الصراع الدائر في المجتمع والمؤسسات الإسرائيلية ، بقلم : عزمي بشارة
مع أن الصراع على استقلالية الجهاز القضائي النسبية عن الأغلبية المتغيرة في المؤسسة التشريعية له علاقة غير مباشرة بقضية فلسطين إلا أنه حيوي بالنسبة لقطاعات واسعة من الإسرائيليين وثمة شرخ حقيقي متعلق بنمط الحياة وطابع الدولة لأنه قد يغير التوازن السائد مع الأحزاب الدينية، لناحية امتيازاتها المتولدة عن الائتلافات ولأن “الإصلاح” المقترح ويخفف من رقابة القضاء على السياسيين لناحية عواقب تهم جنائية مثل الفساد على إشغال وظائف قيادية. وقد تكون هناك عواقب فيما يخص علاقة يهود أميركا باسرائيل.
يهدف تحالف القوى اليمينة الشعبوية والصهيونية الدينية والقوى الدينيةالمتزمتة إلى تغيير التوازن القائم ليتمكن من التشريع من دون تدخل القضاء في حالة تناقضه مع قوانين الأساس “الليبرالية” التي سنت في تسعينيات القرن الماضي. مختصر الخطاب الشعبوي: السلطة التشريعية منتخبة أما القضاء فلا.
القضاء أصبح أصلا أكثر يمينية وأقل ليبرالية، ولا معنى لليبراليته في المناطق المحتلة. ولكن إذا أزيل حاجز حق القضاء في التدخل في التشريعات لمنع مخالفتها مبادئ عليا معينة فلن تكون هناك حدود لما يمكن ان يحصل لناحية سن قوانين تفرض إملاءات دينية على نمط الحياة وتقلص نفوذ القضاء.
لنتنياهو أهداف أخرى متعلقة بالملفات القضائية ضده. وقسم كبير من اليمين الإسرائيلي يرفض ذلك، كما ان قسم كبير من اليمين ما زال علمانيا، على الأقل لناحية نمط الحياة الذي يريده، لذلك فإن المظاهرات ليست مظاهرات يسار ضد يمين. بل مظاهرات تحالف علماني من اليمين والليبراليين واليسار.
المتدينون المتزمتون (الذين تصهينوا) يدركون هشاشة وضعهم، فهم عموما لا يخدمون في الجيش وقسم كبير منهم لا يعمل ولا يدفع ضرائب. وهم لا يرغبون بصدام شامل بل بتسويات عبر الائتلافات البرلمانية. هكذا حصلوا معظم امتيازاتهم. الراغب في الحسم طالما سنحت الفرصة هو اليمين الصهيوني الديني.
نتنياهو أيضا راغب بالحسم لأن فرصة حصوله على أغلبية برلمانية قد لا تتكرر، ولكنه أكثر براغماتية وأكثر تعرضا للضغوط من حلفائه. وقد يقبل بتسويات. ولكن لن يتراجع عن المشروع كله. وإذا لم تحصل تسوية فسوف يخوض المواجهة، وما سيحدد تصرفه هو فقط السؤال هل سوف يصطف جميع نواب الليكود خلفه؟
بقي أن نقول: في حالة التوصل إلى تسويات، وكيفما استدار، سوف يضطر نتنياهو إلى تلبية مطالب إضافية للصهيونية الدينية. وهذ تكون عادة على حساب الفلسطينيين. في هذه الأثناء منح بن غفير حرس وطني، ميليشيا تتبع له مباشرة، وتجنبه بيروقراطية الشرطة.
سبق أن تناولت هذه المواضيع بالتحليل، وكذلك علاقتها بالقضية الفلسطينية، وصيرورة تدين الصهيونية وصهينة التدين في محاضرات وكتب ومقالات ومقابلات، ومنها كتاب من يهودية الدولة حتى شارون الصادر عام 2005.