لاجغرافيا ولاتاريخ يحكمان الأديان ،وتعجبني كلمة مر عليها قرون تحتفظ بدرجات الحكمة كلها،(كن من تكون فإنك ميت) ،وأين تكون ،ومن تكون،ومتى تكون،فأنت إنسان تحكمك طاقة غيبية عليا لامرد لها إلا أن تستسلم لها وترضخ لحكمها وتكون طوعا لها في كل حال،فإذا كان الإسلام وقبله المسيحية واليهودية من قبلهما من الشرق وكانت الدعوة لهذه الديانات من مصر أو فلسطين أو جزيرة العرب فقد عمت الأنحاء وصار موسى ثم عيسى ومحمد( عليهم السلام) على كل الشفاه المادحة أو القادحة وماعاد مهما أن يمدحهم المادحون أو يذمهم الذامون فهم أكبر وأسمى من تفاهات فلان الغربي وعلان الشرقي أو هذا الشاعر المعتوه أو ذاك الكاتب الفارغ المحروم،أو الصحفي المذموم ،وربما لو قيض لنا أن نسمع لقول واحد منهم في مادحيه أو قادحيه لكنا سمعنا منه قوله،إن مدحتني أو ذممتني فأنا لم آت ولم أتحرك بينكم لأسمع منكم القدح أو المدح ومهمتي هي هدايتكم والبحث في سبل نجاتكم ودفعكم الى الصلاح وأن تحبوا بعضكم البعض فأنتم كلكم من أبوين إثنين لم يفكرا حين زرعا بذرة الذرية في هذه الأرض بأن يكون أحدكم يهوديا أو نصرانيا أو مسلما،وكانت دعوتهما كدعوة أبنائهما من الأنبياء والصالحين الذين عملوا على نشر الهداية والرشد وترسيخ مفاهيم الرحمة والمودة والصدق والأمانة والتكافل ولم يبحثوا عن سلطان أو قهرمان ولم يفكروا في فاخر الثياب ولذيذ الطعام والشراب، حتى إن نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام وعلى ذريته كان يصف الصالحين والصديقين الذي هو منهم بقوله ( إنا قوم لانأكل حتى نجوع ،وإذا أكلنا لانشبع ) لأنهم يشعرون بجوع الفقير والمحروم والمعدم من عباد الله.
وقد تجد دينا كالإسلام لايلتزم به أهله ،وقد تجوب بلدا مسلما من شرقه الى غربه فلا تجد فيه مايدل على إنه مسلم ومؤمن بتعاليم الإسلام العظيم وتنتشرفيه مظاهر النفاق والفساد وخيانة الأمانة والكذب والإحتيال والخديعة وغمط الحقوق والطغيان الفادح والظلم الراتب ويعمه الحرمان في كل مكان ،وكإنه لم يعرف من تعاليم الإسلام شيئا البتة. وقد تذهب الى بلد لم يعرف الإسلام لكنك تجد أهله مؤتمنين متحابين متكافلين صادقين غير خوانين ولامنافقين ولامحتالين وتحار كيف تفهم الأمر؟ ففي حين تجد الإسلام غريبا في أهله ويسخرون من الملتزمين بتعاليمه والمطبقين لأحكامه ،فإنك ترى في الغرب من هم كأنهم مسلمون بسلوكهم وتوادهم وتراحمهم فتعجب من أمرهم وأمر دينك الذي تعتقد به ولاتلتزم بماأتى به من تعاليم.
وليس مهما من أين ينطلق الدين طالما إنه جاء لكل الناس ،فالدين هداية الله في عباده وطريقهم إليه وليس عليهم أن يتكلفوا به فيحولوه الى تعاليم جامدة وأفكار مركونة يستخلصون منه ما يؤكد تعصبهم وغلوهم وعشائريتهم ومناطقيتهم وقومياتهم،ولاحق لبشر أن يكون وصيا على غيره ،والله يقول،إدع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم.