معركة الأسرى والإرادة التي لن تكسر ، بقلم : نهى نعيم الطوباسي
علّق الأسرى الفلسطينيون إضرابهم وحققوا إنجازا مهما على طريق الإنجاز الأكبر بانتزاع حريتهم وحرية شعبهم. وجاء هذا الإنجاز امتدادا لإعلانهم العصيان الشامل، في السجون والزنازين الإسرائيلية للشهر الثاني على التوالي وفقا للبرنامج الذي أقرته لجنة الطوارئ العليا الموحدة للحركة الأسيرة، رفضا للركوع والخنوع للإجراءات العقابية الحاقدة والعنصرية التي أعلنها بحقهم من يسمى بوزير الأمن القومي الإسرائيلي، الوزير الفاشي المتطرف إيتامار بن جفير، كالتحكم في كمية المياه التي يستخدمها الأسرى، وتقليص مدة الاستحمام وحصرها بساعات محددة، وتزويد الأسرى بخبز رديء ومجمد مع مضاعفة عمليات الاقتحام والتفتيش ليلا بحق الأسرى والأسيرات، واستخدام كل أشكال الإزعاج والتنغيص على حياتهم في السجن مثل القنابل الصوتية، والكلاب البوليسية خلال عمليات القمع والاقتحامات. بالإضافة إلى المصادقة بالقراءة التمهيدية على مشروع قانون حرمان الأسرى من العلاج، وبعض العمليات الجراحية. ومضاعفة عمليات العزل الانفرادي بحقّ الأسرى، وسحب بعض المكتسبات مثل أجهزة التلفاز من الزنازين، ومنعت إدارات السجون كذلك دخول الصحف وأوقفت خدمة الشراء “الكنتينا”، كما منعت زيارات العائلات وغيرها من الإجراءات الانتقامية القاسية والتي لا تفسرها سوى النزعات الانتقامية التي لا تمت للإنسانية أو القوانين والشرائع الدولية بصلة.
اللافت أن الإنجاز الذي حققه الأسرى جرى باتفاق مع أجهزة الأمن بعد “تحييد” الوزيرين المتطرفين بن جفير وسموتريتش ومنعهما من التدخل حتى لا يورطا إسرائيل بمزيد من المشاكل، ولكن من ضمن التوجهات الخطيرة لهذا الفاشي الصغير وحكومته هو التشريع الذي يتيح فرض عقوبة الإعدام، خلافا للاتجاه السائد في العالم لإلغاء هذه العقوبة وبعد مساعي وجهود مؤسسات حقوق الإنسان في العالم، والأمم المتحدة بالغاء عقوبة الإعدام، حيث أعلنت 170 دولة وقف تطبيق عقوبة الإعدام، أو وقف العمل بها سواء في القانون أو الممارسة وفقا للجنة المعنية بحقوق الإنسان، كونها تتناقض مع الحق في الحياة والعيش في مأمن من التعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية واللاإنسانية والمهينة، وفقا للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية من قبل الدول الأطراف. فقد صادق الكنيست الإسرائيلي بالقراءة التمهيدية على مشروع قانون يقضي بإعدام الأسرى، بعد أن توعد المتطرف بن جفير بإعدام الأسرى على كرسي كهربائي، وذلك بصعقهم بترددات كهربائية عالية جدا، وهي طريقة تعود للولايات المتحدة الأمريكية في ولاية نيويورك عام 1889، ومن قسوتها وبشاعتها، نددت بها الصحف الأمريكية آنذاك، معتبرة أن عملية الإعدام شنقاً أفضل بكثير، حتى المؤسسة التي بذلت جهدها في المنافسة على اختراع كرسي الموت، الكرسي الكهربائي، وتدعى مؤسسة جورج ويستيغهاوس أعلنت حينها، أنه كان من الأرحم الإعدام ضربه بالفأس بدل استخدام الكرسي الكهربائي.
