّا عن مقاومة الهاشميين كما يقول الزميل الدكتور شاكر النابلسي (وحدة جنوب اليمن وشماله عام 1990 وحاربوا إلى جانب الإمام المخلوع)، فهذا السرد مغالطة تاريخية واضحة، فلا أتذكر أن أحدا من العرب قاوم أو كان ضد وحدة اليمن عام 1990 ، وما علاقة إمام اليمن بهذا السياق وهذه الوحدة، وهو من تمت الإطاحة به في انقلاب عبد الله السلال في السادس والعشرين من سبتمبر 1962، وهو الانقلاب الذي ورّط عبد الناصرمن خلاله الجيش المصري في حرب اليمن التي أعقبت الانقلاب، ليكون هذا التوريط انهاكا للجيش المصري وصولا لهزيمة يونيو1967 التي نتج عنها احتلال كامل سيناء المصرية وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان السورية. وبالتالي فلا علاقة للنظام الأردني بحرب اليمن التي أعقبت الانقلاب ولا بوحدة اليمن التي أعلنت عام 1990 ولم يعارضها أي نظام عربي، بدليل أنّه استمرت عضوية (الجمهورية العربية اليمنية) الجديدة بعد الوحدة في جامعة الدول العربية، ولم ترفض أية دولة عربية الاعتراف بالجمهورية اليمنية الجديدة الموحدة من شمال اليمن وجنوبه بما فيها الأردن. بالعكس بعد الممارسات العنصرية التطهيرية والانقلابات والاغتيالات المتوالية، تندّم الشعب اليمني في الجنوب على موافقته على هذه الوحدة الديكورية، وهاهم يطالبون علانية بالانفصال منذ سنوات، وهدّد بعض قادة الحراك الجنوبي اليمني باللجوء للسلاح لتحقيق هذا الانفصال، وكانوا قد لجأوا للسلاح في حرب دامية عام 1994 انتصر فيها الطاغية علي عبد الله صالح الذي استمر في طغيانه وفساده إلى أن أطاح به الربيع اليمني. وبالتالي فإن الزجّ باسم النظام الأردني في سياق الوقوف جانب إمام اليمن والتدخل عسكريا لصالحه، ثم مقاومة الوحدة بين شمال اليمن وجنوبه، لا تؤيده أية معلومة أو حقيقة تاريخية خاصة أنّنا عشنا هذه المرحلة بكافة تفاصيلها.
هل من المنطقي تشبيه النظام الملكي الأردني بالنظام الوحشي الأسدي؟
وأيضا اعتمادا على الواقع الذي عاشه ويعيشه الشعبان الأردني والسوري منذ أكثر من ستين عاما، يدلّل هذا المنطق كما عشناه جميعا على حجم خطأ الصديق الدكتور شاكر النابلسي في قوله: ( إن النظام البوليسي الهاشمي، لا يختلف عن النظام البوليسي الأسدي الحالي، وربما كان النظام البوليسي الهاشمي أشد وأفتك عند الحاجة، وكما كان في 1957، و 1989).هل عاش الشعب الأردني في كل هذه السنوات بما فيها عامي 1957 و 1989 أية نسبة تذكر من قمع النظام الوحشي الأسدي؟ هل خسر الأردنيون ماخسره الشعب السوري حتى الآن منذ انطلاق الثورة السورية قرابة خمسين ألف قتيلا وألاف السجناء والمفقودين، وقرابة مائتي ألف لاجىء سوري في الأردن وتركيا ولبنان والعراق؟. هل سمع أحد بلاجئين أردنيين هروبا من ممارسات النظام الملكي الأردني؟.وهل عاش أو عرف الشعب الأردني مذابح تشبه ولو بنسبة واحد بالمائة مذبحة حافظ الوحش وشقيقه رفعتت في مدينة حماة عام 1982 التي راح ضحيتها ما لا يقل عن خمسة وثلاثين ألفا من الشعب السوري بتهمة انتمائهم للإخوان المسلمين؟.وهل سمع أحد بمعارضة أردنية خارج الأردن، أم أنّها تمارس في داخل الأردن نسبة عالية من مطالبها وتظاهراتها دون أن تتعرض لنسبة واحد بالمليار مما يتعرض له الشعب السوري داخل سوريا منذ عام 1970 حيث فعلا السجون والمعتقلات أكثر من الجامعات والمستشفيات لدرجة تسميتها بالأرقام لكثرتها. وأكرّر هذا لا يعني أنّ الأردن يخلو من السجون والتجاوزات والإساءات، ولكن قول الزميل الدكتور شاكر النابلسي ( النظام البوليسي الهاشمي أشدّ و أفتك عند الحاجة ) هو افتراء على الحقيقة التي يعيشها الأردنيون ولم يشهدوا نسبة من قمع نظام الوحوش في سوريا.
وماذا حدث في الأردن عام 1957 ؟
شهد الأردن في ذلك العام ما عرف ب “حركة الضباط الأحرار” ومن حسن حظ الأردنيين أنّه تم كشف هذه الحركة قبل تنفيذها انقلابا عسكريا، كان من المؤكد سيدخل الأردن في دوامة الانقلابات التي عاشتها سوريا وأقطار عربية أخرى، لم يكن هدفها سوى السيطرة على الثروة والكراسي، وخير دليل على ذلك ما عاشته الجارة سوريا منذ عام 1963 حيث انقلابات لم ترحم حتى البعثيين أنفسهم فمات بعضهم في السجون، ووصل هروب بعضهم إلى أمريكا اللاتينية، وأمضى بعثيون أردنيون مثل حكم الفايز وضافي اجميعاني عشرات السنين في سجون الوحش حافظ. بينما في ظل النظام الملكي الأردني، غادر أشهر أعضاء “حركة الضباط الأحرار” اللواء علي أبو نوار إلى مصر، ثم أعاده عفو ملكي أردني ليواصل عمله كمواطن أردني، متقلدا العديد من المناصب العالية منها مستشارا للمرحوم الملك حسين، وسفيرا للأردن في فرنسا وبلجيكا، وممثلا للأردن في منظمة التربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)، ثم عضوا في مجلس الأعيان الأردني عام 1989 حتى وفاته رحمه الله في أغسطس 1991 . فهل حدث ذلك في حكم الوحش حافظ ونجله بشار منذ عام 1970 وحتى اليوم؟ إذن كيف وبأي منطق ومعلومات تاريخية يمكن القول أنّ النظام الملكي الهاشمي أشدّ بوليسية وفتكا من نظام الوحوش في سوريا؟.
متابعة مهمة
ومن يهمّهم التاريخ الموثق بحقائق وشهود عيان عاصروا الحدث الأردني، يستطيعون العودة لما كتبه الدكتور “سعد الدين أبو دية” في جريدة “الغد” الأردنية بتاريخ الخامس والعشرين من أبريل عام 2008 ، حيث يكشف جوانب من مؤامرة عام 1957 في الأردن، وأهم ما كشفه هو مراسلات المخابرات العراقية في زمن عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف مع (سليمان النابلسي)- رئيس الوزراء الأردني بين عامي 56 – 1957 – عارضين عليه القيام بانقلاب عسكري والسيطرة على الحكم في الأردن. رفض سليمان النابلسي العرض العراقي وقال لهم: ( الأولى أن تسيطروا على الحكم في العراق وتزيلوا نوري السعيد لأنّ الأردن دولة ديمقراطية). وأهم من ذلك ما كشفته تلك الوثائق، أنّ القيادي البعثي الأردني عبد الله الريماوي ذهب للقاهرة واستشار جمال عبد الناصر في مسألة الانقلاب في الأردن، فكان ردّ عبد الناصر الرفض قطعيا، لأنّ الانقلاب لا يخدم القضية العربية والوحدة العربية والدعوة إليها. وهنا كامل التفاصيل لمن يريد:
www.alghad.com/index.php/article/219247.html
وماذا حدث في الأردن عام 1989 ؟
شهد ذلك العام ما عرف في الحياة السياسية الأردنية ب ( هبّة نيسان ) في مدينة معان على خلفية رفع اسعار المحروقات والوضع الاقتصادي الصعب إثر حرب الخليج الأولى، وتوسعت المظاهرات الاحتجاجية لتصل لعدة محافظات أردنية، وحصلت اشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين الأردنيين، وسقط عدد من القتلى والجرحى من الجانبين لا يتعدى كما عاشه وعرفه الأردنيون أصابع اليد الواحدة، ولكن ماذا كانت النتيجة؟. التقط المرحوم الملك حسين تلك اللحظة ، واستمع لصوت ومطالب الشعب الأردني فأقال حكومة زيد الرفاعي، وتشكيل حكومة جديدة برئاسة الأمير زيد بن شاكر، أقرت إجراء انتخابات برلمانية وتشريع العمل للأحزاب الأردنية وإلغاء قانون الطوارىء الذي كان معمولا به منذ عام 1967 ، وقد نتج عن هذا الانفتاح الديمقراطي ظهور الأحزاب الأردنية المرخصة رسميا وأصبحت تزيد عن خمسة وعشرين حزبا تحصل على ميزانية سنوية رسمية من الدولة، وظهور عشرات الصحف والمجلات والمواقع الإليكترونية من مختلف التوجهات والسياسات، وما زال هذا الوضع المنفتح على الحريات العامة خاصة حرية التعبير سائدا في الأردن حتى اليوم. فها عاش الشعب السوري نسبة من هذا الانفتاح منذ عام 1970 منذ استولى حافظ الوحش على السلطة؟. وهل استغل الشقيقان حافظ و رفعت الوحش اللحظة التي أعقبت مجزرتهما في حماة عام 1982 ليقوما بأية نسبة من هذا الانفتاح الديمقراطي، أم كان انفتاحهما على مجازر جديدة انتهت بتوريث مخزي للوحش بشار، وها نحن مع الشعب السوري نرى جرائمه منذ مارس 2011 . فهل هناك أية مصداقية في وضع النظام الأردني في صف النظام البوليسي الوحشي في سوريا؟
لذلك أعود للتأكيد أنني لست مع الدفاع عن أي نظام عربي، لأنّه لا يوجد أي نظام منها يخلو من العيوب والسلبيات، وسأظلّ مع صوت الشعوب العربية، والتي تطالب برحيل وسقوط نظامها سأؤيدها، ومن تطالب باستمرار النظام والمطالبة بتسريع الإصلاحات في كافة ميادين الحياة مثل الشعب الأردني أقف مع مطالبه وأؤيده، ولو استمع بشار الوحش منذ مارس 2011 لأي من مطالب الشعب السوري وأوقف مجازره ومذابحه لشكرّته وصفقفت له..وللزميل الدكتور شاكر النابلسي وعلى طريقته أقول له ولكافة القراء…السلام عليكم.
www.drabumatar.com