مسرح الحرية في مخيم جنين.. لماذا يرعب إسرائيل؟ بقلم : باسم برهوم
أول ما قام به جيش الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه العسكري العنيف على مخيم جنين أمس هو قصف وتدمير مسرح الحرية، وكان المسرح هدفا للتدمير أيضا في الساعات الأولى لبدء عملية “السور الواقي” عام 2002، هذه العملية التي أعاد خلالها شارون احتلال الضفة. السؤال لماذا يرعب هذا المسرح المتواضع إسرائيل إلى هذه الدرجة؟
مسرح الحرية أسسته المناضلة اليهودية التقدمية آرنا مير خميس مع مجموعة من شابات وشباب المخيم وبقدرات محلية متواضعة عام 1990، أي قبل اتفاقيات أوسلو، آرنا هي زوجة المناضل الوطني الفلسطيني الكبير الكاتب والصحافي صليبا خميس أحد قيادات الحزب الشيوعي “راكاح” ، وكان ابنهما جوليانو مير خميس أحد الممثلين البارزين الذين لعبوا أدوارا مهمة على خشبة هذا المسرح.
منذ تأسيسه تم عرض العديد من المسرحيات المحلية، التي تعزز الهوية الوطنية والذاكرة الجماعية وتمجد روح التضحية في سبيل القضية الفلسطينية، كما عرض على خشبة مسرح الحرية مسرحيات عالمية مثل
“مزرعة الحيوانات” لجورج أورويل، وأليس في بلاد العجائب، ومن المسرحيات الفلسطينية المحلية، “الحصار” وهي مسرحية تروي قصة مقاومين فلسطينيين في الانتفاضة الثانية، ومسرحيتا عائد إلى حيفا ورجال تحت الشمس لغسان كنفاني. ومسرحيتا “أثناء الانتظار” و”عائد إلى الوطن”، وغيرها.
نعود الآن للسؤال لماذا يرعب المسرح إسرائيل وقامت بتدميره مرتين؟
أكثر ما يخيف إسرائيل هو الجانب الثقافي للمقاومة الفلسطينية، فهي تشيع في العالم أن الشعب الفلسطيني لا وجود له، وأنه إذا وجد فهو مجرد جماعات متخلفة لا هوية قومية متبلورة لها، وبالتالي هي تواجه مجموعات “إرهابية ” مدفوعة من الخارج. ومصدر القلق الثاني هو أن المسرح يرمز إلى أن المقاومة الفلسطينية ليست عدمية. أي مقاومة من أجل المقاومة، بل لها أهداف سياسية تسعى لتحقيقها، وأهداف إنسانية، هي مقاومة تتمتع بكل المعايير الحضارية، وكما كان يرد ياسر عرفات البندقية التي هي بدون أهداف سياسية هي بندقية قطاع طرق “.
المسألة الأخرى التي تزعج إسرائيل هي أن المسرح تم تأسيسه عبر شراكة بين إسرائيليين تقدميين وفلسطينيين، وحافظ على طابعه المقاوم، ويدعم بلا أي تحفظ الحقوق الوطنية الفلسطينية التاريخية في وطنهم التاريخي. هذا ربما مصدر القلق، فأكثر ما يخيف إسرائيل في الحقيقة هو الأعمال الثقافية التي تنسف روايتها الصهيونية الزائفة. فالمسرح بكل رمزياته إلى جانب وجوده في مخيم اللاجئين الفلسطينيين أصحاب الحق بالعودة إلى ديارهم التي شردوا منها خلال عملية تطهير عرقي بشعة في حرب عام 1948، أن يكون المسرح في هذا المكان المقاوم هو بالفعل مصدر رعب لإسرائيل.
الثورة الفلسطينية المعاصرة كانت تصر على إبراز بعدها الثقافي، فأسست على الفور مؤسساتها الثقافية، وكانت دائرة الثقافة في منظمة التحرير الفلسطينية لا تقل نشاطا عن الدائرة العسكرية، أو السياسية، وكانت الثورة حريصة على إبراز رموزها الثقافية، عبد الكريم الكرمي، فدوى طوقان، محمود درويش، سميح القاسم، توفيق زياد، معين بسيسو. وحنا أبو حنا، وعز الدين المناصرة، وجبرا إبراهيم جبرا، وإميل حبيبي وغيرهم. حرصت الثورة على الحفاظ على التراث الشعبي الفلسطيني، فرق الدبكة، والثوب الفلسطيني وكل عادات وتقاليد الشعب الفلسطيني التي توارثها جيلا بعد جيل منذ آلاف السنين على أرض وطنه.
مسرح الحرية هو أحد رموز الثقافة الفلسطينية، وهو يأخذ رمزية خاصة أنه في مخيم جنين، هذا المخيم العصي على الكسر، لذلك لم تكن صدفة أمس أن تكون أولى قذائف سلاح الجو الإسرائيلي تستهدفه وتدمره، ولكن ما إن يسحب جيش الاحتلال قواته الغازية، سيقوم شباب المخيم بإعادة بناء المسرح ليستمر في عرض مسرحياته الوطنية كما قاموا بذلك بعد تدميره عام 2002، مسرح الحرية هو مبنى صغير لكنه يجسد إرادة الشعب الفلسطيني على البقاء والصمود وإصرارهم على حقهم بالعودة وتقرير المصير على أرضهم التاريخية.