نسمع كثيراً ونرى دون أن نفهم عن إعدامات ميدانية عشوائية تحدث في غزة بعد كل معركة وأحياناً بدون معركة، ولا نعلم ولا ندري بأي ذنبٍ قتل هؤلاء الاّ أنهم خونة، خيانة الوطن أصبحت عنواناً عريضاً يخفي تحته مشاعر الحقد والإنتقام والثأر والإرهاب الفكري الذي يمارسه رموز السلطة الحاكمة، وربما يغطي على جرائم قتل بدم بارد دون أن يتم التحقيق فيها، ودون أن يحاكم المتهم وتثبت جريمته باعترافه الشخصي دون ممارسة الترهيب والترغيب عليه، أو بالدلائل الثبوتية الدامغة التي لا لبس فيها ولا شك، فيصبح المقتول ضحية بريئة مغدورة، ومن أمر ونفذ حكم الإعدام مجرماً يعيش بين ظهرانينا. وبعد ذلك ليس من حق الناس أن تعلم كيف تمت هذه الخيانة، وليس من حق أهلهم اولاً أن يعلموا ما فعل أبناءهم، وكيف خانوا الوطن، وليس من حق المجتمع الفلسطيني أينما وجد ثانياً أن يعلم لماذا يعدم الفلسطيني وتنشر صورته الى العالم ممثلاً بجثته. فيصبح الإنسان الفلسطيني أمام نظر العالم رخيصاً، وعميلاً وخائناً في عملية جلد للذات الفلسطينية.
لا أحد ينكر وجود ظاهرة العمالة وخيانة الوطن، ولكن على مبدأ “درهم وقاية خير من قنطار علاج” يجب البحث في هذه الظاهرة ودراستها، ويجب أن نعلم الأسباب التي دعت الشخص وجرته الى هذه الجريمة النكراء، وكيف استدرج اليها، وما هي الوسائل التي اتبعت في استدراجه، ولماذا وقع في فخها، لكي نضع لها الحلول الوقائية، ونحد من انتشارها. أو نعمل على إعادة تأهيل هذه الفئة التي انحرفت بالنصح والرشاد لتعود الى الحاضنة الفلسطينية.
نعلم أننا مخترقين، ويسهل فينا الإختراق، لأننا نعيش في بطن الوحش المحتل، وجزءٌ كبير من حياتنا الإقتصادية وحركتنا داخل وطننا مرتبط بالعدو، ويتعرض مجتمعنا الفلسطيني بالداخل الى حصار خانق، ويعاني من الفقر والجوع، ومن ممارسات عدو محتل من شأنها نشر الإنحلال وبث الفرقة والعمل على تعقيد حياة الفلسطيني وصعوبتها، وشأن مجتمعنا كشأن أي مجتمع آخر مع تميزه عن المجتمعات الأخرى بأنه آخر شعب محتل في هذا العالم، فيه من النفوس المريضة والمسببات القاهرة أحياناً لسلوك هذا الطريق الشائك، ولكن علينا أن نتدبر هذا الأمر، ونضع له الحلول بالدراسة والتحليل، لنخرج بنتيجة وبرناج مقاومة لهذه الظاهرة.
من يخون الوطن بأدلة دامغة يستحق الإعدام بعد محاكمته محاكمة عادلة، وبعد ذلك خضوعه لجلسات نفسية إجتماعية بحثية وعلاجية لإعادة تأهيله إن لم تصل خيانته الى حدوث كارثة وطنية، ويجب استنطاقه وفهم وتفهم الأسباب التي جرته لهذا الوحل، وبعد الوصول الى نتيجة مفادها أن لا أمل في إصلاحه يتم إعدامه، ولن يحزن على إعدامه أحد حتى والدته التي ربته.
أين منظمات حقوق الإنسان في غزة من هذه الممارسات الفردية؟!
أين القيادات الراشدة والوطنية في سلطة غزة من هذا الأمر الخطير الذي يظهرنا أمام العالم أننا خونة بالجملة؟!
أين العدالة والمباديء الإسلامية السمحة من هذا الأمر؟!
أين القضاء النزيه والعادل في غزة ليقول كلمته عند سلطان جائر؟!
قضية خطيرة تلك هي الإعدامات الميدانية ما دام لدينا حكومة ووزارة عدل وقضاء وادعائنا بأننا مجتمع متعلم ومثقف ومتحضر ونطالب بالإستقلال في دولة مدنية ديمقراطية يسودها القانون.
إنه الإرهاب الفكري بعينه قبل أن يكون الإرهاب الفعلي بمفهومه. فالإعدام الميداني دون محاكمة ربما كان بدافع الثأر والإنتقام، أو بدافع الرأي السياسي المعارض والذي هو الإرهاب الفكري الذي تمارسه السلطة الحاكمة على المحكومين بإمرتها. فتهمش القضاء العادل، وتفرض رأيها السياسي وأيدلوجيتها بالقوة على مواطنيها، ومن شذ عن رأيها يعتبر خائناً يستحق الإعدام. وتجعل من سلطتها القاضي والمشرع والدفاع عن المتهم والجلاد المنفذ للحكم، فتحتكر السلطات وتتفرد بقراراتها وتلك هي الدكتاتورية بعينها لا بل الفرعونية بشحمها ولحمها.