مؤتمر “مالمو” والمستثمرون في بورصة الجغرافيا السياسية ، بقلم : موفق مطر
ما بين مقولة “الشعب الغزي” أو “شعب غزة” كما يحلو لرؤوس جماعة الإخوان المسلمين فرع فلسطين المسمى حماس ترديده، بقصد تشظية أكثر من 14 مليون فلسطيني إلى مقاطعات جهوية وفئوية وتسميات مستنبطة من وقائع جغرافية، وما بين مقولة “تبا لكنعانيتكم” للجماعة الخارجة على مساق التاريخ والجغرافيا والقاطعة معه إلا مما ترغب أهواء هؤلاء ويرغب سادتهم الذين يوجهونهم، حضر العنوان الجديد “فلسطينيو أوروبا”! ولا نعلم غدا أين سيكون النبت الشيطاني الجديد، وماذا سيكون اسمه؟!
الأمر أخطر مما نعتقد، وأهدافه أبعد من قضية الخروج على وحدانية منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني – رغم قناعتنا بالخطر البالغ جدا في هذا السياق– فما يحدث هو نفي سمة الشعب عن ملايين المواطنين الفلسطينيين، نصفهم ما زالوا في الوطن المحتل (فلسطين) ونصفهم الآخر تقريبا لاجئون في أقطار عربية وفي بلاد أوروبية وأميركا اللاتينية، حتى إن جاليات فلسطينية بدأت تظهر في بلاد آسيوية متقدمة اقتصاديا وحضريا ..فانتشار تصنيفات مثل “فلسطينيي غزة” و”فلسطينيي الضفة” و”فلسطينيي القدس” و”فلسطينيي الداخل” كما نسمعها وتنتشر كالسموم في هواء العلاقات الوطنية الفلسطينية، و”فلسطينيي اللجوء والشتات” و”فلسطينيي أوروبا” وربما نسمع غدا عن فلسطينيي أميركا الشمالية، وفلسطينيي أميركا الجنوبية، وفلسطينيي آسيا، ومن يدري فقد نسمع تسميات يبتدعها تابعون لأجهزة مخابرات أنظمة حكم ناطقة بلغة الضاد، وبذلك ينجح مخطط تقطيع جذور شجرة الشعب الفلسطيني، وتجف مكونات هويته الوطنية، وتصبح وحدته في خبر كان!.
لم يخطئ مصمم اسم “مؤتمر فلسطينيي أوروبا” ولا كل الذين أطلقوا المسميات التي ذكرناها أعلاه، ونعتقد أنها لم تكن نتيجة جهل باللغة العربية، فهنالك فرق من حيث التبعية والانتماء، فالأولى تأكيد لانتمائهم لأوروبا كمسمى “فلسطينيي أوروبا” وبين الانتماء الخالص لفلسطين رغم التواجد الآني اللحظي في أوروبا كمسمى “الفلسطينيين في أوروبا” حتى لو كان معظم هؤلاء يحملون جنسيات الدول التي يقيمون فيها، ونستذكر قضية التسمية على مليوني فلسطيني تقريبا في مدن وقرى وبلدات ساحل فلسطين والجليل والجليل الأعلى والنقب من أرض فلسطين الطبيعية تاريخيا والمحتلة منذ سنة 1948، حيث شكلت لمعظمنا مشكلة، فالبعض وصفهم بـ “عرب إسرائيل”! وآخرون وصفوهم بـ “فلسطينيي الداخل” أو “فلسطينيي الخط الأخضر” وتوصيفات وتصنيفات ما أنزل الله بها من سلطان في اللغة، وكأننا لا نستطيع القول إذا أردنا الإشارة أو الوصف أو الحديث بالقول: “المواطنين الفلسطينيين في حيفا أو عكا أو يافا أو الناصرة أو الجليل أو النقب أو صفد أو اللد والرملة أو أم الفحم، أو في أية بلدة أو قرية أو منطقة، فهذه أسماء لمدن فلسطينية مثبتة ومؤرخة، وليست منشآت سكانية لمنظومة الاحتلال والاستيطان العنصري (إسرائيل).
