مجزرةٌ تنزفُ في فؤادِ البلدِ العتيق ، بقلم : مريم سميح سويطي
في وضح النهار ، رائحةُ الدم تتدفقُ في كل مكان ، اجتياحٌ وحصار ، و مروحيات تحوم في السماء ، مسنٌّ مضرج بدمائه في أزقة الحواري , وأزيز الرصاص يصدح إلى كل المسامع ، لتكون مدينة نابلس مسرحاً لجريمة جديدة يقترفها السفاحين الصهاينة برصاصاتِ غدرهم وقذائف حقدهم ، ١1 شهيداً ومئات الاصابات ، عجزت الكلمات والحروف الأبجدية عن وصف المشهد توشحت المدينة بالسواد ، ممرضٌ يحاول انعاش شهيد فتعتليه الدهشة والجمود ليفجعَ بأن ذلك الشهيد هو والده يصرخ بأعلى صوته مُنادياً ” أبي أبي” ، الطواقم الطبية في حالةِ تخبطٍ وارباك، أمهاتُ الشهداء تذرفُ الدمعات حزناً على فراق فلذات اكبادهم , وفخراً بنيلهم الشهادة في سبيل الله والدفاع عن الوطن , فقد أضاءوا بدمائهم قنديل الحرية , وعلم فلسطين يرفرف والتكبيرات والهتافات تملأ الأرجاء , شاشات التلفاز تنقل الأنباء وتعرض صور الشهداء .
أبطال اقتنصوا الشهادة من فوهة البنادق .
داخل اروقة منزلٍ قديم يتحصنُ المقاومون ( حسام إسليم , ومحمد الجنيدي ) يقاتلون ببسالةٍ وشجاعة بين زخات الرصاص ويشتبكون مع العدو حتى الرمق الأخير, والصواريخ تنهمر عليهم كالمطر من الغيوم البليدة يحمون بأجسادههم وسواعدهم المدينة كي لا تكون لقمة سائغة للسفاحين الصهاينة , رافضين الخضوع والتسليم مستمرون في الاشتباك .
” يا أخوي.. تأكد أن ابن السرايا ما هرب وبضل زلمة، ولساته محاصر وما رح يسلّم حاله ” أخر ما تفوه به الشهيد محمد الجنيدي كلماتٌ تحاكي الموقف الذي عايشه خلال مجابهتهِ العدو ، شابٌ في مقتبل العمر استطاع أن يسطر اسمه بين أمجاد التاريخ ،
صلباً وحازماً ، متمرداً ، ثابتاً على مبادئه ، كرس جلّ حياته في الدفاع عن الوطن ، عنواناً لإمداد المقاتلين بالذخيرة والسلاح ، واستطاع تأسيس مجموعات مسلحة لمقاومة المحتل ” سرايا القدس ، كتيبة نابلس ، عرينُ الأسود ) استطاع أن يوقف الكيان الهش على قدمٍ واحدة وبندقيته الشريفة وضحت مدى هشاشة العدو , فأرعب الصهاينة ووضعوه المطلوب الأول في قائمتهم , لأن سلاحه , واجهة ترسانة الصهاينة العسكرية , وهز خططهم الأمنية .
المُساومة على الألم
12 رصاصة استقرت في جسده أصيب محمد بجراحٍ خطيرة خلال محاولة اغتياله من قبل قوات الاحتلال ، تكسرت جمجمة رأسه واستبدلها الأطباء بطاقيةٍ طبية ، انتزع الحياة من رحم الموت ، وعاد إلى طريق النضال محملاً بالجراح وجسدٍ مثخن بالآلام استمرت الأجهزة الأمنية الفلسطينية في مطاردته في محاولاتٍ غير مجدية في سبيل إضعاف نضاله صادروا سلاحه واعتقلوا شقيقهِ .
في الوقت الذي يفترض أن يكون الطب مهنة الإنسانية الأولى هناك من استباحوا حياة محمد ” العلاج مقابل التسليم ” فلم يتقن الطبيب المؤتمن على الأرواح عمله ، ولم يلتزم بيمينٍ عقده مع الله ( سبحانه وتعالى ) رفض محمد الخضوع استمر بالوقوف في وجه العدو وظلمه ، ليرحل برفقة صديقه ” حسام إسليم ” ليصنعوا من أجسادهم جسراً يعبروا به نحو العلياء ويحفروا أسماءهم على جدار الزمن ومساكن الذاكرة …. فما أجملُ حياة الثوارّ عندما تصبحُ قصصاً تروىّ .