شفا – أبدى الدكتور محمد البرادعي عدم استبعاده نزول الجيش مرة أخرى للشارع لممارسة مسؤوليته في منع الفوضى التي يشهدها الشارع المصري في أعقاب إعلان الرئيس محمد مرسي الإعلان الدستوري الجديد الذي يعزز صلاحياته في حكم البلاد.
وأضاف هناك تقريباً شبه حرب شوارع، هناك غضب من جانب الشباب وإصرار على الاعتصام في الميادين، بصراحة لن أكون مندهشاً إذا نزل الجيش حينئذ ليمارس مسؤوليته في منع الفوضى وحماية الوطن، رغم أن ذلك يفتح تداعيات لا يعلم أحد إلى أي مصير تقودنا’.
وتوقع البرادعي كسياسي أنه في حال تطورت الأمور واستمر هذا الاستقطاب بين الطرفين في الشارع وفي الجمعية التأسيسية، واذا استمر الجوع فإن كل هذا سيشعل البلد، وعندما ينزل الجيش الشارع في هذه الظروف سينزل لخدمة وطنية وقد ينزل لأغراض أخرى، من بينها العودة إلى السلطة، ولا أستبعد هذا، وفي حالة نزول الجيش لحفظ الأمن، سيعود حتماً للسلطة، وستكون لديه إجراءات مختلفة، ولن يقول إنه بعد يومين سيترك البلد لنا ثانية، إذا نزل الجيش في ظروف قاسية فإنه سيبقى.
فرعون مصر الجديد
وأعرب البرادعي عن تفاجئه الشديد بالإعلان الدستوري قائلاً ‘نعم فوجئت، خاصة أنني التقيت الرئيس محمد مرسي قبلها بأسبوع، ولم تكن هناك أي إشارة للإعلان الذي أعطاه سلطات ديكتاتورية مطلقة، وهو لم يستشرني أنا وحمدين صباحي وعبدالمنعم أبوالفتوح وعمرو موسى في لقاءاته الأخيرة معنا، والحقيقة أنني صدمت لأن أجد شخصاً يعتقد أنه يختزل الدولة في شخصه، وهذا أمر لم نره في أي مرحلة ولم يحدث حتى في أيام مبارك، لذا أطلقت عليه ‘فرعون مصر الجديد’.
وأضاف: ‘اتجه تفكيري فوراً إلى ضرورة أن يتكاتف الجميع من أجل إنقاذ الوطن، ووجدت أننا في محنة جديدة لا تقل عما كان قبل ثورة يناير، فالرئيس معه السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، ثم جاء ليحصن قراراته وقوانينه من الطعن عليها أمام القضاء، ووجدت أننا نسقط في براثن ديكتاتورية أشد من تلك التي تخلصنا منها، وبينما كنا نتوق إلى الحرية والعدالة، نرى الآن نفس ديكتاتورية نظام مبارك البائس لكن بنكهة تتمسح في الدين’.
وأشار إلى أنه ‘بمجرد إذاعة البيان.. انهالت عليّ الاتصالات من زملاء وأصدقاء وشخصيات عامة ورموز وطنية، والكل مهتم بالشأن العام، والكل يدعو لأن نقف معاً وأن ننسى خلافاتنا ونوحد صفوفنا، لأننا في معركة مصير لثورة يناير وبقاء للبلاد، وفعلاً.. بعد المحادثات التليفونية التقينا مساء نفس اليوم بمقر حزب الوفد، وكان هناك نحو ٧٠ شخصية تمت دعوتهم للاجتماع، وكان الغضب عارماً لأن هناك كارثة حلت بالبلاد، ولم يختلف أحد منا على البيان الذي صدر عن الاجتماع، ثم التقينا بعد ذلك عدة مرات، وأجمعنا على أنه لا مجال لأي حوار مع الرئيس إلا بعد أن يسحب إعلانه وبعد إسقاط الجمعية التأسيسية للدستور، ولا مساومة إطلاقاً على هذا، لأنها مبادئ تتعلق بمعتقدات وقيم أي إنسان حر، واتفقنا على أنه إذا لم يحدث ذلك سنلجأ إلى كل الوسائل السلمية بما فيها العصيان المدني.
مليونية إخوانية ووطنية
وحول الدعوة لمليونية إخوانية في ميدان عابدين غداً، على مقربة من مليونية القوى الوطنية في ميدان التحرير في نفس الوقت، قال ‘هذا الانقسام في رأيي لا يصب في مصلحة مصر، ويذكرني بأيام مبارك حين كان رجاله يحشدون لمظاهرات بميدان مصطفى محمود في مواجهة مليونيات التحرير، وكذلك أيام حكم العسكر حين كانوا يحشدون أمام المنصة في مواجهة التحرير. إن الانقسام يزداد عمقاً في غياب اتفاق على دستور، ويرجع إلى أننا مختلفون حول رؤيتنا لمستقبل مصر، وإلى عدم تحديد هل نريد أن نكون نظاماً ديمقراطياً أم ديكتاتورياً، والذي يحز في النفس أننا تصورنا بعد الثورة وانتخاب الرئيس أننا تخلصنا من الاستبداد والديكتاتورية، لكننا نجد أنفسنا الآن وكأن نظاماً لم يسقط وكأن ثورة لم تقم’.
وأضاف أنه لم يتلق أي اتصال هاتفي من الرئيس مرسي عقب الأزمة، مشيرا إلى أنه لا حلول وسط في المبادئ، ‘إننا أمام رئيس يفرض علينا نظاماً ديكتاتورياً مستبداً، فإذا ألغى الإعلان يمكن أن نجلس للبحث عن توافق، لأننا في النهاية لابد أن نعيش معاً’.
