لماذا يستمر الغرب في التجارة مع روسيا رغم العقوبات ، بقلم : مشعل يسار
على الرغم من كل العقوبات، بلغ فائض التجارة الخارجية لروسيا في الفترة من يناير إلى نوفمبر 2022، بحسب التقييم الأولي للبنك المركزي الروسي، ما قيمته 269.8 مليار دولار، وفي عام 2021 كان أقل مرتين تقريبًا لنفس الفترة. أي أن البضائع يتم تصديرها من روسيا أكثر بكثير من استيرادها.
ومن المفارقات أن الصادرات تنمو ليس فقط بسبب زيادة التعاون مع الدول الصديقة لروسيا. فهم يعلنون الحظر تلو الحظر والعقوبات تلو العقوبات ويواصلون في خلال ذلك الشراء دون كبير دعاية، وليس فقط النفط والغاز.
وبينما كانت روسيا بأكملها تستريح خلال عطلة رأس السنة الجديدة، كان عمال الرصيف في محطات الحبوب في موانئ نوفوروسيسك وروستوف على الدون وآزوف يعملون بجد. وبحسب اتحاد الحبوب الروسي، تم شحن 963 ألف طن من القمح في الفترة من 1 كانون الثاني (يناير) إلى 8 كانون الثاني (يناير)، أي ضعف ما كانت عليه في نفس الفترة من عام 2022. وزادت شحنات الذرة بنسبة 27٪ وبلغت 44.5 ألف طن. المشترون هم من مصر وتركيا وباكستان … لكن دول الاتحاد الأوروبي، على الرغم من كل الخلافات، لم تتخل عن الحبوب الروسية – فأبقت وارداتها عمليا على نفس المستوى السابق.
زعيمتهم في شراء الحبوب بلا منازع لاتفيا اشترت 175.8 ألف طن من الحبوب من روسيا “المعادية”، واحتلت إسبانيا المركز الثاني بمؤشر 169.8 ألف طن، واليونان احتلت المركز الثالث بـشرائها 149 ألف طن.
بمعزل عن تصوير قدرته على “عزل موسكو عن الأسواق”، اضطر الغرب إلى النزول إلى الأرض – فالأرض بحاجة إلى الأسمدة الروسية. ونتيجة ذلك كانت، وفقًا لمكتب الإحصاء الأمريكي، أن اشترى الأمريكيون أسمدة من روسيا في الفترة من يناير إلى أكتوبر 2022، بـ 1.36 مليار دولار، وهذا بالفعل أكثر من مشترياتها عام 2021 بأكمله (بقيمة 1.28 مليار دولار). علاوة على ذلك، جدول التسليم آخذ في الارتفاع: ففي أكتوبر 2022، استوردت الولايات المتحدة أسمدة من الاتحاد الروسي بمقابل 183 مليون دولار، وهو ما يزيد بنسبة 10٪ عن مشترياتها في سبتمبر، وبنسبة 28٪ أكثر مما في أكتوبر 2021.
الأوروبيون متخلفون عن الركب. ففي الأشهر التسعة الأولى من عام 2022، قاموا بشراء 2.987 مليون طناً من الأسمدة الروسية، وهو ما يقل بنسبة 18.5٪ عن مشترياتهم في نفس الفترة من العام الماضي. ومع ذلك، فإن دينامية الواردات بليغة. في آذار (مارس) – نيسان (أبريل)، تراجعت الأحجام، ووصلت إلى القاع في أيار (مايو) – إذ تم شراء 109.1 آلاف طن فقط. لكن المثال الأمريكي، على ما يبدو، دفع مزارعي دول إلناتو لتغيير موقفهم، وابتداءً من حزيران (يونيو)، استورد الاتحاد الأوروبي الأسمدة الروسية بوتيرة أسرع. على سبيل المثال، في أغسطس، تم شراء 330.3 ألف طن، بينما في نفس الشهر من عام 2021 كانت المشتريات 202 ألفي طن فقط. في المجموع، في الأشهر التسعة الأولى من عام 2022، اشترت رومانيا معظم أسمدتها من روسيا (352 ألف طن)، واشترت فرنسا 337.1 طناً وبولندا 269.9 طناً,
وتوفر روسيا 25٪ من احتياجات واشنطن من اليورانيوم المخصب، ومن المستحيل ببساطة استبدال مورّد كهذا. ففي أكتوبر 2022 وحده، اشترى مشغلو المحطات الكهرذرية في الولايات المتحدة وقوداَ نووياً من روسيا بقيمة 184.7 مليون دولار، وهو أعلى رقم منذ نوفمبر 2016. بالإضافة إلى ذلك، هناك عامل آخر يربط بشكل وثيق صناعة الطاقة النووية الأمريكية بروسيا – يقوم الأمريكيون بتطوير مفاعلات من الجيل الجديد تعمل على اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 20٪ (الآن في حدود 5٪)، والشركة التابعة لشركة “روس آتوم” Rosatom، شركة تكسناب إكسبورت Techsnabexport، هي المورّد الوحيد لهذا الوقود في العالم.
ولا تزال روسيا تغطي ثلث حاجة الصناعة الأمريكية إلى البالاديوم. فقد بلغ إجمالي التسليمات في الفترة من يناير إلى أكتوبر 2022 أكثر من مليار دولار.وفي عام 2021، كانت صادرات روسيا من هذا المعدن النادر عند مستوى 1.6 مليار دولار. بالإضافة إلى ذلك، لم تتوقف الولايات المتحدة عن شراء البلاتين (في أكتوبر 2022، استوردت منه بـمبلغ 34.7 مليون دولار) وكذلك الروديوم (بـ29.6 مليون دولار).
إذا تم تسييله، أمكن شراؤه! تحت هذا الشعار يمكن اعتبار إعلان بروكسل (دول الناتو) في صيف 2022 رفض إمدادات خط أنابيب الغاز من روسيا الاتحادية … ثم، على الفور، زيادة مشتريات الغاز المسال من روسيا. ففي الفترة من يناير إلى أكتوبر من العام الماضي، أصبحت روسيا ثاني أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال إلى السوق الأوروبية، بعد أن شحنت إلى هناك 17.8 مليار متر مكعب ، بزيادة قدرها 42٪ عن نفس الفترة من عام 2021. ونتيجة لذلك، احتلت نسبة 16٪ من سوق الغاز الطبيعي المسال الأوروبي (الولايات المتحدة في الصدارة بحصة 42٪، وقطر في المرتبة الثالثة بنسبة 13.7٪). وكان المشترون الرئيسيون هم فرنسا وبلجيكا وإسبانيا وهولندا واليونان. وحتى اليابان ساومت لنفسها على الحق في شراء النفط والغاز الطبيعي المسال من مشاريع سخالين من دون أي قيود أو محظورات.
استنتاج
الإحصاءات العامة للصادرات والواردات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا بليغة المغزى. فبالعودة إلى الصيف الماضي، استعادت بلغاريا وكرواتيا وقبرص ولوكسمبورغ وسلوفينيا وإستونيا تجارتها مع الاتحاد الروسي إلى مستوياتها في أوائل عام 2022. وبعد ذلك بقليل، تجاوزت هذه البلدان بالإضافة إلى جمهورية التشيك ومالطا وإسبانيا وبلجيكا بشكل ملحوظ حجم واردات بداية العام من روسيا.
لا داعي للاندهاش حيال نمو حجم التجارة على خلفية العقوبات. والتفسير بسيط – الغرب لا يستطيع الاستغناء عن الخامات الروسية – كما يقول الخبير الصناعي المستقل الدكتور في الاقتصاد ليونيد خزانوف. يخال المرء أن الأسواق كبيرة، وأن هناك العديد من اللاعبين، لكن من المستحيل استبدال روسيا بغيرها في تشكيلتها من السلع وفي الأحجام التي يمكنها تقديمها منها. على سبيل المثال، تنتج الولايات المتحدة بشكل مستقل كلوريد البوتاسيوم، ولكنها تستورد سنويًا حوالي مليون طن من هذه الأسمدة من الاتحاد الروسي، لأنها لا تملك ما يكفي منه لحاجاتها الخاصة. لهذا السبب استبعدت وزارة الخزانة الأمريكية هذا المنتج من قائمة العقوبات، فهي ببساطة لا تستطيع الاستغناء عن الإمدادات الروسية. الشيء نفسه بالنسبة إلى الحبوب والعديد من السلع الأخرى.
بالإضافة إلى ذلك، هناك تفاصيل فنية، ولكنها مهمة – فالعديد من عمليات التسليم يمر عبر تجار من القطاع الخاص، وهؤلاء لا يهمهم من أين تأتي وإلى أين يأخذونها، فالشيء الرئيسي هو الحصول على الأموال. وهناك دائمًا طلب مستقر وفعال على البضائع الروسية. بالطبع، تحاول الدول الغربية أن تستعيض عن روسيا، لكنها لم تنجح في هذا حتى الآن. ومن المرجح أنها لن تنجح ولن تتوقف عن شراء البضائع الروسية التي تعتبر حيوية بالنسبة لها مهما كانت شهوتها إلى العقوبات جامحة.