الجهاد الإسلامي ومعادلة الوحدة الميدانية ، بقلم : أحمد الصباهي
يبدو من خلال مسار الأحداث في الضفة لجهة تصاعد المقاومة “الشبابية” عبر كتائب عدة، ابتداء من كتيبة جنين، وطوباس، وعرين الأسود في نابلس، وآخرها كتيبة جبع، واستمرار العمليات في القدس، بالإضافة إلى تميز الحاضنة الشعبية حيث تتواجد تلك الكتائب، والتي تتمظهر بشكل واضح لا لبس فيه، عبر الحشود الهائلة التي يشارك فيها المواطنون بتشييع الشهداء، والتي تدلل على تبدل المزاج في الشارع الفلسطيني في ظل الفشل الذريع لمضمون جدوى التفاوض مع الاحتلال، ولسنا بحاجة لسرد الأسباب، فما تترجمه حكومة اليمين الفاشي الديني الإسرائيلي على الأرض واضح لا لبس فيه، ليلقي الشارع الفلسطيني هذا المفهوم في سلة القمامة.
أين تقف الجهاد الإسلامي؟
بعيداً عن الخلاف السياسي العمودي والأفقي بين فتح وحماس، تقف حركة الجهاد الإسلامي على رصيف آخر، هو رصيف تصح تسميته “الوحدة الميدانية”، الذي ترجمته عبر كتائبها في الضفة، وذلك عبر دعمها لكل حركة شبابية تقاتل الاحتلال بقدر ما يتوفر لها من إمكانيات، بغض النظر عن انتمائها السياسي والتنظيمي والفكري.
كانت الجريمة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في نابلس والتي أدت الى ارتقاء عشرة شهداء، وإصابة أكثر من مائة، مناسبة ليطل الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي “زياد النخالة” في خطاب تأبيني، وقد أخذت تلاوة أسماء الشهداء حيزاً مهماً من كلمته، فمن مخيم جنين، وردت أسماء كجميل العموري وعبد الله الحصري، وعبد الرحمن خازم، إلى الشهيد إبراهيم النابلسي وعرين الأسود، إلى شهداء القدس كخيري علقم وعدي التميمي، وصولا إلى تعداد شهداء نابلس واحداً إثر واحد، والذين ارتقوا في العدوان الأخير، معتبراً هذا “حقهم علينا أن تبقى أسماؤهم في ذاكرتنا”.
كان من اللافت جداً في هذا الخطاب، الذي حذر فيه المقاومين من استخدام الهواتف النقالة في إشارة واضحة إلى ضراوة وسعار حرب السايبر بين المقاومة والاحتلال، أنه أوكل مهمة جديدة للمقاومين الشباب، ربما هم أهل لها، وهو ما عجز السياسيون عن تحقيقه “فليعلن اليوم مقاتلو الشعب الفلسطيني وحدتهم، متجاوزين الخلافات السياسية، ويصيغوا برنامجاً قائماً على الوحدة في ميدان المعركة، وأن الدم الفلسطيني واحد، وأن الشعب الفلسطيني موحد خلف مقاتليه الشجعان”.
فهل استبدلت الجهاد الإسلامي الوحدة السياسية بالميدانية؟
ربما من المبالغة القول، إن الجهاد الإسلامي لم تعد تلقي بالاً بالانقسام، وهي التي عملت طوال تلك السنوات من أجل ردم الهوة بين فتح وحماس، بالرغم من تموضعها الواضح في خندق المقاومة، ودعوتها إلى إنهائه، إلا أنه من الواضح جداً، أن موضوع الانقسام أصبح معضلة غير قابلة للعلاج بالوقت الحالي، فضلاً أن اشتعال المقاومة في الضفة محققة حالة من توازن الردع مع فارق القوة، وعجز الاحتلال عن السيطرة عليها رغم حشده العديد من كتائبه، بعد الفشل الذريع لعملية “كاسر الأمواج”، وهو ما يفرض معادلة جديدة ليست مستغربة عن الجهاد الإسلامي، كونها في الأصل لم تقدم نفسها بديلاً سياسياً لا عن فتح ولا حماس في الانتخابات فهي لم تشارك، وليس لديها أطماع سياسية محاصصية في أي من مؤسسات الشعب الفلسطيني، ومن الواضح أنها تمثل رأس حربة في المقاومة في الضفة، وهذا ربما يؤهلها للدعوة عبر لسان أمينها العام إلى أن يقوم الفلسطينيون بـ”تجاوز الحزبية الضيقة، والانطلاق باتجاه المقاومة الواحدة، والبندقية الواحدة.. ولنجعل مقاومتنا مستمرة، لا توقفها جرائم الاحتلال ولا والمستوطنون القتلة في حوارة الباسلة”.
إذاً هي معادلة الوحدة الميدانية التي فرضتها ظروف المعركة في الضفة، والتي اختلطت فيها دماء الفلسطينيين على مختلف توجهاتهم من فصائل، وحتى أفراد من الأجهزة الأمنية المتمردة على القرار السياسي للسلطة، إلى الشباب المتحمس، فكانت الترجمة العملية لتلك الدعوة التي تلقفتها الجهاد الإسلامي، وترجمتها عبر كتائبها بالتنسيق والتعاون مع مختلف الأطر التي تقاوم الاحتلال، وهي كما يبدو، البديل الذي يقتنع به الشباب رغم ضراوة المعركة، وهي دعوة مفتوحة لعموم الشعب الفلسطيني: “أيها الشجعان، يا أبناء شعبنا العظيم، لا تترددوا أبدا في القتال، إن الحياة تحت الاحتلال هي الموت الحقيقي، وإن الشهادة في ميدان القتال هي الحياة”.