وأشار البرادعي إلى أن القوى الوطنية ستصر على موقفنا مهما مضى الزمن وبلغت التضحيات، ولو طرح الدستور الذي سيحال إليه من الجمعية التأسيسية بتشكيلها الراهن للاستفتاء سنستمر في نضالنا، لأن هذه الجمعية لا تمثل غالبية الشعب، وبالتالي لن يكون للدستور الذي ستضعه شرعية، سنقول للناس إن الاستفتاء غير مشروع، وسنعمل على إسقاط الدستور لو صدر، وأؤكد أنه إذا أصر الرئيس على دستور ليس صادراً من جمعية تأسيسية تمثل أغلبية الشعب، سيفقد النظام شرعيته’.
وحول رأيه فيما يتناقله البعض عن مباركة أمريكية لقرارات مرسي قال ‘للأسف هناك كثيرون يرون أن الولايات المتحدة أعطت ضوءاً أخضر، أنا لا أؤمن بنظرية المؤامرة، واعتقادي أن العالم الذي يؤمن بالديمقراطية سيبدأ في إدانة هذا الوضع الذي أعاد مصر إلى عصر الديكتاتورية.
وقد أدانت مفوضة حقوق الإنسان إعلان الرئيس، كما طالبت مفوضة الاتحاد الأوروبي بعودة الديمقراطية في مصر، غير أن الولايات المتحدة اكتفت عن طريق تصريح صادر من وزارة خارجيتها بالإعراب عن القلق، الأمر يتعدى القلق، وهناك تساؤلات: هل هذا التصريح الضعيف جاء نتيجة لاتفاق التهدئة في غزة، إن أي دور إقليمي للسياسة الخارجية المصرية يجب ألا يكون على حساب الشعب المصري كما كان يحدث في عصر مبارك، إننا نعيش في عالم مترابط، وحق الإنسان في الحرية والحياة والديمقراطية ليس مسألة داخلية، إنما هو شأن إنساني عالمي ينبغي الدفاع عنه’.
الوضع الحالي في مصر
وحول قراءته للوضع الحالي في مصر قال ‘- لدينا الآن ٤ قنابل موقوتة، الأولى هي الاقتصاد، وأقصد بالاقتصاد هنا الأكل والشرب والصحة والتعليم وغيرها من شؤون المواطن، والثانية هي الأمن، الذي مازال غائباً، فحتى الآن يضرب الناس بالخرطوش والرصاص، جابر صلاح شاب عنده ١٨ سنة مات إكلينيكياً بإصابة في شارع محمد محمود، أهله المساكين يتوقعون أن يفارقهم خلال ساعات، لم يحدث أي تغيير في عقيدة الشرطة، منذ ٦ أشهر كانت إنكلترا تحترق، وواجه الأمن المتظاهرين ولم يحدث أن مات أحد في المواجهة، هناك أساليب حديثة لمواجهة المتظاهرين حتى عندما يلجأون للعنف.
وبين أنه ‘دون الأمن لن يكون هناك اقتصاد، لابد من وجود رؤية سياسية واستقرار، لأن أي مستثمر أجنبي سيخشى من وضع أي مليم في مصر، وكذلك المستثمر المصري، وأعرف أن هناك كثيراً من الأموال المصرية تخرج من البلد الآن رغم القيود الموضوعة على عمليات التحويل للخارج، ولكنها تخرج بوسائل عديدة، والآن لا يوجد لدينا استثمار داخلي أو خارجي، والقنبلة الثالثة هي الدستور والتأسيسية التي تقوم بإعداده الآن، أما الرابعة فهي سيناء التي تحوي مجموعات نطلق عليها تجميلاً ‘الجهادية’ وهي موجودة منذ النظام السابق، وأسباب ظهورها عبارة عن خلطة من المعاملة الأمنية الفظة، وهذا أقل ما يقال عنها، لقبائل سيناء، والواقع أن هذه لم تكن فقط معاملة النظام السابق لأهالي سيناء بل كانت لكل من يمكن أن نطلق عليهم ‘الفئات المختلفة’.
وأضاف ‘نفس الأمر يحدث مع أهالي النوبة، وتلك كانت المعاملة السائدة، وتضمنت تلك الخلطة أيضاً أن كل من عاد من أفغانستان واليمن من تلك الجماعات ذهب إلى سيناء، بالإضافة إلى الذين خرجوا من السجون، كل هؤلاء تجمعوا في سيناء وأطلقوا على أنفسهم الجهاديين، والتعامل مع هذه القنبلة الموقوتة لا يصح أن يكون أمنياً فقط، لأن الجزء الأكبر فيها سياسي، لابد أن يشعر أهالي سيناء – وقد تحدثت مع عدد كبير منهم – بالأمان، لأنهم دائماً يقولون إن سيناء تضيع، وهناك تشابك بين هذا الملف وبين غزة، لأن الأنفاق بين سيناء والقطاع مازالت موجودة، هل الأسلوب الأمثل لحل مشاكل أهل غزة أن تستمر الأنفاق التي تمثل تجارة رابحة جداً بالدولار، هل نساعد غزة أم نساعد تجارة غير مشروعة، لماذا لا يتم إنشاء منطقة للتجارة الحرة على الحدود مع غزة، يشترون منها ما يريدون ثم يعودون إلى القطاع، هذه ٤ ملفات متشابكة وقابلة للانفجار في وجوهنا’.