رؤية الرئيس أبو مازن السباعية ، بقلم : موفق مطر
يحتاج المرء بين الحين والآخر لغذاء فكري، سياسي، ثقافي، غني بتنوعه، وفوائده العظيمة لعقولنا وذاكرتنا وحتى ضمائرنا، فضبط إيقاع قلوبنا، وتجديد دمائنا، واستعادة طاقتنا الحركية والعملية الفردية والجمعية، للقارئ أن يتخيل عظمة وأهمية هذا الغذاء بحضرة رئيس الشعب الفلسطيني وقائد حركة تحرره الوطنية، الرئيس محمود عباس أبو مازن، وإلى يمينه أم الشهداء والأسرى الأبطال السيدة أم ناصر أبو حميد وسفراء دول عربية وأجنبية، ومئات الشخصيات القيادية والاعتبارية، ليكون المادة الرئيسة على مائدة إفطار وطنية -يحق لنا اعتباره لقاءً وطنياً- في يوم رمضاني مبارك.
تحدث الرئيس أبو مازن في هذا اللقاء الوطني كاشفا تاريخ المؤامرة على فلسطين وشعبها، ووضع نقاطاً على حروف، وخطوطاً حمراء تحت أسماء دول، ولم يستخدم شارات التعجب أو الاستفهام، وإنما سطورا آخرها نقاط، فكانت كل فقرة بمثابة طاقة مغناطيسية توجه بوصلة المناضلين لانتزاع الحق الفلسطيني وتحقيق الحرية والاستقلال.. فأصغينا بحب، وسمعنا نبض فلسطين في قلبه، وحظينا بدرس بليغ من حكيم شجاع، فحثنا على أن نكون اللاعب الأهم في الميدان، بما يضمن انتصار روايتنا الفلسطينية باعتبارها الحقيقة الفريدة على أرض وطننا فلسطين، فنحن هنا التاريخ والحاضر والمستقبل، أما إسرائيل فقد صنعها الغرب رغم رفض اليهود في العالم لفكرة اقتلاعهم من أوطانهم وإنشاء كيان لهم (دولة) في فلسطين، قبل أن تتم ممارسة الإرهاب عليهم ليهربوا منها، ومما قال: “نحضر في المحافل والمؤتمرات ونقول نحن كلمتنا العاكسة لحقنا التاريخي وثوابتنا، لا أن نترك غيرنا يتكلم نيابة عنا”.
ومن خلاصة كتابه المفتوح، الغني بالرؤى والقراءة المبصرة، وبالقواعد والمبادئ والثوابت والعلم والمعرفة سمعنا بلغة الثبات والعزم: “سنبقى يدا واحدة، ولن يتمكن من فعل أمر لم ينجح أحد في الماضي من فعله، ويجب ألا نسمح لهم بتفريقنا.. نحن ما زلنا على ثوابتنا منذ إعلان وثيقة الاستقلال من المجلس الوطني الفلسطيني في الخامس عشر من فبراير من العام 1988”.
إنهم يأكلون أصابعهم ندما والمقصود (رؤوس المشروع الصهيوني الاحتلالي الاستيطاني) لأنهم إثر النكبة سنة 1948 لم يهجروا بالقوة والمجازر 168 ألف مواطن فلسطيني في المدن الرئيسية الساحلية مثل حيفا، وعكا، ويافا، ومدن الجليل، كما فعلوا مع أكثر من 950 ألف مواطن أصبحوا لاجئين في الضفة بما فيها القدس وبلاد عربية مجاورة، لكن الـ 168 ألفاً أصبحوا اليوم أكثر من عشرة أضعاف، حوالي (مليوني فلسطيني) في مدنهم وقراهم وأراضيهم وبيوتهم.. وفي سنة 1967 احتلوا الضفة الغربية وأبقوا جيشهم فيها، وأنشأوا مستوطنات يهودية، لكن مفكريهم وخبراءهم الإستراتيجيين يقولون: “لقد بلعنا السكين.. ما كان يجب البقاء في الضفة بعد احتلالها”.
