صورة المرأة في الإعلام: فلسطين نموذجا ، بقلم : نهاد ابو غوش
يرى كثير من الاعلاميين أن الإعلام هو مجال مهني محض، مستقل ونزيه وموضوعي ومحايد، تجاه مختلف قضايا الصراع السياسي والاجتماعي، ويرى هؤلاء أن الاعلام حتى لو كان مملوكا لأفراد وهيئات ومنظمات فهو لا بد أن يتصف بعدد من السمات التي تجعله محايدا ونزيها، وفي هذا الكلام الأخير بعض الصحة لكن ذلك لا ينفي عن الاعلام انحيازه، لا بل إنه من أهم ادوات الهيمنة السياسية والاجتماعية لكونه يوظف من قبل مالكيه في صناعة الرأي العام وصياغة الثقافة والمواقف المختلفة بما فيها مواقف التأييد أو الرفض أو الحماس لفكرة ما، أو الركون والتسليم بمنطق معين ومواقف وتوجهات معينة تصوغها الفئات المهيمنة وتفرضها على المجتمع كله.
هذه المقدمة ضرورية للاجابة على سؤال كيف يعكس الاعلام في فلسطين قضايا المرأة وهو سؤال لا يقتصر على فلسطين وانما يشمل قضايا المرأة وحقوقها السياسية والاجتماعية في كل مكان. فالاعلام ليس طرفا محايدا تجاه القضايا الوطنية والاجتماعية، وانما هو أداة تعكس مواقف ومصالح الطبقات والفئات التي تمتلك الوسيلة الاعلامية وتوظفها في الترويج لأهدافها، في فلسطين لدينا اعلام رسمي تديره السلطة الوطنية الفلسطينية ويشمل الاذاعة والتلفزيون ووكالة الانباء الفلسطينية وفا، ولدينا وسائل اعلام حزبية فصائلية، واعلام مستقل إما تجاري أو يتبع لمنظمات اهلية وبتقديري الفئة الاخيرة هي الأضعف، مع ملاحظة أن سلطة حماس في قطاع غزة (سلطة الأمر الواقع ) تمتلك ادوات اعلامية مؤثرة ، ولا شك أنه في عصر الانفجار المعرفي وثورة الاتصالات يتاثر الجمهور الفلسطيني بوسائل الاعلام الخارجية مثل الفضائيات ووكالات الانباء الدولية والمواقع الاليكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي.
بشكل عام صورة المرأة التي يعكسها الاعلام تعبر الى هذه الدرجة او تلك عن مواقف الجهات والأطراف التي تمتلك الاعلام وتديره، ولذلك نرى أن ما يغلب على صورة المرأة هي وجهة النظر المحافظة والتقليدية التي تتحدث بشكل ضبابي وغير محدد عن حقوق المرأة وانصافها وتمكينها ، وتتحدث عن مساهماتها النضالية وأن المرأة نصف المجتمع وضرورة العمل على الاهتمام بالمرأة ورفع شأنها، ولكنها تتجنب الحديث عن المسألة الرئيسية وهي قضية المساواة ورفع كل أشكال التمييز والاجحاف.
تظهر الصورة النمطية للمرأة في الاعلام بما يكرس دورها التقليدي ( برامج الطبخ والموضة والأسرة والعناية بالأطفال) أو تقوم بتسليع المرأة لجهة الاهتمام بجمال المرأة وشكلها الخارجي بمعزل عن طاقاتها الفكرية والعقلية ، فالمرأة في برامج التلفزيون هي مقدمة برامج جميلة وصغيرة وليست محاورة ذكية تعتمد على ثقافتها مثلا.
ويمكن القول أن القوى الدينية المحافظة هي أكثر تقليدية وتزمتا في إظهار صورة المرأة ، ولكننا لا نعدم ظهور برامج واخبار وانشطة اعلامية تظهر المرأة العاملة والمنتجة والمثقفة ، وتتحدث عن حقوق المرأة بشكل حقوقي ونسوي متقدم كما في برامج بعض وسائل الاعلام الخاصة والمستقلة وضمن برامج محدودة ويعود ذلك بشكل كبير إلى جهود الهيئات النسوية أو انحياز ملاك الوسيلة الاعلامية لهذا الفهم
بشكل عام تغلب على صورة المرأة الصورة النمطية التقليدية التي تعكسها الثقافة السائدة والقوى الاجتماعية والسياسية المسيطرة، وهذه الصورة جرى تكريسها في المناهج التعليمية، كما انعكست في التشريعات والقوانين وفي الخطاب الرسمي الحكومي والديني وحتى الفصائلي الذي ما زال يحاذر الاقتراب من المسألة الرئيسية وهي قضية المساواة، فيناور حولها بمصطلحات فضفاضة من قبيل الإنصاف والتمكين والاعتراف بحقوق المرأة التي تنص عليها المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها دولة فلسطين وخاصة اتفاقية مناهضة كل أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، فصورة المرأة في مناهج التعليم لم تخرج بعد عن الصورة الكاريكاتورية الشائعة “ماما تطبخ .. بابا يقرأ الجريدة”، فالمرأة هي مخلوق مكرس للعمل المنزلي والإنجاب ورعاية الأطفال بينما الرجل مكرس للعمل ومصدر الدخل وهو الذي يعنى أيضا بالقضايا المهمة والكبيرة كالسياسة والشؤون العامة.
أما الخطاب الديني فلم يفارق صورته النمطية التمييزية والقائمة على مبدأ “قوامة الرجل”، وعدم جواز تولي المرأة المناصب العامة، وكل ذلك انعكس في منظومة التشريعات وبخاصة في قانون الأحوال الشخصية وحتى في قانون الخدمة المدنية الذي يحرم المرأة من توريث راتبها التقاعدي كما يحرم المرأة من الاستفادة من بعض العلاوات كالأولاد.
ولعل ما سبق يفسر استمرار تردد السلطة الفلسطينية في إعمال اتفاقية سيداو ومواءمة القوانين والتشريعات المحلية التي تنسجم مع هذه الاتفافية.