هل سيناريو الضربة العسكرية لإيران بات قريباً ؟ بقلم : د. أماني القرم
على مدار سنوات وتضخيم الخطر الايراني هو صناعة اسرائيلية بامتياز، وسيناريو التهديد بضرب ايران حاضر بقوة في خطابات نتنياهو المكرّرة أثناء فترات حكمه. ومع انعدام فرص العودة الى الاتفاق النووي الايراني الذي يبدو أنه أصبح في طيّ النسيان ، اجتمعت في الايام الماضية جملة من المؤشرات تجعل هذا السيناريو قابلاً للحدوث في اية لحظة ، من أبرزها:
- التقارير الاعلامية المتلاحقة حول عثور مفتشي وكالة الطاقة الذرية على جزيئات من اليوارنيوم المخصب بنسبة 84% وهي درجة قريبة جدا من التخصيب اللازم لصنع أسلحة نووية (حسب الخبراء باقي 6% لتستطيع ايران انتاج قنبلة نووية) ! هذه التقارير سبقت وصول المدير العام لوكالة الطاقة الذرية “رفايل غروسي” الى طهران للقاء مسئولين ايرانيين من بينهم الرئيس الايراني. بالمناسبة زيارة “غروسي” تم الترتيب لها مسبقا من قبل الطرف الايراني أوائل يناير الماضي. الصدفة العجيبة أنَ إدّعاءات اكتشاف هذه الجزيئات من قبل مفتشي الوكالة الذرية جاء قبل أيام فقط من زيارة غروسي !
- حملة منسّقة ومتصاعدة الحدّة تشنّها اسرائيل وتدعمها امريكا ضد ايران على لسان مسئوليها. من الجانب الاسرائيلي أعلن نتنياهو ” أنّ عملاً عسكرياً ذو مصداقية هو الشيء الوحيد الذي يمنع الدول المارقة من تطوير أسلحة نووية..” كما أفاد مسئول كبير سابق في الموساد بأنّ اسرائيل أمام مرحلة مصيرية في التعامل مع الملف الايراني. من الجانب الامريكي صرح “نيد برايس” السفير الامريكي في اسرائيل أن “إدارة بايدن لا تمانع اية تحركات اسرائيلية عسكرية ضد ايران.. ينبغي لإسرائيل أن تفعل كل ما تحتاجه للتعامل مع ايران.. ونحن نساندهم”، في حين أن أنطوني بلينكن لم ينف أو يتراجع عن تصريحات سفيره بل بالعكس دعمها. إضافة الى التصريح اللافت لمساعد وزير الدفاع الامريكي “كولين كال” امام مجلس النواب أن بإمكان ايران انتاج قنبلة نووية في غضون 12 يوما !! الغريب أن “كال” هو من انصار إعادة احياء الاتفاق النووي كوسيلة للجم المساعي الايرانية للحصول على تقنية صنع القنبلة النووية ، ولذا فهو أعقب كلامه في مجلس النواب ان بإمكان الحل الدبلوماسي والعودة الى الاتفاق النووي ان يوقف هذه المسألة . لكن التقارير الاعلامية ركزت على الشقّ الاول فقط من تصريحات كال! هذ التصريحات تزامنت في اعقاب الاعلان عن مساعي ايرانية للحصول على أنظمة الدفاع الجوي الروسية المتطورة (اس 400)، على الرغم من أن هذه الأنظمة تحتاج الى عامين على الاقل لبدء تشغيلها.
- حركة امنية واستخباراتية نوعية ومكّوكية بين مسئولين امريكان واسرائيليين رفيعي المستوى، كان آخرها زيارة غير معلنة لرئيس هيئة الاركان الأمريكية المشتركة “مارك ميلي” للقاء رئيس الاركان الاسرائيلي، من المقرر أن تعقبها في الاسبوع المقبل زيارة لوفد أمني اسرائيلي الى واشنطن، ثم زيارة لوزير الدفاع الامريكي الى اسرائيل. وذلك بالتزامن مع حركة دبلوماسية اسرائيلية وأمريكية نشطة للبلدان المحيطة بالدولة الايرانية. أرست اسرائيل أقرب نقطة رسمية لها تبعد عن ايران 12 ميلا فقط بافتتاحها سفارة دائمة (بعد سنوات من المقر المؤقت) في تركمانستان ذات الحدود الطويلة مع الجمهورية الاسلامية.
- في يناير الماضي اجرت الولايات المتحدة واسرائيل اكبر مناورات عسكرية على الاطلاق في تاريخ البلدين. وهناك معلومات تتحدث عن وضع البنتاجون لخطة طوارئ محتملة للحرب ضد ايران بعنوان “دعم الحارس” في الاعوام 2018 و2019 ولم يجب الناطق باسم القيادة المركزية الامريكية على سؤال ما إذا كان تمويل الخطة مستمراً.
كل المؤشرات السابقة يمكن أن تتجه مباشرة الى شن ضربة عسكرية اسرائيلية امريكية ضد أهداف محددة في ايران. لكن بناء على الخبرة التاريخية في تعاطي اسرائيل مع الدولة الايرانية ومدى استعداد الولايات المتحدة لتحمل تبعات ضربة عسكرية لايران، اعتقد ان اسرائيل المراوغة لا تحتاج الى اعلان حرب على طهران لأنها بالفعل بدأتها منذ عدة سنوات. فإيران التي تعاني من اضطرابات واسعة واقتصاد مهترئ تشهد اختراقات أمنية مريبة في الداخل وتتعرض لضربات اسرائيلية متتالية منتقاه بطائرات مسيرة وهجمات سيبرانية لنقاط حساسة ومصانع ذخيرة ومجمعات عسكرية منذ ثلاثة أعوام . فقد تم استهداف احد مصانع الذخيرة بإيران بطائرات مسيرة اسرائيلية سبقها هجوم مماثل ضد مجمع عسكري ومحطة للكهرباء ومنشأة لصنع الصواريخ ومركز طبي في طهران في الاعوام 2020، و2021 و2022 . اسرائيل تريد أن تستمر في التهديد بإعلان حرب لأنه اقل كلفة وأخف ضرراً ، فبالنسبة لها ما الحاجة الى جعجعة الضربة العسكرية المعلنة واستفزاز الكبرياء الايراني وعودة لالتفاف الشعب الايراني حول حكومته وربما تعرض الطيارين الاسرائيليين للأسر مادامت الطائرات المسيرة والاغتيالات والاختراقات الامنية تفي بالغرض؟؟