الأوروبيون الجدد ، بقلم : عمار أسامة جبر
لعل التقسيم الحالي للعالم كدول متقدمة، ودول تلحق بركبها، ودول متخلفة في حيرة لتوفير أبسط متطلبات الحياة لشعوبها، وظهور العولمة والفجوة الكبيرة في الفئات العمرية في المجتمعات الأوربية، والحروب المُختلقة، والوجوه الاستعمارية الجديدة التي تسعى للاستيلاء على الموارد الطبيعية في الدول النامية، أظهر تصنيفاً جديداً للبشر، تصنيف خلقته الحرب، وساهمت فيه بقوة دول بعينها، لسد فراغ كبير في نقص المواليد والأيدي العاملة وعزوف الشباب عن الزواج والإنجاب.
الأوروبيين الجدد، مصطلح يختلف في تفسيره أو الاتفاق على توصيفه، فتارة يوصف به العائدون من “الساحات الجهادية”، وتارة أخرى على أبنائهم الذين ولدوا في تلك الساحات، ووجدوا أنفسهم في مخيمات تحت حراسة مشددة، بلا أب وبلا أسرة وفي حالات أخرى بلا أبوين، لكن الفئة التي طفت على السطح هم مواليد المهاجرين من مناطق الحرب الساخنة، في العراق وسوريا واليمن، والذين ولدوا في المجتمعات المضيفة لهم في المهجر.
إن الطريق للحديث عن هذه الفئة معبد بالأشواك، فالعائلات القادمة من المشرق العربي، تعاني الأمرين في التعايش والاندماج في مجتمعاتها الجديدة التي تفرض عليهم قوانين مجتمعية، تتعارض مع ما تعودوا عليه وساد في تلك المجتمعات التي قدموا منها، والصمت والكتمان صفتان تلازمان هذه العائلات، خوفاً من الشرطة التي تفرض بشكل يومي عقوبات على هذه الأسر، وصلت الى حرمانهم من أطفالهم، متذرعين بالعنف الأسري ومخالفات بحق هذه الأسر في رعاية القُصر، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى انتزاعهم من أسرهم وتقديمهم إلى أسر جديدة.
ما يهم تسليط الضوء عليه هنا، هو دور المجتمعات الغربية في خلق الأوروبيين الجدد، وانتزاعهم بشكل كامل من أوساطهم العربية، وقطع جذور العلاقة بينهم وبين أوطانهم، وتحويلهم الى مواطنين في المجتمعات الغربية بولاء كامل، حيث تُبرمج عقولهم على أن ما قدمته هذه الدول لهم لم تقدمه دولهم التي وفدوا منها، ولعل خلق هذا الولاء لا يأتي بتلك السهولة، بل بشكل تدريجي منظم ومدروس، فنقطة البداية في هذه المرحلة هو استهداف الأبوين، بمحاولات الدمج وتعليم اللغة، التي يبدأ منها هذا التحول في الأسرة بالكامل، يبدأ الوالدين بمحاكاة أجواء الأسر الأخرى التي تجاورهم، والتحدث باللغة الجديدة أمام أطفالهم، لتسهيل دخولهم الى المدرسة وتقديمهم الى المجتمع الذي يدفعون أبنائهم له بشكل خفي، للعب دور بأنهم من مواليد هذه الدولة ويحملون جنسيتها، وإخفاء أصولهم العربية، التي باتت مصدر قلق لدى اليمين المتطرف الذي بدأ يصعد نجمه في المجتمعات التي لديها نسب عالية من اللاجئين.
إن هذه المحاولات للاندماج في المجتمعات الجديدة، أفرزت فئة “الأوروبيين الجدد”، الذين يسبحون في مواجهة تيار قوي، تيار يجرفهم بعيداً عن شاطئ الأسرة، ليطالبهم فيما بعد بضريبة هذا القبول، فهذه الشريحة التي خاضت هذا الطريق، وأصبحت بشكل غير مقصود منهم أو من أسرهم، رهينة لهذا المجتمعات الأوروبية، التي توصف بالعجوز، حيث كما أسلفت من قبل لديها من المشاكل المجتمعية ما يكفي من قلة المواليد والإنفاق على المتقاعدين، والتفكك الأسري، والإدمان، وغيرها، ووجدت في هذه الفئة، حلاً سريعاً لتقويتها في مواجهة العقلية المحلية التي ترفض الزواج والإنجاب.
لربما يحاول أبناء المهاجرين شق طريقهم في المهجر، ولربما انجرف بعضهم وتغول في هذه المجتمعات بعاداتها وتقاليدها، ولكن الرهان ما زال عليهم وعلى أسرهم، لخلق روابط بينهم وبين أوطانهم، ليكونوا دعامة مستقبلية تساهم في رفعة هذه الأوطان، ورفدها بخبرات وعقول نيرة.