إدانة ترامب: هل تمنعه من الترشّح والفوز بالرئاسة؟ بقلم : ليلى نقولا
يبدو أن ترامب سيستخدم الاتهام لتقوية نفوذه في أوساط “اليمين المسيحي” الأميركي، باعتباره “يدفع فاتورة الدفاع عن القيم المسيحية المؤيدة للحياة والرافضة للإجهاض والمثلية وسواها”.
وجّهت وزارة العدل الأميركية تهماً جنائية فدرالية إلى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بعد اكتشاف وثائق سرّية في منتجع مارالاغو في فلوريدا، تتضمّن معلومات عسكرية ونووية ومعلومات استخبارية عن دول أجنبية إلخ… وقد تمّ توجيه الاتهام لترامب بجرائم تصل عقوبتها إلى السجن لعدة سنوات (تتراوح بين 10 و20 سنة) في حال تمّ إثبات التهم الموجّهة إليه، وهي تهم بالتجسس والتآمر لعرقلة العدالة والإدلاء بتصريحات كاذبة، وتوجيه موظفيه لإخفاء الوثائق عن المحقّقين والإدلاء بتصريحات كاذبة عن وجودها.
ولا شكّ أن اتهام رئيس أميركي سابق بهذه التهم، هو سابقة فريدة من نوعها في الولايات المتحدة الأميركية، وهنا يمكن أن ندرج الملاحظات التالية في مدى الأثر الذي ستتركه تلك المحاكمات على الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024، وأبرزها ما يلي:
اليمين المسيحي: “حرب مقدّسة”
يشكّل ترامب حالة استثنائية وفريدة في التاريخ الحزبي في الولايات المتحدة الأميركية، فإضافة إلى الخطابات الشعبوية والقدرة على حشد التأييد ومهارته في مهاجمة الخصوم، استطاع ترامب أن يتحوّل إلى زعيم أشبه بزعماء العشائر في دول العالم الثالث، حيث يتمتع بنفوذ استثنائي، وقدرة على التأثير على من يؤيّدونه، خاصة لدى المحافظين أتباع الكنائس الإنجيلية، الذين يصفونه بصفات “الزعيم الملهم” “المرسل من عند الله” وغيرها.
مباشرة بعد توجيه الاتهامات، اعتبر العديد من قادة اليمين المسيحي أنّ جو بايدن يشنّ حرباً “روحية” على دونالد ترامب لدفاعه عن القيم المسيحية الأساسية وقيم العائلة وسواها، واعتبر آخرون أن “جو بايدن يستخدم وزارة العدل لتوجيه الاتهام إلى خصمه السياسي الأكبر، تماماً كما استخدمها سابقاً لملاحقة “الوالدَين” الذين يريدون حماية أطفالهم فاعتبرهم “إرهابيين محليّين”، وللتجسّس على الأبرشيات الكاثوليكية، ولترويع ومضايقة المسيحيين المؤيّدين للحياة”.
وهكذا، يبدو أن ترامب سيستخدم الاتهام لتقوية نفوذه في أوساط “اليمين المسيحي” الأميركي، باعتباره “يدفع فاتورة الدفاع عن القيم المسيحية المؤيدة للحياة والرافضة للإجهاض والمثلية وسواها”.
الجمهوريون: مكيدة ضد المعارضين
تُعدّ مواجهة رئيس سابق لاتهامات فدرالية مشكلة كبيرة في حد ذاتها، فكيف إذا كان هذا الرئيس هو الرئيس الأكثر شعبية لدى الجمهوريين والمرشح الأكثر تقدّماً في استطلاعات الرأي في الحزب الجمهوري والذي يُتوقّع أن يخوض السباق الرئاسي ضد الرئيس الحالي جو بايدن؟.
يعتبر العديد من الجمهوريين أن لائحة اتهام ترامب من قبل وزارة العدل الأميركية هي مكيدة مدبّرة من قبل الرئيس جو بايدن ضد ترامب الذي يُتوقّع أن يهزمه في انتخابات 2024. وتذكر بعض المواقع الصحافية التابعة للجمهوريين أن تعيين المحامي الخاص لإصدار لائحة اتهام ترامب هي مجرّد غطاء سياسي لمؤامرة سياسية يقوم بها بايدن.
وقالت حملة ترامب إن الاتهام يمثّل “إساءة استخدام غير مسبوقة للسلطة من وزارة العدل، ومحاولة للتدخّل بالانتخابات، وإن إدارة بايدن تقوم بمحاكمة شاملة لزعيم المعارضة من خلال تلك الخطوة، وإن “هجمات الدولة العميقة أضحت أكثر شراسة مع تنامي هيمنة ترامب”.
وتفنّد بعض المقالات الصحافية الاتهامات المساقة ضد ترامب، فتعتبر أن قانون السجلات الحالي الذي يسمح للرئيس بالوصول إلى الوثائق، ويسمح بالتفاوض مع من يمتلكون تلك الوثائق بحسن نية، هو ما تمّ تطبيقه مع الرئيس جو بايدن الذي تمّ اكتشاف ملفات سرية قديمة مخزّنة في مرأب منزله إلى جوار سيارته، بينما لم يطبّق القانون نفسه على دونالد ترامب الذي يتم اتهامه بإحدى وثلاثين تهمة بـ “الاحتفاظ المتعمّد بمعلومات الدفاع الوطني” وهي تنتهك قانون التجسس القديم والذي نادراً ما يتمّ تطبيقه مع مسؤولين ورؤساء سابقين.
وهكذا، يتهم الجمهوريون الحزب الديمقراطي والرئيس جو بايدن بأنهم يريدون أن يحوّلوا انتخابات عام 2024 استفتاءً على ترامب، وتحويل الأنظار عن فشل بايدن في الاقتصاد والتضخّم والركود الذي تعاني منه الولايات المتحدة الأميركية وعن سوء أداء الإدارة الحالية التي تحوّل أموال دافعي الضرائب إلى أوكرانيا.
قدرة ترامب على الترشّح والفوز بالرئاسة
قال ترامب على منصته Truth Social إنه بريء، وإنّه سيكون حرّاً في تنظيم حملته الانتخابية حتى لو أدين وأرسل إلى السجن.
ينصّ دستور الولايات المتحدة على أن المرشح الرئاسي يجب أن يكون مواطناً أميركياً ولد في الولايات المتحدة الأميركية، ويبلغ من العمر 35 عاماً وما فوق، ويعيش في البلاد منذ 14 عاماً، ولا يشير الدستور المذكور إلى أي مانع للترشّح كتوجيه اتهام له أو السجن أو غير ذلك.
وعليه، إن التهم الجنائية الموجّهة لترامب لا تمنعه من الترشّح والاستمرار بحملته الانتخابية، والأكثر من ذلك لا تمنعه من تولّي الرئاسة في حال أدين بها. ويقول خبراء قانونيون إنه لن يكون هناك أساس لمنع أداء اليمين كرئيس حتى لو سُجن.
في المحصّلة، سيستخدم ترامب تلك الاتهامات إلى أقصى حد في حملته الانتخابية، لجني التبرّعات، ولكسب التأييد والتعاطف باعتباره ضحية مكيدة سياسية من قبل الديمقراطيين، والادّعاء بأنه يدفع ثمناً لتأييده للقيم المسيحية المحافظة وحماية العائلة. والمعضلة الأميركية الرئيسية تتجلّى في: ماذا لو تمّت إدانة ترامب وفاز بالانتخابات الرئاسية؟