اين فلسطين.. من التطورات المتلاحقة في المنطقة ؟ بقلم : نبيل عمرو
لأن الفلسطيني… صاحب أطول وأعقد قضية ما تزال بلا حل، فهو يمعن النظر في أي تطور دولي وخصوصا الإقليمي، وعلى نحو تلقائي يطرح سؤالا بسيطا.. اين فلسطين مما يحدث؟
ولقد تجدد هذا السؤال فور اعلان بيكين عن استئناف العلاقات الديبلوماسية بين السعودية وايران، ورغم عدم وجود إجابة صريحة ومباشرة حول هذا الامر، الا ان ارتياحا فلسطينيا ظهر منذ اعلان الاتفاق، غذّاه رد الفعل الإسرائيلي الغاضب والساخط، وكثيرون منا يحددون رأيا في الاحداث من خلال معادلة مفادها ما يزعج إسرائيل يرضينا، وما يرضي إسرائيل يزعجنا، وستظل هذه المعادلة البسيطة والعفوية قائمة، ما دام الاحتلال قائما، وما دامت إسرائيل تجوب العالم كله لجعله دائما وان بأشكال متعددة.
ولوضع نقاط فلسطينية على الحروف الصينية السعودية الإيرانية، فهذه قراءتي لما حدث، بعيدا عن المبالغة في البناء عليه، وبعيدا كذلك عن التهوين منه، ومن مدلولاته القريبة والبعيدة.
التفاهم الاولي الذي تم سيواجه تحديا ذاتيا وهو كيف سيتم نقل ما تم الاتفاق عليه بين الدولتين المختلفتين على أمور كثيرة وكبيرة من الورق الى الأرض.؟ وهل الراعي الصيني يملك النفوذ الكافي لرعاية التنفيذ، وضمان مخرجاته المأمولة.. لقد عالجت اطراف التفاهم هذا الامر بأن منحت نفسها شهرين لاختبار النوايا وحسن الالتزام بالمبادىء العامة التي تم التوصل اليها على مستوى النص المكتوب، فهل نرى خلال هذين الشهرين ما هو ابعد من افتتاح سفارات في العاصمتين، وما هو أوسع من ترميم العلاقات الثنائية التي دمرتها سنوات الاختلاف ان لم نقل الصراع..
كذلك فإن بؤرا مشتعلة كان للسعودية وايران حضورا قويا فيها، مثل لبنان واليمن وسورية، فهل نرى انعكاسات التفاهم الأولي بين البلدين، تقدما ولو نسبيا على صعيد البؤر الثلاثة، فلبنان بحاجة الى التقاط الانفاس بعد الإرهاق الفظيع الذي ابتلي به، ولا جدال في ان للدولتين المتفاهمتين نفوذا أساسيا في لبنان، وبوسعهما توجيه رسالة أولية مهدئة، كالتفاهم على انتخاب رئيس للجمهورية بما يمكن ان يكون فاتحة لمسار تهدئة ربما يتحول الى تسوية، انطلاقا من بديهية ان اللبنانيين يقرون بحقيقة ان الحلول مؤقتة كانت ام دائمة فلابد وأن تأتي من الخارج..
وبالنسبة للملف اليمني، فالوضع الان متجمد عند هدنة مريحة لكل الأطراف فهل نرى مقدمات لعمل جدي متفاهم عليه يحول الهدنة الى انهاء فعلي لازمات ذلك البلد العربي ذي الموقع الهام. فاليمن اضحى شبيها للبنان، اذ لابد وان يأتي الحل من خارجه شريطة ان يشجع النافذون الإقليميون والدوليون في تلك الازمة كافة الأطراف المحلية الى التفاهم والذهاب الى الحلول.
اما الملف السوري الذي هو الأكثر الحاحا في امر تسوية تُخرج هذا البلد العربي بالغ الأهمية من جميع النواحي، فللبلدين المتفاهمين بصورة أولية ايران والسعودية نفوذ كبير في امر الحرب والسلام.. فهل نرى مقدمات إيجابية في هذا الاتجاه فلنراقب ما سيجري خلال شهري الاختبار المتبادل ، وما سيليها من شهور ، صحيح ان تقويم الجدوى ينبغي ان لا يكون كما لو ان حلا سحريا لاح في الأفق، ولكن الصحيح اكثر ان ما نتطلع اليه هو بدايات واعدة تقود الى مسارات اكثر موضوعية وإيجابية.
اعود الى سؤال العنوان، اين فلسطين من كل هذا؟؟
فلسطين ان لم تكن موجودة في النصوص ذات السمة التوفيقية والديبلوماسية فهي موجودة بقوة في الواقع، فأهلها الذين يعدون بالملايين داخل وطنهم وفي العالم كله.. يتحملون المسؤولية الأولى في تزويد الاخرين بمسوغات تبنيهم ودعمهم وتحقيق أهدافهم، وحيال التطورات العديدة التي تحمل في ثناياها امكانات موضوعية وحقيقية للإفادة منها على صعيد الإقليم والعالم وحتى على صعيد إسرائيل ذاتها، فالفرص قائمة وتحتاج الى من يحسن التعامل معها ، وقبل ان نخاطب الثلاثي المتفاهم، الصين – ايران – السعودية، فلنخاطب انفسنا أولا وحين نجيب عن الأسئلة المتعلقة بنا فنكون بذلك وفرنا لداعمينا مناخا افضل لمساعدتنا.