ما يحاول أن يقوم به بن جفير بتمرير قرار إعدام الأسرى، ما هو إلا محاولة البحث عن طريقة أبشع وأشد قسوة من تلك التي تطبقها إسرائيل فعليا بالسجون الإسرائيلية، فاسرائيل تمارس الإعدام البطيء بحق الأسرى الفلسطينيين منذ عام 1948، بالإهمال الطبي والقتل المتعمد، من قبل سلطات السجون، فما زالت اسرائيل تحتجز جثامين الأسرى الشهداء الذين ارتقوا نتيجة الإهمال الطبي، والقتل المتعمد من قبل سلطات إدارات السجون وأجهزة الأمن، مثل كل من الشهيد ناصر أبو حميد، ومحمد ماهر تركمان، وداوود محمد الزبيدي، وسامي العمور ، وكمال ابو وعر، وسعدي خليل ومحمود الغرابلي، وبسام السائح، ونصار طقاطقة، وفارس بارود، وعزيز عويسات، وأنيس دولة.
إن ما يقوم به بن جفير وحزبه الفاشي ومصادقة الكنيست على ذلك، يدل على مدى التوحش والتطرف المتنامي المتفاقم والحقد الشديد على الشعب الفلسطيني من قبل الإحتلال الاسرائيلي، وهذا فعلا ما تترجمه إسرائيل أيضا بانتهاكاتها السافرة والإعدام الميداني بحق أبناء الشعب الفلسطيني، على يد جنود الإحتلال ومستوطنينه دون أي مساءلة لإسرائيل على كل جرائمها التي ترتكبها، وفقا لجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين منذ النكبة حتى اليوم (داخل وخارج فلسطين) نحو مائة ألف شهيد .
لقد أوصى الأسرى في رسالة توجهوا بها لأبناء الشعب الفلسطيني بعدم تركهم وحيدين في مواجهة حصار السجان وبن جفير لهم، قائلين “لا تتركونا وحدنا في ساحات المعركة، مكشوفين لسهام الغزاة، احموا أرواحنا وظهورنا، فأنتم أهل القيم والمبادئ والرهان عليكم كاسب”.
إنها الوصية المحمولة بالثقة بشعبنا العظيم، وبنفس الوقت الخذلان من العالم والمجتمع الدولي الذي أصبح أعمى، بتجاهله لكل ما تقوم به إسرائيل من انتهاكات دولية، بحق الشعب الفلسطيني دون مساءلتها، وهو ما شجع إسرائيل على مواصلة انتهاكاتها السافرة بحق الشعب الفلسطيني، فلا بد من مواصلة الاعتصامات والحراك شعبيا ورسميا، من أجل إنهاء قضية الأسرى، وإطلاق سراح 4700 أسيرا، مازالوا ينتظرون الفرج ويترقبون شمس الحرية، بينهم 29 أسيرة و(150) طفلاً، وقرابة (850) معتقلًا إداريًا، بينهم (7) أطفال، وأسيرتان، و(15) صحفيًا، أكثر من (600) أسير يعانون من المرض والإهمال الطبي.
لقد توقع الاحتلال أن الأسرى هم الحلقة الضعيفة في جبهتنا الفلسطينية ولذلك يمكنه الاستفراد بهم وقهرهم وكسر إرادتهم تمهيدا لكسر إرادة شعبهم، متناسيا ما يحظى به الأسرى لدى شعبهم من مكانة سامية واحترام يليق بهم وهم من ضحوا بأجمل سنوات عمرهم من أجل حرية شعبهم، ولذلك فإن شعبهم لن يتركهم وحدهم، ومعركة الأسرى لم تتوقف بالإنجاز الذي توصلوا إليه، بل هي متواصلة حتى انتزاع الحرية، وهي معركة الجميع، من أجل الكرامة والحرية، والمعركة مع الاحتلال الذي أيقن الهزيمة أمام تضحيات شعبنا العظيم، وأمام صلابة أسرانا البواسل. لطالما قهر أسرانا البواسل القيد والسجان، بوحدة الكلمة والموقف فانتصروا على الذات والزنزانة، وقزموا إسرائيل والسجان بإرادتهم التي لا تكسر، وشموخهم العظيم المهيب.