زلزال تركيا يعري لا إنسانية قانون قيصر الأمريكي ، بقلم : سليم يونس الزريعي
مع أن الاقتصاد السوري وقطاعاته الحيوية كقطاعات الطيران المدني والنفط والطاقة والاتصالات والتكنولوجيا والمصارف والاستيراد والتصدير بما في ذلك استيراد وتصنيع الغذاء والدواء والتجهيزات الطبية الأساسية، كانت منذ العام 1978، محل فرض تدابير قسرية من قبل الإدارات الأمريكية المتعاقبة، لثني دمشق عن مواقفها الرافضة لسياسات الهيمنة والاحتلال.
إلا أن سوريا مع ذالك وحتى بداية الحرب عليها عام 2011، كانت واحدةً من دول المنطقة ذات الازدهار الاقتصادي المرتفع، تصدر إلى دول مختلفة في العالم، بما في ذلك أوروبا، العديد من السلع الزراعية. بما في ذلك القطن والجلود والصناعات الغذائية، بحصة 46٪ من اقتصاد البلاد. بل إن الصناعات الدوائية الضخمة فيها تقدمت وكانت تصدر إلى 56 دولة، إضافة إلى تلبية الاحتياجات المحلية، وهو ما يؤكد أن الشعب السوري شعب منتج ولديه قدرات بشرية عالية المستوى.
ولأن أمريكا تريد شعوبا تابعة وليست منتجة ومستقلة، فقد فشلت سياسية تدجين دمشق أو احتوائها، لذلك لجأت إلى الشكل الأكثر خشونة في استهداف سوريا عبر ما يسمى الربيع العربي بالتدخل المباشر وبغطاء عربي دشنه مع سبق الإصرار والترصد قرار الجامعة العربية بتعليق عضوية سوريا، بدعوى الانتصار للحرية والديمقراطية وتداول السلطة، والمفارقة أن أمريكا تغطت بدول ريعية عائلية ليس لها علاقة بقيم الحرية والديمقراطية والمواطنة التي تتغنى بها أمريكا.
وكان التدخل الأمريكي الخشن بشكل مباشر وعبر أدواتها التي استخدمت ثرواتها بهدف تفكيك نسيج المجتمع السوري متعدد الأعراق والمذاهب، عبر محاولة تدمير بنية الدولة السورية وجيشها ونسيجها الاجتماعي وصولا إلى احتلال أمريكا لثلث أراضي سوريا التي تشكل خزان ثرواتها من النفط والغاز ومناطق زراعة الحبوب التي توفر الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي للشعب السوري بكل مكوناته، بل عملت واشنطن على استهداف الإنسان السوري بشكل ممنهج ـمباشرة أو عبر أدواتها في المنطقة أو داخل سوريا.
لكن مع إخفاق مشروع تفكيك سوريا الذي رعته هيلاري كلينتون، والفشل في تدمير جيشها، وبدلا من ذلك حرر هذا الجيش السوري وحلفائه معظم الأراضي السورية التي كانت تسيطر عليها الجماعات الإرهابية والظلامية المستجلبة من معظم دول العالم، بعد أن كانت تقف على مشارف دمشق بإشراف ودعم غرفتي عمليات الحرب على سوريا(الموك) في الأردن و(الموم) في تركيا بمشاركة قطر والسعودية والأردن وأمريكا وتركيا وبشكل ما الكيان الصهيوني، وصرف أنظمة الريع العائلي الخليجي التي تبنت الجماعات الإرهابية والظلامية بمختلف مسمياتها لتدمير سوريا لموقفها من الكيان الصهيوني والمخطط الأمريكي في المنطقة، أكثر من 137 مليار وفق ما اعترف به رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم آل ثاني لقناة الـBBC العربية.
لكن أمام فشل ذلك المخطط أضافت واشنطن إلى منظومة حربها الناعمة والخشنة سعيا منها لتحقيق ما عجزت عنه أدواتها المحلية والعربية، سلاحا غير إنساني هو سلاح الإرهاب الاقتصادي الذي استهدف الإنسان السوري في كل مناحي حياته ـ بأن تفتقت ذهنية الإجرام الأمريكي عن ما يسمى بقانون قيصر، الذي بموجبه يفرض حصارا اقتصاديا على سوريا ، وتهديد أي دولة بأنها ستتعرض للعقوبات إذا ما اخترقت ذلك الحصار، وبالطبع سارعت بعض الأنظمة العربية التي كانت جزءا من الحرب على سوريا والتزمت به بشكل صارم ومبالغ فيه، وكذلك الدول الأوروبية كدول تابعة للقرار الأمريكي، باستهداف المواطن في وسائل ومقومات عيشه سعيا لانهيار الدولة من الداخل، إذا لم تتمكن من توفير أساسيات العيش للمواطن، وهو سلوك متوحش يستهدف المواطن العادي في مفردات حياته من أجل القول إن الدولة عاجزة، في حين أن المواطن هو الذي يدفع الثمن مع وعيه أن معاناته ليست بسبب عجز الدولة، وإنما لسلوك أمريكا وبعض الدول العربية غير الإنساني التي كانت جزءا من المؤامرة على سوريا.