ظهرت عنصرية الصهاينة (الأشكناز) أكثر وضوحاً وتفصيلاً، عندما اقتلعوا آلاف الأثيوبيين اليهود من وطنهم (يهود الفلاشا) وطاروا بهم برحلات جوية الى أرضنا المحتلة (فلسطين) علماً أن (الأشكناز) وهم الأوروبيون اليهود، قد أطبقوا على العرب اليهود اليمنيين والعراقيين والسوريين والمصريين ومن دول المغرب العربي (السفارديم) بعنصرية دينية وسياسية وثقافية حتى بعد اقتلاعهم أيضاً من مواطنهم الأصلية عبر الوكالة اليهودية، فرؤوس المشروع الصهيوني رفضوا استقدامهم في المراحل الأولى لإنشاء الكيان، إذ كانوا يخشون حفاظ العرب اليهود على جذورهم وثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم العربية، علما أن 70% من سكان (إسرائيل) اليهود أصولهم عربية، لكن العنصرية ما زالت تنخر بمصائرهم حسب شهادات حاخامات كبار من السفارديم ومواطنين من أصول عربية، ولعل برنامج (ميعاد) الذي تبثه قناة (مساواة الفضائية) برهان على عنصرية الصهاينة الأشكناز الذين لا يسمحون بتولي أشكنازي موقعاً سيادياً في أركان المنظومة السياسية والأمنية والاقتصادية، ومن المستحيل تولي يهودي من السفارديم منصب رئيس حكومة، فديمقراطيتهم المزيفة مكشوفة منذ عقود.
تم اقتلاع حوالي مليون وخمسمئة ألف مواطن من دول الاتحاد السوفييتي السابق وتهجيرهم واستقدامهم تحت تأثير إغراءات مادية ومالية إلى أرضنا المحتلة فلسطين، لكنهم اكتشفوا أن ثلث الرقم فقط يهود، أما المليون الباقي فليسو يهودا. وحتى الآن لم يتفق الحاخاميون على تعريف: “من هو اليهودي” حتى إنه لا يوجد اتفاق بين حاخامين اثنين على تعريف محدد.
تحررنا بعد الحرب على لبنان وحصار بيروت سنة 1982 من تأثير الجغرافيا السياسية، والآن منظمة التحرير الفلسطينية بمؤسساتها وقياداتها على أرض الوطن، بعد اتفاق أوسلو وقد تمسكنا بقوة وإصرار بمبدأ عودة كل المناضلين في إطار منظمة التحرير الفلسطينية بغض النظر عن جنسياتهم الأصلية، الإخوة من بلدان عربية أو أجنبية العرب والأجانب، وهذا ما كان واليوم رؤوس (إسرائيل) يعضون على أصابعهم ندما.
ثبتنا في اتفاق أوسلو اعتراف (إسرائيل) وإقرارها بأن المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وبملحق الاتفاق أكدنا على مبدأ الاعتراف المتبادل، والآن عندما يتحدث الساسة الأوروبيون وفي الولايات المتحدة الأميركية عن قناعتهم وموافقتهم على “حل الدولتين” نسألهم: أنتم تعترفون بإسرائيل وهي الطرف الأول من “حل الدولتين” فلماذا لا تعترفون بدولة فلسطين وهي الدولة الأخرى تحت عنوان “حل الدولتين” فيقولون لا نستطيع!!!
تحدث الرئيس عن ركائز وقواعد لا بد منها لتحقيق أهداف العمل الفلسطيني الوطني، بذاكرة تاريخية، وقراءة موضوعية للواقع، ورؤيا دائرية، وبصيرة بعيدة المدى، وعميقة، تركز على التفاصيل الدقيقة، حيث يكمن جوهر الصراع بين الحق، جبهتنا الوطنية والعربية والإنسانية بمقوماتها السياسية والثقافية، وبين جبهة الباطل، منظومة الاحتلال والعنصرية (إسرائيل).
لقاء وطني بحق ختمه الأخ الكبير محمد بركة رئيس لجنة المتابعة العربية في فلسطين المحتلة منذ سنة 1948 فقال: “نحن لم ولن نخرج من التاريخ”.