2:22 مساءً / 22 نوفمبر، 2024
آخر الاخبار

يوم الأرض فلسفة تذكيرية‏ بقلم : رشا السرميطي

اعتادت معظم الشعوب العربية في نهاية آذار من كل عام إقامة العديد من المحافل الدولية، ففي آذار، تزدحم المناسبات الجمالية، سواء كان منها يوم المرأة العالمي، يوم الأم، يوم الكرامة، أم يوم الربيع، وكما أعوامنا الماضية، لم نفلح إلا باحتفالاتنا وولائمنا العربية، نقول أكثر مما نفعل، ونعزم العمل بلا حدود، وما إن تمر الذِّكرى، نفقد الأمل، ونوقف العمل، ونرجع لذات الانطلاقة المتحوصلة في كل ذرع من خلايا أجسادنا التاريخية، لا شيء يبقى سوى نحن، وجزء منِّا انخرط مع مَن يملكون بعضاً من أبجديات ترفرف بها أقلامهم في فضاءات ضيقة، قد لا تحتوي قارئين أو ثلاثة وغالباً ما تكون بلا تعليق يُذكر !

لن أحدثكم عن تاريخ الأرض، ولا عن إضرابها العظيم، لكنني سأعبِّر عن بعض من آذار الذي شهدته عندما مررت بجزء من المدن الفلسطينية في رحلة كانت لي إلى جبل الشيخ.

كما كل عام يغادرنا موسم المطر، وتجف قطرات الشتاء الحميم، تاركة وراءها أنهاراً جارية، وودياناً عامرة، وكذلك، طبيعة لا يوصف جمالها، يظل هذا الجبل في فلسطين ملتحياً بالثلج الأبيض، وقمته كشيخ لا يعرف الهرم، كما ينبت الزَّرع في بلدي رغماً عن الإحتلال، ويكبر الغصن، بالرغم من انكساراته المتعددة، ليُنمِّي الأمل في نفوسنا، وتزداد جذور الحرية عمقاً في أغوار النَّفس، إيماناً بحقنا الأزلي، ووفاءً لعهد الرَّاحلين، أولئك الذي بذلوا أرواحهم وأموالهم ودماءهم فداء للأرض، والقدس، وفلسطين، كي يحيوا بكرامة.

يتكاثر ورق حكاياتنا وانتفاضاتنا وثوراتنا عنوة على سيقان الحرية، وتضجر الكتب من منشوراتنا، والصحف والمجلات تمل من حكاياتنا وتستبدلها بسخافات الجيل الحاضر، وما إن يغادر شتاء الزَّمن مواسم الحزن والبكاء بين ليل ونهار اختصما، دون اتفاق على وجة نظر مصيرية، حتى تزهر فقرات نصوصنا أكماماً وعناقيداً عنبريةً، حينها، تقرع الفراشات أجراس السعادة، إيذاناً بالعودة إلى عهد انتصاراتنا، لتشدوا الطيور حينها بزغاريد الفرح، وكلاهما يدعو الأشجار، لتلبس أثواب زفاف زاهية تليق بعرس الربيع، ربيع الوطن – فلسطين – فيغدو التراب مزدحماً بالعرائس.

اجتمعت العديد من الأرواح، واستقلت باصين انطلاقاً من مدينة القدس وسط فلسطين باتجاه الشمال على النحو التالي: لفته، صفافا، القسطل، كارم، قطنا، بيت نوبا، عمواس، نعلين، قبية، بيت نبالا، كفر قرعان، قلقيلية، كفار سابا، الطيبة، طولكرم، دير الغصون، باقة، برطعة، اللجون، العفولة، الناصرة، كفر كنا، طبريا حتى وصلنا جبل الشيخ على الحدود السورية اللبنانية. رأينا النباتات تختال وتتمايل متباهية بجمالها وقوَّتها على طول الطريق المار بهذه المدن، فلا شيء يفوق روعة أزهار اللوز والخوخ والمشمش، وثمار الحمضيات في فلسطين، ولا أقوى من تلك الأعشاب الرقيقة الناعمة، التي تنمو فوق التراب بلا خوف من أقدام صهيوني يهتك سترها، ولا دبَّابة تدوس أحلامها، ولا قائد يخذل براءة عذريتها، هكذا، كبُرت منذ سنين، وارتوت من بذل عطاء المناضلين عن الثَّرى المقدس. تفترش الأرض بأعشابها الخضراء سجاداً مزخرفاً، كآمالنا الشاسعة البياض، الملونة بقوس قزح رغائبنا، معلنة أملاً جديداً يلده التراب القاحل من رحم الوجع والحزن فرحاً لا يُحصى، يعلن ميلاد الربيع رغم أنوف الإسرائيليون ورغم اغتصاب الأرض وانتهاك ملكية الغائبون، والحاضرون، والمسجنون، والمعزولون عنها بجدار الفصل العنصري، وجدران التقسيم الوهمية، التي لا توجد سوى على خرائط عالمية، مزورة لا نعترف بها نحن، رغم صلاحيتها لدى العالم بأسره، لكننا لا نؤمن بها، وإن سرقت منا الأرض يوماً ونكبنا، وتعرضت بقاع أوطاننا المقدسة لنكسة تلتها انتفاضات وثورات لن تنتهي إلا بتحرير فلسطين، ورفع الأعلام على قباب القدس عاصمتنا الأبدية.

وشاهدنا نهر الحاصباني كيف يتدفق متقدماً شجاعاً، يغازل الصخر، ويقول لكل مَن مروا مِن هناك: باقون فلسطينيون، سنعود يوماً مهما طال لجوءنا وشتاتنا، لن تنسينا الخيام مفاتيح أحلامنا، ولن نرفع رايات الإستسلام أبداً، وبعد انتهاءنا عن المرور بمنطقة بانياس، شاهدنا قلعة النمرود، ولكل نمرود نهاية ! إن لم يقوى عليها الفلسطينيين، هناك رب على ما يشاء قدير.

حينها، سوف تخرج العصافير وتغادر أعشاشها، مغردة مستبشرة بسعادة فصل آخر لم تكشف أحداثه بعد، ولم تنهب غيبياته من أحد الشياطين، تذكروا، بإن يوم الأرض هو ذكرى وطنية تاريخية، تحكي قصة شعب توحَّد وحقق ما يريد، لا موسم إعلام نتغنى به، ونرقص على هتافات ماعادت تجدي شيئاً سوى خسائر ماديّة فادحة.

رشا السرميطي

شاهد أيضاً

مصدر إسرائيلي : التوصل إلى اتفاق مع حماس وحزب الله اصبح محتملًا

الاعلام العبري : التوصل إلى اتفاق مع حماس وحزب الله اصبح محتملًا

شفا – نقلت وسائل اعلام عبرية، اليوم الخميس، عن مصدر أمني إن الظروف لإبرام صفقة …