شهر آذار مآثر ووقائع وتساؤلات ، بقلم : عباس زكي
الثامن من آذار يتعلق بالمرأة وعيدها العالمي والحضور المهيب واللافت للمرأة الفلسطينية التي تزغرد للشهيد إنها المرأة الفلسطينية العظيمة التي شكلت عبر مسيرة الثورة بطولة غير مسبوقة وشجاعة وصبر قل نظيره في نساء العالم، واحتلّت في وثيقة الاستقلال التي صدرت من جبال الاوراس بالجزائر، أنها موقدة نارنا وحارسة بقائنا (فالتحية لخنساوات فلسطين) أمهات الأسرى والشهداء والجرحى اللواتي يوزعن معنويات عالية على مجتمعنا الفلسطيني كأم ناصر أبو حميد أم الشهيدين وأربعة أسرى أبطال محكومين بالمؤبدات مع عاطر التحيات الى النموذج الأرقى من أمهات الشهداء في نابلس وجنين وقرى ومخيماتنا، وبخاصة أم ابراهيم النابلسي التي حملت نعش ابنها الشهيد بمعنويات طالت السماء، تحية عطرة وحارة الى ذوي الاستشهاديات أخوات دلال المغربي.
في الحادي والعشرين من آذار 1968 سجلت فتح انقلاباً على قانون حرب العصابات بصمودها في معركة الكرامة الخالدة لرؤية قيادتها أنها تريد أن تساهم في صنع النصر لأمة هُزمت في حزيران .. والنصر له ثمن وهو الدم … شكّل دم شهدائها وصمودها الأسطوري ميلاداً حقيقياً لحركة فتح، وباحتضان عربي واحترام دولي، بعد ان كانوا يحاصرون انطلاقتها في الفاتح من يناير عام 1965. وذلك بفعل خوضها المعركة الى جانب الجيش العربي الاردني البطل في معركة استمرت خمسة عشر ساعة طلب فيها الاسرائيلي وقف اطلاق النار ومُني بهزيمة رغم أن الجيش الذي كان اسطورة التفوق كما يحلو لوزير الدفاع دايان الذي قال “أنني امتلك جيشاً لا يقهر وفي الأغوار هناك فتح كالبيضة في يدي، احتاج الى شيء من الضغط لأسحقها، وسأذهب الى الأغوار لتطهير أوكار المخربين وأحضر قياداتهم في الشبك الى ميادين دولة اسرائيل لتتفرجوا عليهم”.
وحينما سُئل عن الأردن قال “سأتناول قهوتي في السلط وانتظر أن يعلن ملك الاردن الاستسلام. هنا كانت فضائل شهر آذار أن يعلن الفدائي الفلسطيني والعسكري الاردني – وحدّنا الدم يا كرامة وحدّنا الدم – وأن يعلن المغفور له الملك حسين، نحن الفدائي الأول، وأن يكون للمدفعية السادسة من بلدتيّ عيرة ويرقة قد افقد العدو الصواب، وأن يطلب وقف اطلاق النار الذي اشترط الاردن عدم وقفه الا بعد استكمال الانسحاب، تاركاً خلفه على أرض المعركة عدداً من الدبابات سحبت الى المدرج الروماني في عمان لرفع معنويات الشعب، وإعطاء الدليل أن وحدة الدم أعادت الاعتبار للجيوش العربية التي هزمت على جبهة سيناء والجولان والضفة قبل تسعة أشهر في نكسة حزيران عام 1967.
معركة الكرامة أحدثت تغييراً جوهرياً في منظمة التحرير الفلسطينية، لتصبح الائتلاف الجبهوي التي تضم كل قوى المقاومة، وتفرض القضية الفلسطينية رقماً صعباً في معادلة الصراع بالشرق الأوسط … واعترف الزعيم جمال عبد الناصر حينما استقبل ابو عمار للمرة الأولى ” صدقت يا ياسر .. فتح انبل ظاهرة وجدت لتبقى” فردّ عليه الرئيس القائد لتبقى ولتنتصر يا سيادة الرئيس”، فحمله الى موسكو وقدمه الى الكرملين يحمل راية القضية العادلة، كما اعترف موشي دايان وزير دفاع العدو ” ماذا افعل إذا من هم أمامي قرروا الموت .. لو قرروا عكس ذلك لقضي الأمر”.
