من أجل مجالس طلابية جامعية مدنية مسالمة ومتصالحة تخدم مصلحة الجميع ، بقلم : نادين روز علي
جرت مؤخراً، كما في كل عام، في الجامعات الفلسطينية معركة انتخابات لمجالس الطلبة، وهي معركة شرسة لا هوادة فيها. ويحق لنا، بعد أن رأينا المستوى العالي للعنف والعداوة والمستوى الأخلاقي المتدني للبعض في هذه الانتخابات أن نتساءل: أما لهذا الليل من آخر؟ هل نبقى على هذا الحال من الاقتتال الداخلي حتى في أرقى مؤسسات الدولة؟ لماذا لا يتم تغيير طريقة الانتخابات هذه بحيث لا تسيطر التنظيمات المختلفة عليها؟ لماذا لا يتم ترشيح وانتخاب الطلاب الأكفاء المستقيمين العادلين الأحرار ذوي الثقافة العالية بدلاً من ممثلي التنظيمات المسلحة المختلفة، حتى لو كانت تنظيمات مقاومة، مع الاحترام لهم ولرسالتهم؟ لماذا على مجلس الطلبة في الجامعة أن يعكس الخلافات والانقسامات الفلسطينية بدلاً من أن يكون مثالاً للوحدة ولم الشمل والعمل المستقل المستقيم الذي يخدم مصلحة الطلاب وليس مصلحة هذا التنظيم الفلسطيني أو ذاك؟
كلنا نذكر أحداث جامعة بير زيت في الماضي القريب حينما “احتلت” مجموعة من الطلاب قاعة من مباني الجامعة خلافاً لقرار إدارة الجامعة وقوانينها، وعاثت بالقاعة فساداً بتحطيم الواجهة الزجاجية والتسبب بالأضرار للباب والأثاث، وعقدت اجتماعاً انتخابياً داخل القاعة رغماً عن إدارة الجامعة. وكلنا نذكر أحداث جامعة النجاح وتلك المواجهة العنيفة بين مجموعة من الطلاب الذين أرادوا خرق قوانين الجامعة بتصرفاتهم متحدين قرارات الإدارة وبين حرس الجامعة.
فهل تليق هذه الأعمال بطلاب جامعاتنا الذين هم زبدة الشباب المثقف في البلاد؟
إن طريقة الانتخابات الطلابية الحالية في جامعاتنا تجبر الطالب على انتخاب قائمة ولا تمكنه من انتقاء الطلاب الذين يريدهم من قوائم الترشيحات المختلفة. هذا يعني انه ينتخب، أحياناً، طلاباً لا يريدهم من أجل انتخاب طالب واحد أو اثنين أكفاء في القائمة. وهذا يعني أيضاً أنه لا يستطيع انتخاب مجموعة الطلاب التي يعتقد أنها ملائمة لمجلس طلبة يخدم الطلاب بل ينتخب مجلس طلبة يخدم التنظيم الفلاني.
في جامعات العالم المختلفة، وبالذات في المجتمعات ذات النظام الديموقراطي، تجري الانتخابات على أساس فردي أو على أساس الأحزاب السياسية المدنية. ونحن، للأسف ليس لدينا أحزاب سياسية مدنية، بل تنطيمات عسكرية مسلحة. لماذا يجب أن تحكم هذه التنظيمات طلاب الجامعة وتدخل الحرم الجامعي؟ حتى الشرطة ، في جامعات العالم الدمقراطي ممنوع عليها أن تدخل الحرم الجامعي. أما عندنا فالتنظيم المسلح يدخل الحرم من الشباك. هل يمكن ضمان حرم جامعي مدني يكفل الحرية للطلاب من جهة ويعطي الطلاب الهدوء الكامل والأمن والثقة الكاملة لاجتياز الامتحانات؟!
إن نقل خلافات الانقسام الفلسطيني إلى الجامعة يعمق الانقسام بين الطلاب ويؤدي إلى استنزاف القوى التي من الممكن استثمارها في أعمال ونشاطات ومبادرات تخدم الطلاب وتخدم الجامعة وتترك أثراً إيجابياً في المجتمع. من حق كل طالب أن ينتمي للجهة السياسية التي يريد، وللتنظيم الذي يريد، ولكن من الأفضل أن يبقى ذلك بنشاط خارج إطار الحرم الجامعي، أو على الأقل أن يحاول ألا يستخدم انتماءه هذا لمحاربة الطلاب الذين ينتمون لتنظيمات أخرى.
وإضافةً إلى ما ذُكر، فإن الفصائل الفلسطينية بدل استغلال أعضائها من الطلاب دائماً لنشاطات وفعاليات طلابية ثقافية وهادفة لمصلحة الطلاب جميعاً، فإنها تستغل أحياناً أعضاءها من الطلاب لمواجهة ومحاربة الطلاب من الفصائل الأخرى ومحاولة نقل ساحة القتال والخلاف بين الفصائل إلى الحرم الجامعي وهذا يحد من نشاط الطلبة العام ويجعلهم غير فعالين وغير قادرين على خدمة الرسالة التي تم انتخابهم من أجلها.
لذلك فإن الاقتراح بتغيير طريقة انتخابات مجالس الطلبة في الجامعات الفلسطينية هو ضرورة قصوى لمصلحة الطلاب ولمصلحة الجامعات ولتعميق الدمقراطية في الحركة الطلابية وعزلها عن الخلافات السياسية لفصائل المقاومة المختلفة ولإضفاء جو دراسي وتوفير الوقت للطلاب للأبحاث والإبداع والحياة الطلابية الاجتماعية الشبابية الممتعة والمثمرة والناجحة لخدمة الوطن.
وملاحظة أخيرة: في غالبية الدول المتقدمة في العالم يجري إدخال تغييرات على قوانين الانتخابات التمثيلية للمؤسسات المختلفة بحيث تفرض تمثيلاً متساوياً للذكور والإناث أي يضمن المساواة بين الجنسين ويضمن تمثيلاً لنصف المجتمع الطلابي: الطالبات. وإذا كان البعض يدعون أن هذا لا يلائم مجتمعنا مئة بالمئة فمن الممكن الاكتفاء حالياً بضمان 30% من الطالبات لمجلس الطلاب، مثلاً، على الأقل!