مقبرةُ المَوت بقلم : مريم سميح سويطي
وسطَ الظلامِ الدامس ، وركام المنازل ، وحدة الليل ، أصواتٌ تستنجدُ وتستغيث باحثةً عن ذلك الضوءِ الخافت ، وأخرى ترتعشُ تحت وطأةِ البرد القارص ورائحة الدمِّ تنبعثُ في كل مكان ….في صورٍ تقتربُ وتبتعد مع رصد الألم والمأساة هذا هو المشهد التي استيقظت عليه سوريا إثر زلزالٍ مدمر بقوة 7.8 درجات أودى بحياة “3042 وإصابة 5635 في تزايدٍ مستمر في عدد الضحايا ، وآخرين نجوا من موتٍ محقق فضاقت بهم الأمكنة وتتشعثُ بهم الطرقات وافترشوا الأرض بحثاً عن مأوى ، ليصبح هذا العالم ضيقاً جداً أمامهم ، وخذلانٌ عربي ، عدداً ضئيل من الدول العربية ودول العالم سارعت في تقديم المساعدات إلى سوريا خمسة أو ستة دول من العدد الاجمالي ل ٢٢ دولة عربية و١٩٥ دولة في العالم ، والبعضُ الآخر من الدول العربية اكتفت بالدعاء لسوريا ولم تقدم المساعدات المادية والإغاثات الإنسانية ليقفوا حائرين وسط خذلانٍ عربي وازدواجية في المعايير تطغى على الكوارث الإنسانية ، فتلك القومية العربية باتت حبراً على ورق لتدور العديد من التساؤلات في أذهانهم ” أين هي وحدة الجلدة الواحدة والأمة الخالدة؟ ” .
12 عاماً وتستمرُ المأساة الإنسانية للشعب السوري في شتى بقاعِ الأرض وسط صمتٍ دولي يجوبُ الأرجاء ، ويسابقون الزمن من أجل البقاءِ على قيد الحياة وسط أنقاضِ التقهقر وأنقاض الحربِ والظلام ، ونظامٌ سياسي استبدادي وديكتاتوري يهوي به في سراديب الظلام ، وقباء السجون والتعذيب ، ويبيدهُ بقذائف الحقد المدمرة والأسلحة الفتاكة والرصاصاتِ الغادرة .
يفرونَّ من ويلاتُ الحروب لتلتهمهم أمواج البحر ومآسي قصص غرق قوارب اللاجئين السوريين، فقد ترسخ في أذهاننا ذلك اللاجئ السوري الذي ألقى بطفله في عرض البحر ، بعد أن فارق الحياة متأثراً بالعطش والجوع، خلال رحلة هجرة عبر البحر الأبيض المتوسط ، وعاش هذه الحادثة الآليمة نحو 32 مهاجراً نفد منهم الطعام والشراب والوقود ، لم يحتمل 6 ركاب منهم هذه الظروف القاسية وفارقوا الحياة وبقيّ بريقُ الحياة في عيون الناجين , فهي حالة فردية من معاناة آلاف السوريين .
وحكاياتٍ كثيرة تدمي القلوب عن النازحين في مخيمات اللجوء ، نازحُ بلا خيمة ويتيمٌ وأرملة فالمحظوظ منهم من يمتلك خيمة ولو غمرتها مياه المطر وأحاط بهم البردُ من كل صوبٍ وحدب .
لتطارد الإنسان السوري ذاكرة تحمل في طياتها الحزن والمعاناة نظامٌ سياسي يقتلهُ ، وبحرٌ يبتلعهُ ، وأرضٍ يأوي إليها فتهويّ به ، وعنصرية تطارده …. فتنهزمُ آلام الحياة أمامه وتتحول إلى مقبرة موتٍ .