الجديد وامتحان الجدية في قمة جدة العربية ، بقلم : موفق مطر
ما زال امتحان قدرة الزعماء والملوك والرؤساء العرب على تنفيذ قراراتهم، والوفاء بالتزاماتهم التي يتعهدون بها قائما، لكن الجديد في مؤتمر القمة الثاني والثلاثين في جدة، في المملكة العربية السعودية، أن الجزء الأصعب فيما يتعلق بالانتصار والمساندة للحق الفلسطيني يتطلب خوض ممرات اجبارية للنجاح في تطبيق عملي لابد منه للبرهان على قناعاتهم بقرارات القمم العربية وأحدثها قمة جدة يوم الجمعة الماضي، فرئيس الشعب الفلسطيني وقائد حركة تحرره الوطنية قد أوضح معالم وطبيعة المحور الأصعب في الامتحان التاريخي في مساق “مركزية القضية الفلسطينية” بقوله:”نأمل منكم جميعًا، الوقوف إلى جانبنا لدعم تنفيذ قرار الجمعية العامة الأخير، وتقديم المرافعة المكتوبة من قبل دولكم أمام محكمة العدل الدولية، على أمل أن تصدر هذه المحكمة رأيها الاستشاري، وفتواها، حول قانونية، وشكل، وأهلية النظام الذي أقامته إسرائيل، دولة الاحتلال والأبارتهايد، على أرض فلسطين”. بعد لفت نظر الأشقاء العرب الى:”قرار أممي تاريخي غير مسبوق، حيث أحيت الأمم المتحدة في مقرها في نيويورك منذ أيام، الذكرى الـ75 للنكبة، نكبة الشعب الفلسطيني، التي ما زالت تتوالى أحداثها وآثارها المأساوية منذ العام 1948 حتى يومنا هذا، التي ارتكبت العصابات الصهيونية وقوات الاحتلال الإسرائيلي خلالها أكثر من 51 مجزرة موثقة، ودمرت أكثر من 530 قرية فلسطينية”.والى الانجاز الأحدث في مسار النضال الفلسطيني القانوني والدبلوماسي والسياسي في محافل الشرعية الدولية، عندما أكد الرئيس ابو مازن قائلا:”إن هذا القرار الأممي التاريخي المهم يشكّل دحضًا للرواية الصهيونية الإسرائيلية التي تنكرت للنكبة، ولفقت الروايات المزيفة حول علاقة الشعب الفلسطيني بأرض وطنه والجرائم التي ارتكبت بحقه.. ما يعني ان الطريق أمام الدول العربية تبدو اليوم سالكة اكثر من أي وقت مضى للانتصار لقراراتها ومبادئها التي على أساسها تشكلت الجامعة العربية، خاصة وأن الانجازات يتم انتزاعها وتحقيقها رغم الضغوطات الثقيلة جدا من الادارة الأميركية ودول اوروبية مازالت تحكمها النزعة الاستعمارية، وكذلك ممارسة منظومة الاحتلال والعنصرية الفاشية والابارتهايد (اسرائيل) للإرهاب السياسي على دول لثنيها عن الوقوف الى جانب الحق الفلسطيني، فكيف إذا اجمعت الدول العربية على المشاركة الفاعلة في انتزاع الحق التاريخي والطبيعي للشعب الفلسطيني في ارض وطنه فلسطين، وهي التي تمتلك قدرات وطاقات وثروات ومواقع استراتيجية ولديها أدوات ضغط اقتصادية هائلة يمكن توظيفها لحماية قراراتها السياسية الوطنية المستقلة.