ولذلك لم ينخدع الشعب السوري مع كل ما يعانيه ويلجأ لتحميل الدولة مسؤولية تلك المعاناة، لأنه يعي أن المتسبب الأول هو أمريكا والدول التي تذرعت بقانون قيصر الأحادي وغير القانوني. بدعوى أنه يعاقب الحكومات والشركات والأفراد الذين يقدمون بشكل مباشر أو غير مباشر مساعدات مالية وعسكرية للحكومة السورية، أو يعملون في مجالات النفط والغاز الطبيعي والطائرات العسكرية والبناء وممارسة الضغط على القطاعات الرئيسية للاقتصاد السوري، بأن استهدف قانون قيصر التجارة الخارجية والبنك المركزي في البلاد.
ولذلك واجه الشعب السوري نقصاً حاداً في الكهرباء والغاز والطاقة. وفي الحبوب بشكل خطير، لأن معظم الأراضي الخصبة يحتلها الجيش الأمريكي،
جراء هذا القانون غير الإنساني الذي حاصر المواطن الفرد حتى في قوت يومه.
وجاءت مأساة الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في السادس من شهر شباط فبراير، لتعرى أبعاد قانون قيصر غير الإنسانية على ضوء مشاهد الزلزال، ومدى استجابة الدولة التي كانت تملك الإرادة لكن قانون الإرهاب الاقتصادي الأمريكي وقف حائلا بينها وبين قيامها بدورها نتيجة نقص الإمكانيات بفعل ذلك القانون غير الإنساني والحرب على سوريا التي دمرت الكثير من مقدراتها. وكشفت مأساة الزلزال وصعوبات قيام الدولة السورية بواجباتها في مواجهته وجه الإرهاب الاقتصادي الأمريكي، بل إنه وضع كل الدول التي عملت على تنفيذه محل اتهام.
لكن المخجل بالمعني الحقوقي والقانوني هو صمت وتجاهل المنظمات والمؤسسات الدولية القانونية والإنسانية لهذا الإرهاب الاقتصادي الذي شكله قانون قيصر كونه مثل انتهاكاً صارخا لأبسط حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، وجعلها تتحمل مسؤولية أساسية عن معاناة السوريين في حياتهم ولقمة عيشهم، والسؤال هنا أليس الإرهاب الاقتصادي هو الوجه الآخر للإرهاب بمختلف أشكاله، الذي سفك دماء السوريين ودمر المنجزات التي تحققت بعرقهم ودمائهم؟
وأمام كشف الزلزال للا إنسانية هذا القانون وكذب أمريكا الفاضح لجأت إلى التضليل بتعليق القانون لمدة ستة أشهر بعد أربعة أيام من وقوع الزلزال، للتغطية على جريمتها، مما جعل بعض الدول العربية تشعر بالخجل من نفسها وسلوكها نحو الشعب السوري الذي طالما احتضنها ووقف إلى جانبها، فسارعت لإرسال المساعدات الإنسانية وبعضها أرسل أيضا فرقا للإنقاذ.
ليكون السؤال هل يكفي انكشاف عدم إنسانية قانون قيصر ومخالفته للقانون الدولي الإنساني لتعود واشنطن والدول الأوروبية التابعة لها عن هذا السلوك غير الإنساني نحو الشعب السوري؟ ومع أنني أشك على ضوء تاريخ أمريكا في الهيمنة وفرض النفوذ أن تغير واشنطن سلوكها تجاه سوريا، كون ذلك هو مكون أساس في الشخصية الأمريكية ضد الدول والشعوب التي تحاول أن تكون مستقلة وبعيدة عن هيمنتها .. لكن السؤال الأكثر إلحاحا، هل ستدرك بعض الدول العربية التي عزلت سوريا وحاربتها أنها مسؤولة عن معاناة السوريين، وأن سوريا لا يمكن عزلها؛ فتعود عن قرار تعليق عضويتها في الجامعة العربية مع كل البؤس الذي تمثله..وأن تعود هي إلى سوريا ؟ الأيام المقبلة ربما تجيب على ذلك..