عشرون عاما على الغزو الامبريالي للعراق ، بقلم : سعيد مضيه
“ما يجافي العقل بصورة مطلقة تماما ان من ساعدوا على غزو العراق من خلال إشاعة مناخ من الإرهاب يعم العالم بأسره ما زالوا خارج السجن، بل ترقوا واحتفي بهم على اكثر المنابر نفوذا في عالم الغرب… هذه حضارتنا” ، تقول كيثلين جونسون في مقالة لها نشرت يوم 18 مأرس / آذار الجاري، وفيما يلي ترجمتها:
اثنان من المحافظين الجدد ساعدا في تشحيم عجلات غزو العراق، هما ديفيد فروم وماكس بوت، يحملان بعض الأفكار يودان مشاركتنا بها ونحن نقترب من الذكرى العشرين (يوم الأحد) لتلك الحرب المرعبة التي لا يمكن التسامح معها. كلا وجهتي النظر يمكن قراءتهما على ميديا التيار الرئيس واسعة الانتشار ، لان كل واحد كان مسئولا عن إشعال تلك الحرب حظي بنفوذ التيار الرئيس مع التقدير حتى يومنا هذا.
الرجلان يقرّان بأسلوبيهما ان الحرب كانت غلطة ، بينما في ذات الوقت يشيدان بالحرب الدائرة بالوكالة في أكرانيا، تلك التي قربت العالم الى أرماجدون نووية أكثر مما جرى في أي زمن منذ ازمة صواريخ كوبا . كلا الرجلين يخلطان توقعات حرب العراق مع تبرير الحرب ، والمراجعة التاريخية والأكاذيب الصارخة. يتوجب على كل من الرجلين إغلاق الفم ، عن كل شيء، والى الأبد.
مقالة فروم منشورة في “ذا أتلانتيك” حيث يعمل كبير المحررين، وعنوانها ” إعادة النظر في حرب العراق”. فروم اشتهر بكتابة خطاب جورج بوش ” محور الشر”، الذي دشن بداية فترة غير مسبوقة من التوسع العسكري الأميركي و” التدخلات الإنسانية ” في دول هامة من الناحية الجيواستراتيجية إثر تفجيرات 11 أيلول..
في الجملة الثانية من مقالته يفتتح فروم بحشد من الأكاذيب، إذ يقول “ترسانة من قذائف الحرب الكيماوية والرؤوس الحربية” كانت قد اكتشفت بالعراق ، ما يشير الى ان البراهين الداعمة لرواية أسلحة الإبادة بالجملة حقيقية لحد ما على أقل تقدير. وكما فسر جون شوارتز في مجلة إنترسيبت عام 2015، فالأسلحة الكيماوية الوحيدة بالعراق إما انها (أ) ذخيرة وضعها مفتشو الأمم المتحدة في تسعينات القرن الماضي في أنفاق تحت الأرض في مجمع أسلحة عراقي وتركت هناك حيث ا خطورتها بالغة لدرجة عدم إمكان تحريكها، و (ب) ذخائر قديمة فُقِدت ونسي امرها بعد الحرب العرقية – الإيرانية. وفي كلا الحالتين ليس صحيحا ان صدام حسين خبأ أسلحة الإبادة بالجملة .
يزعم فروم أن ” الولايات المتحدة ذهبت الى الحرب لبناء الديمقراطية في العراق”، وهي من قصص الخرافات لا يصدقها سوى الأطفال والبلهاء. تم غزو العراق لأنه بلد غني بالنفط في منطقة هامة من الناحية الجيواستراتيجية، رئيسها لم يقدم ما يكفي لخدمة مصالح الطاقة الأميركية. ربما لم يخدم تلك المصالح لانه توجه نحو إعادة تطبيع العلاقة مع إيران.
بصورة تدعو للضحك يزعم فروم أن ” ماعملته الولايات المتحدة بالعراق ليس من أعمال العدوان غير المستفَز”، ويظهر انه لم يعلم إطلاقا بشيء بانتقاد إدارة أوباما لكونها لم تغز سوريا لتعزيز “خطوطها الحمر المعلنة ” حول مزاعم الأسلحة الكيماوية.
بدأ فروم مقالته بالقول ان الحرب” غلطة مكلفة وخطيرة”، لكنه مع نهاية المقالة تراجع كليا، حيث أطنب في الحديث عن التحسن الكبير للأوضاع بالعراق. يقول ، ” ان داعش قد دمرت بالعراق وتضاءلت الى مجرد موضع قدم في سوريا ” و” ان الإرهاب الجهادي قد انحسر في أرجاء الشرق الأوسط العربي”، وان ” الاستقرار” الناشئ قد “عاد بفوائد اقتصادية”على العراقيين ، مثل تعظيم صادرات النفط.
يروج فروم الزعم الفانتازي غير القابل للتكذيب بأن الأمور ستسوء بالنسبة للعراقيين لو أن الولايات المتحدة لم تقم بغزو العراق، ويقول” يبدو مشكوكا في نظري أن يكون للعراق مستقبل بديل يمكن ان يكون أفضل بكثير للبلاد وشعبها “. [ شيء واحد ، مئات آلاف العراقيين ما زالوا على قيد الحياة.]
يكتب فروم،” لأول مرة منذ استقلال البلاد بات الحكم في العراق ، بفضل التدخل الأميركي، نظاما سياسيا مسئولا لحد ما امام شعبه”. وينهي فروم بفقرة تواصل النمط الطويل المتواصل لمجلة “اتلانتيك” والمعروف بالدفع السريع بمقالات تهيب بالتفكير [ قد تتعلق بمادة تاريخية ] توظف الحرب الأكرانية لإعادة تأهيل صورة المحافظين الجدد:
” إن غزو العراق قد اهاب بشعوب ديمقراطيات الغرب للعودة لأنفسهم؛ تحين ازمنة يتوجب على الشعوب الحرة الكفاح دفاعا عن النفس؛ الحقيقة يجب ان لاتضيع؛ وكذلك أي دروس نستخلصها من حرب العراق. وربما لم تفوت الفرصة بعد لإشراك شعب العراق بالحرية. كسبوا الفرصة، وحكايتهم لم تنته بعد”.
