قمة جدة وعودة سوريا للجامعة العربية بقلم : ثائر نوفل أبو عطيوي
من المؤكد أن انطلاق قمة “جدة” ، اليوم الجمعة في المملكة العربية السعودية ستحظى الجمهورية العربية السورية باهتمام كبير وواسع الأفق والمتغيرات المستقبلية القادمة ، وذلك بعد انقطاع دام ما يقارب 12 عامًا ، بعد قرار وزراء الخارجية العرب الطارئ ، الذي عقدوه في القاهرة في نوفمبر-تشرين الثاني من العام 2011 ، والذي نص على تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية بسبب أزمتها السياسية الداخلية والحرب التي نشبت بين المؤسسة الرسمية والعديد من الجبهات والفصائل والأحزاب المعارضة المسلحة التي ولدت على إثر تداعيات ما يسمى في ” ثورة الربيع العربي”.
إن عودة سوريا للحضن العربي من جديد ضمن حضورها للقمة العربية العادية في دورتها الثانية والثلاثين، التي ستنعقد اليوم الجمعة في” جدة” لم يأت ضمن ليلة وضحاها ، بل جاءت ضمن ترتيبات عربية مشتركة مسبقة تضمنت لقاءات واجتماعات عديدة بين دمشق وعدة دول عربية ومن بينها مصر والامارات والسعودية ، وحتى كله كان من أجل تتويج ذلك من تقاربات وتفاهمات ضمن محصلة نهائية مشتركة بعودة سوريا لجامعة الدول العربية من جديد.
في سياق عودة سوريا للجامعة العربية والذي سيكون الحضور الأهم لها في نقاشات قمة “جدة” سيرافق ذلك كله تأثيرات عديدة على كافة الصعد والمستويات ، وهذا بفضل التحرك العربي من العديد من دول الإقليم المسبق ، وكذلك بفضل العلاقات الفاعلة والمميزة التي واكبت المشاورات والمباحثات العربية المشتركة لعودة سوريا مع الدب الروسي والعاصمة موسكو ، وهذا بعيدًا كل البعد عن الأنباء الواردة عن دعوة الرئيس الأوكراني لحضور فعاليات قمة ” جدة ” ، والذي له تفسيراته وتحليلاته الأخرى ، والذي باعتقادي الشخصي من الممكن أن يكن حضور ” زيلينسكي” القمة لإيجاد حلول وقواسم مشتركة تدعم التوصل ولو لورقة تفاهمات مبدئية أولية مع موسكو ، وهذا نظرًا للحضور المهم لدمشق في القمة ، والذي باعتقادي جاء نتاج ثمار جهود عربية روسية مشتركة ولو كانت غير معلنة ، في ظل غياب الادارة الأمريكية عن الجوهر العام للقمة العربية ، وعدم التأثير فعاليات اجتماعاتها وبرنامجها وما سينبثق عنه لاحقًا.
إن عودة سوريا للجامعة العربية سيحمل العديد من الآفاق والتأثيرات المستقبلية على السياسة الإقليمية ، والتي على رأسها التقارب الإيراني العربي ولا سيما مع المملكة العربية السعودية والعديد من دول الخليج ، وكذلك سيحمل مفاتيح الهدوء الأكثر والاستقرار شبه الدائم على لبنان في القريب العاجل ، نظرًا للحضور السوري في القمة ولإمكانية تقارب وجهات النظر أكثر بين الدول العربية وطهران ، وهذا باعتقادي سيكون من خلال ” موسكو ” بقوة على الساحة العربية وضمن سياستها الخارجية ، مقارنةً مع غياب الرؤية والأفق للإدارة الأمريكية بقيادة ” بايدن” وضعفها الملحوظ والشديد في السياسة الخارجية ، وخصوصًا على المستوى العربي والاقليمي ، وهنا علينا أن لا نتجاهل الدور الصيني على عدة مسارات داعمة للموقف العربية وحتى ولو كانت غير ظاهرة اعلاميًا.
أما على صعيد الاتحاد الأوربي سوف تحظى عودة سوريا للجامعة العربية بالقبول والترحاب القادم وهذا لسبب بسيط نظرًا لوجود الالاف اللاجئين المشردين في جميع الدول الأوربية ، وما نتج عنه من أزمات اقتصادية بسبب اللجوء السوري لها أوائل نشوب الحرب الداخلية السورية ، والذي سيفتح الآفاق القريبة القادمة بعودة معظم اللاجئين في الدول الاوربية وكذلك العربية لبلدهم سوريا من جديد.
انعقاد اليوم القمة العربية في جدة سوف يفتح آفاق عربية جديدة ومساحات واسعة من القرارات والتأثيرات المستقبلية ، التي ستكون ايجابية على الواقع العربي من المحيط للخليج ، وهذا بسبب ظهور قوة عربية سياسية دبلوماسية مشتركة بين العديد من الدول العربية المؤثرة عالميًا ، فلهذا المستقبل القريب المنظور من الممكن أن يحمل في طياته بشريات عربية وعلى رأسها الوصول لوفاق عربي قريب على صعيد القضية الفلسطينية ، والدعم العربي لانطلاق مؤتمر سلام جديد تكون مقوماته ضمن رؤية سياسية فلسطينية وحاضنة عربية مشتركة مدعومة من دول عالمية لها القوة والحضور والتأثير، ومن الممكن أن يكون الوفاق السوري العربي بعد انقطاع طويل مؤشرًا ايجابيًا لعودة السلام والهدوء في العديد من الدول العربية منها اليمن وكذلك السودان، والتوصل عربيًا لقواسم مشتركة ضمن الحلول والقبول لدى الأطراف المتنازعة.
في المحصلة النهائية تعبر قمة ” جدة” خارطة طريق جديدة لرسم السياسات العربية ضمن رؤية مشتركة تضع في أولوياتها المصلحة العربية الواحدة ، والتي مطلب كل إنسان عربي من المحيط للخليج.