لم يكن ما يسمى “مؤتمر فلسطينيي أوروبا” إلا واحدة من أدوات حرف الانتماء الوطني بوجهيه: الأول- للوطن بحدوده الجغرافية دون انتقاص أو تمييز بين مواطن وآخر، أي بين مواطن ما زال على أرض وطنه، ومواطن اضطره الإرهاب الصهيوني وجرائمه والمؤامرة للهجرة واللجوء إلى بلدان بجوارها أو بعيدة عنها باحثا عن حياة كريمة، والآخر، وفي الوجه الآخر: الانتماء المعنوي العقدي الميثاقي، أي للوطن المعنوي منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، الذي يؤكد ميثاقها “أن كل مواطن فلسطيني عضو طبيعي فيها”، وهنا تكمن المشكلة مع رؤوس هذا المؤتمر الموعودون – كما يبدو- بهالات سياسية قيادية، تلبي رغباتهم وطموحاتهم الشخصية، حتى ولو على حساب الحق التاريخي والطبيعي الفلسطيني، ووحدة الشعب الفلسطيني، فما يفعلونه هو محاولة أخرى– نعتقد بفشلها حتما– لضرب مكانة المنظمة باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني لدى دول وشعوب العالم، والأهم بعثرة أوراق منظمة التحرير وبرنامجها السياسي وتطييره وكأنه لم يكن، ويكفي أن منظمة التحرير الفلسطينية التي أسسها وطنيون فلسطينيون برئاسة أحمد الشقيري هدفها الأول التحرير وعودة اللاجئين الفلسطينيين، وما زال ميثاقها وسيبقى جوهر وروح البرنامج السياسي للمنظمة، وكما سيبقى حق العودة للاجئ الفلسطيني إلى أرض وطنه فلسطين مقدسا ثابتا، حتى إن مطالبة الشرعية الدولية “بتطبيق القرار 194 الخاص بحق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين”، حاضرة دائما في خطابات أو كلمات رئيس دولة فلسطين واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وقائد حركة التحرر الوطنية محمود عباس أبو مازن على منابر المحافل الدولية وزاد عليها أن اعتبره حقا مقدسا خاصا وعاما لكل فلسطيني لاجئ لا يجوز التدخل فيه.
لا أعتقد ولو بأدنى درجة من حسن النية لدى رؤوس المشتغلين على ما يسمى “مؤتمر فلسطينيي أوروبا” في مدينة مالمو جنوب السويد، لأنهم لو كان الانتماء الوطني بوجهيه هو الدافع لعقده تحت شعار “العودة” كما روجوا، لكان حريا بهم أن يكون تحت سقف المجلس الوطني الفلسطيني في منظمة التحرير الفلسطينية، أما وقد بدأوا بالترويج لبعض أسماء ستحضر المؤتمر، فإن الباحث عن الحقائق سيكتشف بسهولة أن هذا المؤتمر الذي رفضته قوى وفصائل وشخصيات مستقلة في منظمة التحرير الفلسطينية كافة شبيه بلعبة (الليغو) البلاستيكية أو الكرتونية التي تفكك قطعها وتركب حسب حاجة (المصمم) للشكل وأبعاده وأهدافه!.
ولا يغرن أحدا المصطلحات المقدسة المستخدمة لتمرير المؤامرة، فحماس الإخوانية ومشتقاتها استخدموا جميعهم مصطلحات الدين الإسلامي للغدر بالوطن والانتماء الوطني المقدسين، وهذا وحده كافٍ لإسقاط شعبنا من مسار الزمن إلى الأبد كما تشاء مؤامرة (الإخوان الصهاينة) .
لكن الشعب الفلسطيني ما زال يقظا منذ النكبة ولن يسلم قراره للمستثمرين بثوابته ومقدساته الوطنية في بورصات الجغرافيا السياسية.