ماكس بوت عنون مقلته “ما هو الخطأ الذي اقترفه المحافظون الجدد” ونشر في مجلة “فورين أفيرز” . كان بوت أحد المتنفذين ممن طرحوا غزو العراق، سطّر مقالة تبدو الآن بشعة، لصالح المحافظين الجدد، نشرت بعد شهر من تفجيرات 11 أيلول، بمجلة ” ويكلي ستاندرد”عنوانها “القضية من أجل امبراطورية أميركية”. وبعد شهر من التفجيرات كرس بوت مقالاته طوال العام 2001 للدعوة “لغزو العراق واحتلاله، متنبئا بنصر سريع وسهل،حيث يقول ،” حالما نطيح بصدام نستطيع فرض وصاية دولية في بغداد تقودها الولايات المتحدة، تنسجم مع الوصاية المفروضة في كابول”.
واليوم مشاعر بوت عن العراق اكثر أسيّة من مشاعر فروم، يستنكر بدون تحفظ الحرب وفكرة نشر الديمقراطية من خلال القوة المسلحة؛ لكنه يكثر من هراء الدعوة للحرب في مقالته بفورين أفيرز.
بلا أدنى إثبات يعلن بوت، ” جنوب كوريا وجنوب فييتنام كانتا جديرتين بالدفاع عنهما من عدوان شيوعي ، لكن الكوريين أظهروا براعة ورغبة في الدفاع عن حريتهم ، لم تتوفر لدى الفييتناميين الجنوبيين” .
غير أن بوت يعلن ،” انني لم أعد من المحافظين الجدد: وذلك قبل ان يوضح انه ببساطة تأرجح من دعم حروب الجمهوريين الى دعم حروب الديمقراطيين ، مثل الحرب بالوكالة في أكرانيا . يقول بوت:” اكرانيا بسهولة تصمد للاختبار”للتدخل الأميركي المبرر، ويطلق على الرئيس الأكرني زيلينسكي لقب” الشخصية التشرشلية [نسبة الى الزعيم البريطلني، وينستون تشرشل، كان رئيس الحكومة وشارك بقية الحلفاء ضد المحور النازي في الحرب العالمية الثانية] الجدير بالدعم الحازم من جانب الولايات المتحدة” .
رغم تنديده بالمحافظين الجد د فقد أبقي بوت على دعمه الصقري فوق العادة لنفس الحرب بالوكالة التي التف حولها في السنة الماضية حواريو إدارة جور ج بوش من المحافظين الجدد. في تعليقاته المنتظمة بصحيفة واشنطون بوست ظل بوت احد أعلى الأصوات التي تدفع الولايات المتحدة لتدفق الأسلحة الفتاكة في أكرانيا، حتى انه توجه مع وزير الدفاع الأميركي، للويد أوستن، في رحلة كي يكتب بروباغاندا للحرب حول الحاجة لأن يرسل الحلفاء المزيد من الدبابات الى هناك.
(حيث اننا بالموضوع إياه، لماذا تحتاج الواشنطون بوست نشر تعليقات منتظمة لكل من ماكس بوت، حون بولتون، جينيفير روبن وجوش روغن ؟ جميعهم محافظون جدد دعاة حرب ؛ أعتقد انه حتى المحافظون الجدد يوافقون على وجود العدد الكبير جدا من المحافظين الجدد.)
غير ان ما هو الأعظم اهمية من الكلمات المحددة التي نشرها كل من ديفيد فروم وماكس بوت هي حقيقة ان مقالاتهم تجد النشر. مما يجافي العقل إطلاقا ان أولئك الذين ساعدوا على غزو العراق من خلال شن موجة من الإرهاب يعم العالم بأسره ما زالوا خارج السجن، بل ترقوا واحتفي بهم على اكثر المنابر نفوذا في عالم الغرب. كان يجب لهؤلاء النزويين ان لا يستطيعوا الوصول الى وظيفة اكثر نفوذا من العمل خلف صندوق حسابات؛ وكان يتوجب ان يكون وصولهم الى تلك الوظيفة أصعب مما يتوفر لمجرمين مدانين . بالتأكيد كان من الواجب ان لا يمنحوا منبرا يروجون نفس الجرائم التي ساعدوا في إحداثها.
غيران هذه هي الحضارة التي نجد ذواتنا داخلها؛ فالامبراطورية ترفع اولئك الذين يخدمون الامبراطورية ، وتهمش من يعارضونها. ديفيد فروم وماكس بوت احتلوا وسط احتفالات تعظيم مكانة المفكرين ليس رغم أفعالهم الشريرة السابقة، انما بالضبط بسبب تلك الأفعال الشريرة. أثبتوا انفسهم خدما موثوقين للامبراطورية، وبناء عليه كافأتهم الامبراطورية.
في مجتمع سليم لن تتشكل هذه الحالة؛ في مجتمع سليم تقابل تلك المخلوقات بمثل القرف والرفض اللذين يقابل بهما مغتصبو الأطفال.هؤلاء أسوأ من محترفي القتل ، لانهم قتلوا من البشر ما لم يحلم به القتلة المحترفوا أمثال جيفري دامر أو جون واين غاسي.
نامل ان نفوز ذات يوم بمجتمع استعاد صحته بحيث انه لم يعد مقبولا ان يكون في اوساكنا محافظون جدد.
.