أعيادنا – القمرية والميلادية – وطنية ، بقلم : موفق مطر
مشهد انسجام المواطنين في الأعياد الدينية، فالمواطن الفلسطيني المسلم يحتفل ويحتفي بأعياد المؤمنين المسيحيين، كما يحتفل المواطن الفلسطيني المسيحي بأعياد المؤمنين المسلمين، وكلاهما يحتفيان بأعياد الفلسطينيين السامريين، فالأعياد الدينية في فلسطين أعياد وطنية بامتياز، ليس بحكم الثقافة الوطنية والروحية المتنورة الحقيقية وحسب، بل لأنها انعكاس لجوهر ومعاني (الأعياد الدينية)، فنحن نفهم العيد كتعبير عن قدرة النفس الانسانية عن انتصارها على الاغراءات والشهوات ونجاحها في امتحانات مستنبطة مناهجها من الشرائع السماوية، والعبرة ليست في عدد ايام الصيام التي غالبا ما تسبق الأعياد، أو في تفاصيل حدث تاريخي اعتبر مقدسا، نظرا للمتغيرات التي طرأت على علاقة الانسان مع اخيه الانسان في المجتمع، أو علاقته مع الله، فتأثير هذه الأحداث ما زال قائما، ويُقْرَأ في ثقافة أمة الانسان المؤمنة بالسلام، والمتحررة من التعصب والفئوية والطائفية كحدث تاريخي مرتبط بمعجزة، كان وما زال له دور حاسم في صياغة الشخصية الانسانية وعلاقاتها مع كل موجود على الأرض وفي السماء، كما يحفز الانسان الذي يأخذ الأمور بالتفكير والبحث العلمي والإبداع في استخلاص النتائج، ويحفز الانسان الذي يسلم بها كما نقلت اليه دونما نقاش، شرط التزام كليهما بجوهر ثلاثي السلام والمحبة والحق باعتباره روح أي عقيدة سماوية.
إن مقاربة بسيطة بين الأعياد الوطنية وتوأمها الدينية ستمنحنا نتيجة جوهرية هي السبب الذي يجعل من احتفالاتنا وأعيادنا الدينية وطنية بامتياز، فالكفاح والنضال ضد الغزاة والمستعمرين الذي بنتيجته انتصار واستقلال ودولة ذات سيادة، أو منح طبقة عظيمة من الشعب كالعمال يوما يذكرنا بعطائهم وتضحياتهم اللامحدودة، أو ذكرى انطلاقة الثورة التي تعتبر بمثابة قيامة للشعب الفلسطيني وتحول الفرد من لاجئ الى ثائر، أو منح الأرض والشهداء والأسرى والمنعطفات التاريخية أياما للتذكير بمدى تأثيرها على حياة ووحدة وتقدم وتحرر الشعب يوازيها –في الوجه الآخر- في الأعياد الدينية ذات المعاني، منها المرتبط بقدرة الذات والشخصية والنفس المؤمنة على الكفاح والنضال– حتى لو كان التقديم بمصطلحات اخرى مشتقة من الكتب الدينية المقدسة أو التعاليم، والنجاح في نيل شهادة الحرية والتحرر والاستقلال من التبعية لإغواء النفس الأمارة بالسوء، وبمدى مقاومته لهيمنة شياطين الانس والجن معا، والتحرر من اغلال التبعية لغير فكرة لا يرتكز قوامها على الحق والعدل والعمل الصالح والانتصار لروح وقيمة الانسان وحرمة سفك دمائه، وكأننا في هذا المقام الروحي نتحدث عن مجتمع الحرية والعدالة والديمقراطية في المقام السياسي الجامع الشامل لكل المنتمين للوطن، ولا يغيب عن بالنا هنا نقطة التقاء مقدسة وهي الأرض، أرض الوطن، فهذا الأمر لا يمكن لعاقل مؤمن أو وطني مهما كانت مرجعيته الفكرية والنظرية نكرانه، فأرض فلسطين مقدسة لدى كل فلسطيني يعتقد ويؤمن بالعلاقة الجذرية الأصيلة ما بينه وبين أرض وطنه، وكل فلسطيني يؤمن بالعلاقة ما بين رب السموات والأرض وفلسطين التي كانت وما زالت مهدا وبيتا للمؤمنين بالسلام والمحبة والحق بين الناس.
انطلاقا مما تقدم لا يجوز الحديث عن أعياد طوائف، أو الاشارة بمسمى أو بآخر للمناسبات الدينية والأعياد، فهنا في فلسطين كلنا مواطنون فلسطينيون، مترابطون بجذور انسانية ثقافية، تشع أنوار اعيادنا خلال أيام السنة القمرية، أو الشمسية الميلادية، وكل عيد هو للمؤمنين جميعا، أما اننا كلنا مؤمنون بانتمائنا الوطني، وبأرض فلسطين وطننا التاريخي الأزلي والأبدي، وأن للأعياد الدينية والوطنية جذرا فكريا انسانيا واحدا، فهذا يعني ان اعيادنا القمرية والميلادية في فلسطين أعياد وطنية بامتياز، فكل عام وكل يوم وانتم بسلام وحرية واستقلال آمنين.