القرارات المتعلقة بفلسطين التي يمكن تصنيفها مابين: الحث على، والدعوة الى، والترحيب ب والتأكيد على، لكننا نعتقد أن معيار نجاح قمة جدة في تثبيت قواعد العمل العربي المشترك، هو تطبيق ما أكده القادة العرب بمؤتمرهم المميز شكلا ومضمونا ولحظيا بحكم الظروف والوقائع الدولية عندما ثبتوا تأكيدهم “دعم القمة للجهود والمساعي الفلسطينية الهادفة إلى إنصاف الشعب الفلسطيني جراء الظلم الحالي والتاريخي الذي استهدفه، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم الحالية والتاريخية المرتكبة بحقه، عبر آليات العدالة الدولية، وتقديم المشورة القانونية والمساندة الفنية والمالية اللازمة لهذه المساعي، والترحيب بتشكيل لجنة قانونية استشارية في إطار جامعة الدول العربية لتقديم المشورة القانونية اللازمة في هذا الشأن، وتثمين الترشيحات التي قدمها العديد من الدول الأعضاء لخبراء في القانون الدولي لعضوية اللجنة، ودعوة الدول الأعضاء التي لم ترشح ممثلين عنها في اللجنة إلى القيام بذلك، ودعوة الأمانة العامة بالتنسيق مع دولة فلسطين لاستكمال وضع الأطر التنظيمية اللازمة للجنة، بحيث تشمل مهامها، ضمن أمور أخرى، تقديم الدعم القانوني لما يلي:
(1) المرافعات أمام محكمة العدل الدولية بخصوص الرأي الاستشاري المطلوب من المحكمة حول ماهية نظام الاحتلال الإسرائيلي، (2) مواكبة التحقيق الجنائي في المحكمة الجنائية الدولية في جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، التي ارتكبتها وترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، (3) رفع قضايا بشأن الجرائم والانتهاكات الإسرائيلية الحالية والتاريخية بحق الشعب الفلسطيني وأرضه وممتلكاته ومقدساته، (4) رفع قضايا بشأن المظالم التاريخية التي لحقت بالشعب الفلسطيني، بما فيها “إعلان بلفور” لعام 1917″.
إذن، نتوقع عملا عربيا دؤوبا لتنفيذ هذه القرارات، ونعتقد أن قوة المحرك الفلسطيني ستكون العامل الأساس في دفع قاطرة العمل العربي المشترك في هذا السياق، وأكثر من ذلك قيادتها، وإلى مدى أبعد متابعة كل صغيرة وكبيرة على أعلى المستويات لضمان عمق عربي للانتصار في هذه المعركة القانونية، خاصة وأن دولا عربية مرتبطة حدوديا مع فلسطين قد دفعت اثمانا باهظة من الاحتلال الاسرائيلي منذ العام كالمملكة الاردنية الهاشمية وسوريا ولبنان ومصر، كما دفعت دول عربية قريبة وبعيدة جغرافيا أثمانا عظيمة لمواقفها وإيمانها بالحق الفلسطيني الأزلي. ففلسطين كانت ومازالت في قلوب ووعي شعوب الأمة العربية، وبما أننا في فضاء المملكة العربية السعودية، فإننا نذكر الملك فيصل –رحمه الله- الذي دفع حياته ثمنا لمواقفه من اجل فلسطين، فالكذبة الاستعمارية الصهيونية اليوم عرجاء بما يكفي لدفعها بالحق البين نحو قاع الباطل والروايات المزيفة..ونستطيع القول إننا بصدد منازلة قانونية تشمل ساحتي الجنائية والعدل الدوليتين، يجب أن ننتصر بها فلسطينيا وعربيا، فالشعوب العربية تحتاج الى ما يدفعها للثقة بقرارات قادتها وزعمائها وتحديدا تلك المتعلقة بفلسطين، التي اذا ما نفذت وطبقت باقتدار، فإن تجسيد نظام عربي سياسي اقتصادي ثقافي موحد سيكون لحظة تاريخية نشهد فيها هزيمة الاحباط واليأس، وبداية الانتصارات التي تبدأ من فلسطين، وصولا الى الانتصار الأكبر بتحقيق الاستقرار والأمن والسلام والازدهار للأمة العربية والشعوب الحضارية المؤمنة حقا بالحرية والسلام.