وليفي شكول رئيس وزراء اسرائيل الذي قال ” من يضع يده في بيت الدبابير عليه أن يتحمل لسعها”. وقال فيها المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي ” أن فتح لا تعرف ما تفعل ومن أنها لا ترسم خارطة فلسطين فقط بل ترسم خارطة الشرق الأوسط”.
شكراً آذار الذي تكاملت فيه الرؤيا الواضحة والإرادة الصلبة والقناعة بالموت، ولا حياة الذل التي يمارسها البعض على الفلسطينيين الرواد في هذه الأمة دفاعاً عن أقدس مقدسات الأمة من المحيط الى الخليج .
عيد الأم 21 آذار
شكراً آذار الذي كرمت فيه الام التي هي سر الرفعة للأمة .. الأم التي تنجب وتحقق القنبلة الديمغرافية التي ستفرض شروط الفلسطينيين الأحرار على هذه الأرض، وهي الأكثر ضماناً من كل الأسلحة .. فإذا كانت الجنة تحت أقدام الأمهات، فإن ضمان النصر والتحرير والاستقلال الناجز هو بمزيد من الولادات المؤمنات بالأرض وقيمتها ومكانتها الروحية والتي تتطلب التضحية بالمهج والأرواح.
30 آذار 1976يوم الارض الخالد
وأخيراً شكرا آذار، الذي جسد وحدة نضال شعبنا في كل فلسطين، حينما طفح الكيل بمصادرة آلاف الدونمات الخاصة بالمواطنين الفلسطينيين العرب في داخل ال 48، حيث تداعى قادة العمل الوطني في فلسطين التاريخية داخل الخط الأخضر الى عقد اجتماعات والتدارس بالفعاليات المطلوبة لحماية أراضيهم، كان ذلك في النصف الثاني من تشرين عام 1975 في الناصرة، فتم تشكيّل لجنة الدفاع عن الأرض، وتقرر يوم 30 آذار يوم اضراب عام ، رفضاً للمصادرات.
أوعز اسحاق رابين رئيس الوزراء الى الجنرال روفائيل اتيان باتخاذ كل الاجراءات لمنع الاضرابات. فأعلن اتيان فرض حظر التجول على سخنين، عرابة، دير حنا، طمرة وكابول، ودفع بالدبابات والمجنزرات الى داخل القرى ولكن عمّت المسيرات الضخمة والغاضبة منطقة الجليل شمالاً الى النقب جنوباً واستشهد ستة شهداء ثلاثة من سخنين وواحد من عرابة البطوف وواحد من كفر كنّا وآخر من مخيم نور شمس والطيبة و49جريح وأكثر من ثلاثمائة معتقل.
هنا كانت البداية بثورة أهلنا ولأول مرة بعد نكبة 1948 فالتم شمل الشعب الفلسطيني في الدفاع عن الأرض، وأثبتت الأيام أن يوم الأرض مستمر في حماية الأقصى وروعة الوعي في مقاومة الاحتلال .. وما يجري اليوم في كل مناطق 1948 مثار للفخر بنقاء وعروبة أهلنا وتجذرهم بالأرض.
في ظل استعراض مآثر شهر آذار والذي فرض على المعنيين بالوطن إحياء مناسباته من كل عام .. أوجه سؤالي لأخوتي شركاء الدم والمصير في فتح .. هل كان لمثل هذه التحولات أن تتم بمعزل عن قيادة ذات إرادة ورؤيا وقدرة على التخطيط ؟ وتدوير الزوايا والاقتراب من صنع الانتصار… واذا كان الأمر كذلك فهي تعتبر من موروثنا النضالي الذي يجب أن لا نتخلى عنه، مما يفرض على المعنيين، وخاصة في الاطارات القيادية أن يتفحصوا جيداً مؤيدات كونهم أعضاء في حركة، أين هم من أدبياتها وبرامجها المتطورة ودورها الهام والمؤثر في الحياة الفلسطينية؟ فحينما تكبر فتح يكبر معها الأمل، وحينما تنتظم فتح تنتظم دقات القلب الفلسطيني بل والعربي أيضاً .. فأين هي من نفسها ومن الشعب والفصائل التي تعقد عليها الرهان والأمل ؟
بهذه المناسبة أيها الفتحاويون جددوا العهد والقسم .. فتح هي حلمنا الوطني وبها يكبر إيماننا بحتمية النصر عبر الاستعداد الدائم للتضحية من أجل التحرير والعودة والدولة وعاصمتها القدس، مما يتطلب استراتيجية جديدة تفرض فتح مجدداً بوابة الأمل.
- عباس زكي – عضو اللجنة المركزية لحركة فتح