حواجزُ المَوت ، بقلم : مريم سميح سويطي
في التاسع من شهر رمضان ، توجهت برفقة صديقاتي إلى المسجد الأقصى والسعادة تغمرنا ما أن نتخيل وصولنا إلى هناك ، يومُ الجمعة هو ذلك اليوم الذي ينتظره الفلسطينيين بفارغ الصبر في شهر رمضان للذهاب لزيارة المسجد الأقصى بالرغم من تضيقات الاحتلال.
صعدنا الحافلة متجهين صوب حاجز بيت لحم فهو سبيل الوصول ، خلال تأملي لجدار الفصل العنصري رأيت العديد من الرسومات بعضها تُحاكي معاناة الفلسطينيين وأخرى تُرسخُ صمودنا في التصدي للاحتلال ، وصور شهداءٍ قدموا حياتهم فداءً للوطن و أضاءوا بدمائهم درب الحرية.
فور وصولنا للحاجز رأيتُ آلاف الفلسطينيين يقفون تواقين بأن تُفتح البوابة الحديدية، ننتظرُ لساعات في صورٍ تقترب وتبتعد لرصد المعاناة، نتعبُ تارةً ونستمر بالمواصلة تارةً أخرى ، خلال تأملي للمشهد شعرتُ بالقهر ما إن أنظرَ لذلك الرجل الكبيرُ في السن يقفُ متعباً على قدميه ، وطفلاً يصرخُ من شدة البكاء جنود مدججين بالسلاح ، مجردين من الإنسانية يقفوا مُتفرجبن ويرفضون فتح البوابة.
وتتجلى ميزاجيتهم وقيودهم من منعنا من العبور أو السماح لنا ، يعتلون أسطح المنازل من كل صوبٍ وحدب وآخرون يقفون على الحاجز ،بالرغم من صلافة وبجاحة الجنود إلا أننا صامدون كشجرة الزيتون ، نُسليّ أنفسنا بإنشاد الأناشيد الدينية ، بعد ساعاتٍ طوال من الانتظار ، بدأوا بفحص وتدقيق الهويات سمحوا لنا بالدخول ،و أعادوا أشخاصاً آخرين تحت ذريعة ” المنع الأمني ” انتظروا بفارغ الصبر ساعاتٍ طوال على ذلك الحاجز ، ليفاجئوا بعد عناءٍ ومشقة أنهم لا يستطعون تحقيق حلمهم في رؤية المسجد الأقصى ليعودا أدراجهم وخيبة الآمل تعتليهم.
في القدس عقدة الماضي وبؤس الحاضر وسحر المستقبل فهي كالكائن الحي مميزةً بحواريها ، وأزقتها ، وأسواقها وصوت باعتها الذي يدوي في كل مكان ، بعد وصولنا إلى مدينة القدس شعرتُ بأنني تنفست الصعداء ، ما إن رأينا باب العامود والأجواء الروحانية حتى تسربت السعادةُ إلى روحي هنا باعة الكعك يتجولون وقفتُ على أعتاب باب العامود منكبتاً على جمال المكان وتفاصيله.
وعلى الرغم من الإجراءات التي يتبعها الاحتلال إلا أن ربع مليون فلسطيني أدوا صلاة الظهر في رحاب المسجد الأقصى أمس ، وسط هتافات وتكبيرات تصدح إلى كل المسامع وتبعثُ التحية إلى جنين .
وبعد انتهاء الصلاة تجولنا في حواري القدس الألوان الزاهية المشاهد الجمالية وازدحام البسطات وعشق القدس والمسجد الأقصى يدفعك إلى تلمس كل زاوية وكل تفاصيل ما تمر به ، حيث العقيدة والتاريخ والأديان والتضحيات والآمال والأحزان.
وقبل آذان المغرب بدأوا بتجهيز موائد الافطار في ساحات المسجد الأقصى لتروي ظمأ الصيام على صوت و مدفع رمضان المقدسي ويتلوه رفع الأذان بهيبته ، ومن ثم أداء صلاة المغرب.
عدنا إلى نقطة اللقاء ” باب العامود ” من هنا وصلنا ومن هنا سنعود فكان يعج بالزائرين من كل مكان والأناشيدُ الدينية تملأ الأرجاء والأضواء معلقةً في السماء ، آخرون يرتشفون القهوة ، وبائعون يتجولون بالعربات ، صعدنا الحافلة و غادرنا المكان متجهين إلى ذلك الحاجز فمن حاجزٍ إلى آخر هنالك قصص وروايات ومعاناة مستمرة