جريمة حرب في جنين.. والمطلوب رقم واحد !!! بقلم : موفق مطر
جريمة الحرب في جنين التي ابتدأتها قوات النخبة في جيش الاحتلال الإسرائيلي بالتعاون بين أركانه مع جهاز الشاباك هي الأحدث في سلسلة جرائم منظومة الاحتلال والاستيطان الفاشية العنصرية بحق الشعب الفلسطيني، لكنها ليست الأولى – حتى وإن كانت مميزة وغير مسبوقة بالحجم والأهداف والآليات والأسلحة المستخدمة، منذ تاريخ جريمة الحرب في نفس المدينة والمخيم سنة 2002، حيث استمرت الحملة المدمرة على المخيم حوالي أسبوعين كان ضحيتها أكثر من خمسين شهيدا ومئات الجرحى ودمار هائل تغيرت على إثره شوارع المخيم الرئيسة وبعض أحيائه التي تحولت إلى ركام، لكن مهمة جيش الاحتلال الدموية ارتدت عليه، حيث جوبه بمقاومة شعبية مسلحة وصمود أسطوري قاده الضابط في قوات الأمن الوطني الفلسطيني الشهيد يوسف أحمد ريحان المعروف باسم (أبو جندل).
نعتقد أن منظومة الاحتلال تركز قوتها النارية المدمرة على مخيم جنين بصفة خاصة، والمخيمات الفلسطينية في الوطن، ليس بسبب تحول المخيم إلى رمز للثبات والصمود والكفاح الشعبي بالوسائل المشروعة ضد المشروع الصهيوني وحسب، بل لارتباطه كما باقي المخيمات مباشرة باللاجئين الفلسطينيين وحقهم الثابت والمقدس بالعودة، ما يعني العلاقة غير القابلة للانفصال والانفصام بين الحق الفلسطيني التاريخي للشعب الفلسطيني في أرض وطنه فلسطين، وبين ثوابته وأهدافه الوطنية المشروعة، المرتكزة على إرادته غير القابلة للانكسار أبداً، أما هواجس رؤوس منظومة الاحتلال الأمنية فهي ليست أكثر من مبررات مخادعة لتسويق وتمرير جريمة حرب منظومة الصهيونية الدينية الحالية بحق الشعب الفلسطيني عموما، وبحق اللاجئين في المخيمات تحديدا، فيما الهدف الرئيس لجرائم الحرب المنظمة والمبرمجة هو إخضاع الشعب الفلسطيني وإجباره على الاستسلام، ليس بتجريد شباب المخيمات من السلاح وإنما لكسر إرادة أجيال فلسطينية ورثت الانتماء الوطني جينيا، حتى بات هدف العدو بنيل استسلام، أو رؤية رايات بيضاء في أيدي شباب ورجال ونساء المخيم مستحيلا، فغطرسة رؤوس حكومة وجيش منظومة الاحتلال وأجهزتها الأمنية أعمت بصيرتها عن هذه الحقيقة، رغم التجارب السابقة والآنية في منازلة إرادة الشعب الفلسطيني التي كلفتهم الكثير من الخسائر البشرية أيضا والمادية، وأحدثت شروخا واسعة في مجتمعاتهم السياسية.
تجلت أهداف جريمة حرب المنظومة الاستعمارية الصهيونية التي ما زلنا نشهد أحداثها منذ فجر أمس على جنين، بإحداث فجوات كبيرة بين القيادة الفلسطينية التي تتحمل وزر تأمين مقومات الصمود والمواجهة الشعبية وتأمين وضمان حقوق ومخصصات أسر الشهداء والأسرى مهما بلغت التضحيات، وبين الجماهير الفلسطينية كمقدمة لتدميرها بشكل كامل، لذا لم يكن مصادفة تصريح وزير خارجية حكومة منظومة الاحتلال عن اعتقاده بأن السلطة الفلسطينية لا تمانع العملية العسكرية الواسعة على جنين!!، ليعود وبفقرة أخرى من التصريح ليكذب نفسه وادعاءاته ويكشف دون قصد عن نوايا حكومته وأهدافها من العدوان على جنين، عندما قال “إن السلطة تدفع المال للمسلحين لقتل اليهود!!” فهل من بارع في حل مسائل الرياضيات يمكنه حل هذه المتناقضات، التي لا يرشح منها إلا أمر واحد وهو أن عمليات جيش الاحتلال العسكرية المدمرة، وجرائم المستوطنين (ميليشيا حكومة نتنياهو) بقيادة بن غفير وسموتريتش هدفها إضعاف قدرة قيادة الشعب الفلسطيني على تمثيل إرادته وتحقيق أهدافه، والتمسك بثوابته الوطنية، ودفعها للتسليم بالأمر الواقع (الاحتلال واستيطان)، فرؤوس منظومة الاحتلال يدركون جيدا أن الإرادة الوطنية المحركة لقائد حركة التحرر الوطنية الفلسطينية، رئيس الشعب الفلسطيني محمود عباس أبو مازن، تستمد طاقتها من إرادة الشعب الفلسطيني المستمرة بالتدفق وبذات الغزارة منذ أكثر من مئة عام، وشواهدها ثورات وانتفاضات وصمود ومقاومة وكفاح ونضال متزامن ومتواز في الميادين كافة بدون استثناء.
قد يحقق رؤوس حكومة وجيش منظومة الاحتلال والاستيطان أهدافا معينة، يكون ثمنها شهداء وجرحى من شعبنا، وتدمير بيوت ومؤسسات، والبنية التحتية للمخيم، لكنه لن يستطيع الوصول (للمطلوب رقم واحد) لأنه ليس موجودا في مخيم جنين، ولا في مدينة جنين، ولا في مدن وقرى ومناطق فلسطين التاريخية والطبيعية، ولا في المخيمات الفلسطينية في دول الجوار العربي وحسب، بل موجود في قلب كل وطني فلسطيني، وليس على منظومة الاحتلال إلا سلوك درب المستحيل لإبادة أكثر من 14 مليون فلسطيني في الوطن وخارجه، ومن على وجه الكرة الأرضية للوصول إلى المطلوب رقم واحد (إرادة الشعب الفلسطيني) المتحركة بقوة دفع طاقة مستمدة من القيم والأخلاق والأعراف والشرائع والمواثيق والقوانين الإنسانية، والإيمان بحقه في الحرية والتحرر والاستقلال والسلام .