جرائم الاحتلال ضد الفلسطينيين بين فكر المقاومة وثقافة الهزيمة ، بقلم : غسان أبو نجم
في ظل الهجمة الفاشية التي يشنها الاحتلال الصهيوني ضد شعبنا الفلسطيني، والتي طالت البشر والشجر والحجر شملت عمليات القتل والاغتيال والمداهمات والاعتقالات وحرق المنازل والمركبات وقطع الطرق ونشر الحواجز العسكرية والتنكيل بالحركة الأسيرة، وما تميزت من تنسيق مسبق بين حكومة الاحتلال الفاشية والجيش وقطعان المستوطنين وقادها وزراء في الحكومة بن غفير وسموتريتش وغيرهم الذين أعلنوا وبكل وضوح، بضرورة ضرب المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية بالدبابات والطائرات.
لقد شهدت الساحة الفلسطينية نهجين في المواجهة مع الاحتلال، ففي حين صعد النهج المقاوم، مقاومته للاحتلال، عبر عمليات نوعية في الضفة والداخل الفلسطيني والتصدي لقطعان المغتصبين، مؤكدًا أنه ورغم ارتفاع كلفة هذا الخيار إلا أنه أقل كلفة، من رفع شعار الهزيمة والخنوع للاحتلال، التي ستودي بالوطن الفلسطيني وتضييع الحق التاريخي به، وأن الثورة مستمرة حتى زوال الاحتلال، رغم ألم الشهادة والتدمير الممنهج للمجتمع الفلسطيني.
ورغم الصعوبات التي تواجهها قوى المقاومة في مواجهة آلة القتل الصهيونية، من حيث الامكانات المادية والبشرية وضعف التسليح والتدريب والملاحقة والاعتقال وصعوبة الحركة والتنقل بين الضفة الفلسطينية وغزة و القدس ، وبين مدن وقرى ومخيمات الضفة للأفراد والمعدات، بالإضافة إلى الإجراءات الأمنية التي تقوم بها السلطة الفلسطينية وظروف العمل السري لقوى المقاومة وضعف التنسيق العسكري الميداني بين الفصائل وتركز البؤر الثورية داخل التجمعات السكانية، والتي ألحقت خسائر فادحة بالأرواح بين المقاتلين والمدنيين لسهولة وصول قوات الاحتلال لهم، رغم كل ذلك تسلح هؤلاء المقاتلون بإرادة النصر وزاد من تصميمهم على المواجهة التفاف الجماهير الفلسطينية الحاضنة الشعبية للثورة وإيمانهم العميق بحتمية الانتصار، رغم حالة الخذلان العربي والعالمي لنضالات هذا الشعب.
قابل هذا النهج المقاوم، نهج اعتاد على ثقافة الهزيمة والانحناء أمام المحتل، وصاغ معه اتفاقات امنية وسياسية وأدخله الاحتلال في دوامة لا تنتهي من المفاوضات العبثية، وحوله لوكيل أمني وريعي للحفاظ على مصالحه وهرع ممثلوه للحوار مع الكيان الصهيوني في العقبة واستجداء التهدئة من الأمريكان، بل وعمدت سلطة دايتون إلى المساهمة في تضييق الخناق على المقاومين والاعتداء على جنازات الشهداء وبرزت أصوات تعزف على أسطوانة الدولة الواحدة، رغم اعترافهم بصعوبة تحقيقها ورفض الاحتلال لها، مما أسهم في اتساع الهوة بين هذه السلطة والجماهير الفلسطينية التي تزداد قناعاتها بأن هذا النهج يقف في صف الاحتلال أكثر مما مضى وضد مصالح شعبنا في التحرر من الاحتلال.
إن الساحة الفلسطينية تعيش حالة مخاض صعب وحاسم، تدفع باتجاه وقف حالة التنازلات المجانية عن الوطن الفلسطيني ووقف الهرولة خلف الأوهام السياسية التي نسجتها قوى الشر العالمي كحل الدولتين، رغم إدراك العالم أجمع بأن ما يقوم به الاحتلال يقوض أي حل سياسي، وأن الهدف الأساسي هو تدمير البنية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية للمجتمع الفلسطيني وإحكام السيطرة على كامل التراب الوطني الفلسطيني وأن كافة الحلول السياسية المطروحة هي لعبة كسب للزمن، للتمدد عبر خطط استيطانية تنهب ما تبقى من الأرض الفلسطينية والقفز إلى التطبيع مع الأنظمة العربية وإعادة تدوير حلول سياسية قديمة جديدة، مثل الوطن البديل والحل الوسطي الإقليمي، وهذا الوهم الذي يراود الكيان الصهيوني، لا يبدده الديموغرافية الفلسطينية فقط، بل التمسك الفعلي بنهج المقاومة والسردية التاريخية، التي تحافظ على بنيته الثقافية وإعادة تأكيد أن الصراع مع الكيان الصهيوني صراع وجود، لأن العربي الجيد بالنسبة للعقيدة الصهيونية هو العربي الميت، وإعادة قراءة التركيبة البنيوية للاحتلال، في ظل التجاذبات بين مكوناته الاجتماعية والسياسية التي طفت إلى السطح وإعادة تحديد معسكر الأعداء والأصدقاء، في ظل التوازنات العالمية الجديدة ونفض الغبار عن برامج سياسية قادت الثورة الفلسطينية لأكثر من سبعين عامًا كان نتيجتها ما نراه الآن.