مبادرة النقاط الثلاث تعزز دبلوماسية وسياسة الصين في دعم القضية الفلسطينية ، بقلم : محمـد علوش
هناك أهمية بالغة لتنامي دور الصين على الصعيد الدولي كقوة أساسية فاعلة، خصوصاً في ظل تراجع الهيمنة الأميركية وبداية تشكّل عالم متعدد الأقطاب، حيث حققت المبادرة الصينية بشأن استعادة وبناء العلاقات السعودية الإيرانية نجاحاً كبيراً، وكذلك طرحها اليوم لرؤيتها لحل القضية الفلسطينية التي عرفت برؤية النقاط الثلاث، والتي تؤكد القيادة الصينية من خلالها دعمها واسنادها للقضية الفلسطينية ودعوتها لعقد مؤتمر دولي وفق قرارات الشرعية الدولية، وهو ما يجعل الصين الصديقة من أكثر البلدان دعماً للقضية الفلسطينية العادلة.
وتكمن الأهمية في الرؤية الصينية ذات النقاط الثلاث التي أعلنها الرئيس الصيني شي جين بينغ في مباحثاته مع الرئيس محمود عباس، رئيس دولة فلسطين، حيث أعلن الرئيسان عن إقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية، وهو ما سينعكس ايجابياً على مكانة القضية الفلسطينية وبناء علاقات الصداقة الراسخة بين الفلسطينيين والصينيين، وهو يمثل أيضاً تصميماً جديداً على أعلى مستوى من قبل البلدين والقيادتين لتطوير العلاقات الثنائية، مما سيدفع التعاون في مختلف المجالات إلى مستوى أعلى، والتي كان من أبرز تعبيراتها أن الرؤية ذات النقاط الثلاث تثبت مرة أخرى أن الصين تؤيد بحزم القضية العادلة لاستعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه الوطنية المشروعة.
وهل هناك ما هو أكثر صدقية وايجابية في الموقف الصيني؟
هذا الموقف التاريخي والمتجدد والهام الذي يعتبر أن القضية الفلسطينية التي طال أمدها، سببت معاناة خطيرة ومؤلمة للشعب الفلسطيني، ولا بد لها – أي الصين – من بذل كل الجهود والمساعي من أجل إعادة العدالة واسناد الشعب الفلسطيني ودعمه لإقامة دولته الفلسطينية المستقلة، وتحقيق السلام العادل والشامل والمتوازن الذي ينسجم وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية.
وليس للصين مصلحة خاصة بشأن القضية الفلسطينية، وهي تأمل أن يتم النظر بعناية واهتمام في رؤيتها المطروحة، والتحلي بالشجاعة السياسيّة، واتخاذ خطوات جادة وواثقة نحو استئناف مفاوضات السلام والحفاظ على السلام والاستقرار الإقليميين، تمامًا كما هو الحال في قضايا الأمن الأخرى في الشرق الأوسط، فالقيادة الصينية متمسكة تمامًا بجوهر العدالة، وتحاول منع تهميش القضية الفلسطينية في ظل الوضع الإقليمي والدولي المعقد والمتغير باستمرار، وتسعى للمساعدة في تعزيز حل المشكلة خطوة بخطوة.
ولقد طرح الزعيم الصيني رؤيته ذات النقاط الثلاث، والتي تعبر عن الارادة السياسيّة الحرة وعن العملية الدبلوماسية العميقة التي تقوم بها الصين، حيث تنطلق الرؤية من أن المخرج الأساسي لحل القضية الفلسطينية تتمثل في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وذات السيادة الكاملة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وأن هناك ضرورة للعمل من أجل ضمان احتياجات الشعب الفلسطيني اقتصادياً ومعيشياً، وأن المجتمع الدولي ينبغي عليه القيام بزيادة المساعدات الإنمائية والإنسانية لفلسطين، والالتزام بالاتجاه الصحيح المتمثل في مفاوضات السلام، واحترام الوضع التاريخي القائم للمقدسات الدينية في القدس، والتخلي عن الأقوال والأفعال المتشددة والاستفزازية، والدفع لعقد مؤتمر سلام دولي على نطاق أوسع وبمصداقية أكثر وتأثير أكبر، وتهيئة الظروف لاستئناف المفاوضات لتحقيق السلام، وبذل جهود ملموسة لتحقيق التعايش السلمي، ونتوقع أن تواصل الصين لعب دور أكبر تجاه القضية الفلسطينية، فمنذ سنوات عديدة تقوم القيادة الصينية بحملة من أجل (حل مبكر وشامل وعادل ودائم للقضية الفلسطينية)، وقدمت العديد من المقترحات والمبادرات، وأعربت عن ترحيبها بالمفاوضين من فلسطين و(إسرائيل) للمجيء إلى الصين من أجل القيام بمفاوضات مباشرة، وبخاصة أن المصالحة السعودية الايرانية في بكين، ونجاح الدبلوماسية الصينية في أعادت ترتيب العلاقات بين البلدين وانعكست ايجابياً على المنطقة العربية، وهو الذي جعل العالم الخارجي يرى الجاذبية القوية للسياسة الدبلوماسية الصينية، كما أصبح لدينا مساحة أكبر للخيال أكثر من ذي قبل، عما إذا كان هناك حل جديد للقضية الفلسطينية، وما إذا كان من الممكن كسر الاستنتاج على أن الرغبة والقدرة على التوصل إلى تسوية تاريخية تكاد تكون معدومة في المستقبل.
وفيما سبق فقد طرح الرئيس الصيني اقتراحاً مكوناً من أربع نقاط بشأن حل القضية الفلسطينية خلال محادثاته مع الرئيس عباس في 6 مايو 2013 و18 يوليو 2017 على التوالي، ولقد شجعت الصين، بصفتها الرئيس الدوري لمجلس الأمن الدولي عام 2021، مجلس الأمن على مراجعة القضية الفلسطينية خمس مرات وأصدرت أخيرًا بيانًا صحفيًا رئاسيًا، وحتى الآن، سافر المبعوثون الصينيون الخمسة الخاصون إلى الشرق الأوسط عشرات المرات إلى فلسطين و(إسرائيل) ومصر والأردن ودول أخرى في الشرق الأوسط للتوسط في ايجاد حل عادل ومنصف ينهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
هناك أهمية لاغتنام الذكرى الـ35 لإقامة العلاقات الدبلوماسية الفلسطينية الصينية كفرصة للعمل على إحراز نتائج ملموسة لشراكتهما الاستراتيجية من أجل تحقيق منافع أفضل لشعبي البلدين، وتطوير وتعزيز التعاون في مختلف المجالات بين البلدين، هذا التعاون البناء الذي شهد تقدماً مطرداً، وهذا ما يدعونا للتفاؤل بإمكانية بذل مزيد من الجهود لمواصلة الدعم المتبادل بحزم، ومواصلة تعزيز التعاون البراغماتي، والعمل ترجمة الرؤية الصينية ذات النقاط الثلاث التي أعطت زخماً وحضوراً واهتماماً دولياً لدبلوماسية وسياسة الصين تجاه القضية الفلسطينية والمنطقة.
- عضو المكتب السياسي لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني