10:46 صباحًا / 25 نوفمبر، 2024
آخر الاخبار

في نهاية الكيان الصهيوني ، بقلم : د. محمد عمارة تقي الدين

في نهاية الكيان الصهيوني ، بقلم : د. محمد عمارة تقي الدين

“الاحتلال جُملة اعتراضية في حياة الشعوب”، هكذا يؤكد مفكرنا الكبير جمال حمدان على حتمية نهاية كل فِعل احتلال، مادامت قلوب الشعوب تنبض بالحرية، ولا تُسقِط من ذاكرتها قضيتها.
كما أن مُغتصِب الحق دائمًا ما يشعر أن الحق حتمًا سيعود لأصحابه، وأن المجرم يطارده جُرمه، لذا دائماً ما تنهشه هواجس النهاية المأساوية.

ومن ثم دعنا نحاول الإجابة عن السؤال الذي لا يكٌفُّ عن طرح نفسه المَرّة تلِو الأخرى: متى يدخُل الكيان الصهيوني متحف الفصل العنصري والتطهير العرقي ليصبح جزءًا أو حفريّة من الماضي؟
متى نصادف شاهد مقبرة مكتوباً عليه: هنا يرقد الكيان الصهيوني؟ أي متى يزول هذا الكيان الغاصب بصيغته الحالية لينتهي هذا الصراع الوحشي من الوجود؟

إن الغوص في أكثر مستويات التحليل عمقاً هو أمر من شأنه أن يخبرنا أن زوال الكيان الصهيوني بشكله الحالي هو أمر حتمي، هو ضرورة وجودية قبل أن يكون ضرورة أخلاقية.
إن لم يجري تفكيك هذا الكيان الغاصب، ولو جبراً، ومن ثم إعادة تركيبه بشكل وصيغة إنسانية بما يسمح باستعادة الحق الفلسطيني كاملاً، إن لم يتّخذ هذا الطريق فحتمًا ستكون نهايات الحد الأقصى مصيره بانخراطه مع كل جيرانه في حروب مُميتة له قبل غيره.

وتدفع الكثير من المعطيات الحالية بحقيقة أن هناك أملًا يلوح في الأفق، فيما يتعلق بنهاية هذا الكيان بصيغته الحالية، يقول الكاتب الإسرائيلي المتخصص في دراسات الشرق الأوسط زيفي بارئيل (Zvi Bar el):” الأجيال الجديدة في العالم كله بدأت في رفض العجرفة الإسرائيلية وتصرفها بوقاحة واستخفافها بالقانون الدولي، ومن ثم أدركت حقيقة كون إسرائيل باعتبارها آخر كيان استعماري في العالم…. ها هو جبل الجليد الضخم يتبدى في الأفق والذي ينتظر إسرائيل كسفينة تايتنك، في حين يرقص القبطان والملاحون ويلهون على ظهر السفينة”.

ومن ثم يدعو الكاتب الإسرائيلي حجاي متار(Haggai Matar) إلى وقف الحروب وإنهاء الحصار، والدخول في مفاوضات حقيقية بشأن إنهاء الاحتلال بما يسمح بإقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة، كضمانة لاستمرار وجود اليهود وعودتهم لقيمهم الإنسانية التي دمرها فعل الاحتلال.
وفي هذا الاتجاه يدفع كثيرون، وعلى رأسهم عبد الوهاب المسيري، بأن هاجس نهاية إسرائيل هو شعور يضرب بجذوره عميقًا في الوجدان الصهيوني، فالشاعر الإسرائيلي حاييم جورى Haim Gouri في قصيدته (ميراث)( Heritage) يرى أن كل إسرائيلي يُولَد وفي قلبه السكين الذي سيذبحه.
فالصهاينة، وكما يؤكد المسيري، يتخوفون من تكرار ما حدث للممالك الصليبية التي زالت جميعًا، إذ باعتقادهم أنه قانون صارم من شأنه أن يسري على كل الكيانات الاستيطانية، ومن ثم يتملكهم شعور بأنهم يَسبَحون ضد حركة التاريخ وقوانينه الصارمة.
والحقيقة أن هذا الهاجس ـ هاجس النهاية ــــ هو هاجس مركزي وناشب بمخالبه في الوجدان الصهيوني منذ البدايات الأولى لهذا الكيان الغاصب، فقد كان ديفيد بن جوريون يردد:”ستسقط إسرائيل بعد أول هزيمة تتلقاها”.
بل إن كثير من الصهاينة لديهم قناعة تامة بحتمية النهاية، مؤكدين أن أكبر عمر لمملكة يهودية، وهي مملكة الحشمونائيم، لم يتجاوز الثمانين عاماً.
وفي الوقت الراهن تزايد هذا الإحساس، في تحدٍ لما اعتقدت الحركة الصهيونية أنه سيزول بمرور الوقت، وأن إسرائيل ستندمج شيئاً فشيئاً في محيطها الإقليمي ليصبح هذا المحيط غير قادر على العيش بدونها.
لقد صرح الأديب الإسرائيلي أهارون ميجيد ذات يوم بقوله:”لقد حولتنا الحروب إلى دولة في حالة انجذاب غير أن تلك الحروب حين تتوقف سنسقط في حالة انهيار”، مؤكداً على حالة التدهور الأخلاقي الكبرى التي تمر بها إسرائيل.
كما أعرب السياسي الإسرائيلي يوسي ساريد عن تشاؤمه إزاء مستقبل دولة الكيان الصهيوني، مؤكدًا أنه إذا استمرت الأوضاع هكذا فضمان استمرارية الدولة في المستقبل هو أمر من المشكوك فيه ، لذا لابد أن ينتهي الاحتلال عاجلًا أم آجلًا .
وإذا كان الفن هو انعكاس صادق لقضايا وهموم أي مجتمع، فالمتتبع للسينما الإسرائيلية يري كيف وأن هاجس النهاية لا يكُفّ عن مطاردة الإسرائيليين، فحديثًا تم إنتاج فيلم سينمائي بعنوان”عام 2048″، يتناول نهاية إسرائيل وزوالها من الوجود بعد مئة عام من إنشائها، أي عام 2048م، وقد علَّق مخرج الفيلم قائلًا:”نحن نندفع في الاتجاه الخاطئ بشكل يمكنه أن يدمر الدولة.. فالخطر كل الخطر ليس من التهديد الخارجي، بل من الداخل، فإسرائيل مُقسَّمة وتضم مجموعات متنافرة من البشر ومتصارعة، ومن ثم يجب إيجاد حل جذري لتلك المشكلة”.
وهناك رواية إسرائيلية كانت قد لاقت صدٍ كبيرًا بعنوان”الآن ينتهي إرسالنا”، والتي تذهب إلى أن نهاية الكيان الصهيوني ستكون بيد العرب بعد توحدهم مستقبلًا.
كما يذهب المفكر الفرنسي جاك آتالي إلى أن إسرائيل تواجه تهديداً كبيراً بالزوال في الوقت الحاضر أكثر مما واجهته في الماضي.
وفي إحدى قصائد الشاعر اليهودي يعكوف جلعاد(Yaakov Gilad)، يقول:”أنت لم ترغب في أن تكون هنا على الإطلاق، لم يسألك أحد ما الذي جاء بك إلى هنا، لكن عندما تكبر ويكون لك ولد ويسألك هذا الولد: ماذا عليَّا أن أفعل؟ أخبره أن يغادر هذه البلاد على الفور من دون أن يفكر”، فهي تشي بمدى تلاشي الثقة في مقدرة هذا الكيان الصهيوني على الصمود والاستمرار مستقبلًا.
ومن ثم استشرت ظاهرة البحث عن وطن بديل غير إسرائيل، فحسب استطلاع رأي أجراه معهد القدس للصهيونية، أفصح شاب من بين كل ثلاثة شباب إسرائيليين عن رغبتهم في الهجرة خارج الكيان الصهيوني.
وحول حقيقة اعتماد إسرائيل في وجودها على القوة الأمريكية، وليس على قوتها الذاتية، وبالتالي فالتخلي عنها يعني بداية نهايتها، يقول الكاتب الإسرائيلي نحميا شترسلر(Nehemia Shtrasler):” نُمثِّل في الوقت الحالي أهمية بالغة للولايات المتحدة الأمريكية، فنحن بمثابة حاملة طائرات لها في الشرق الأوسط، لكنها يمكنها أن تستغني عن هذه الخدمات أو تجد بديل آخر، في حين أنه لا يمكننا أن نعيش بدونها، وهنا تكمن المأساة”.
وهو ما يؤكد حقيقة الكيان الصهيوني ككيان قلق، إذ لم يستطع حتى الآن ترسيخ وجوده في الشرق الأوسط، بل تزداد هشاشته بمرور الوقت.
أحد المتغيرات الجديدة التي يمكن رصْدُها وتدفع بهذا الاتجاه هو، وكما يذهب صالح النعامي، تَشَكُّل وعي جديد داخل إسرائيل، إذ أصبح الصهيوني هو الخائف من العربي والفلسطيني على وجه التحديد، وهو تغيُّر جذري وعميق، فقد كانت الصورة الذهنية القديمة لدى الصهاينة عن العرب أن شخصيتهم تتسم بالجبن والخوف والتردد، وما يؤكد هذا المتغير هو لجوء المستوطنين اليهود إلى الشعوذة وشراء التمائم والتعويذات لحمايتهم من العمليات الاستشهادية الفلسطينية وصواريخ المقاومة، تلك التمائم التي يصنعها الحاخامات لهم.
وعليه نعتقد أن الحياة داخل الكيان الصهيوني سوف تصبح أكثر قلقًا خاصة مع تطور قدرات تلك الصواريخ، وهو أمر من شأنه أن يُعظِّم من تزايد أعداد المهاجرين هجرة عكسية لخارج إسرائيل.
أضف إلى ذلك عوامل أخرى، مثل الزواج المُختلَط بين يهود وغير يهود، وتهديده يهودية الدولة، حتى أنهم يسمونه الهولوكوست الثاني أو الهولوكوست الصامت، أو(المحرقة الصامتة)( Silent Holocaust) التي تبيد اليهود وتقضي على وجودهم في صمت ومن دون حروب أو أوبئة.
كذلك أثَر العامل الديموجرافي، وهو زيادة أعداد غير اليهود، وبخاصة من المسلمين داخل الدولة نتيجة كثرة الإنجاب بينهم في مقابل تقلص أعداد اليهود، مع مطالبات اللاجئين الفلسطينيين بالعودة لأرضهم، فالتخوف مستقبلًا أن تصبح الدولة ذات أغلبية عربية.
فهي كلها عوامل ضاغطة، لكنها لم تجد المناخات المواتية لتؤتي أُكُلها، أو لجعل هذا الكيان ينخرط مُجبراً ولضمان استمرارية وجوده في عملية سلمية شاملة تُعيد للفلسطينيين حقوقهم المسلوبة.
أضف إلى ذلك الصراعات الداخلية بين مكونات الكيان الصهيوني، وتصاعد اليمين الديني، وهو ما جعل البعض يذهب إلى أن الدولة الصهيونية ستتجه حتمًا نحو حكم ثيوقراطي متشدد يعصف بكل ما تبقَّى من ملامح ديمقراطية، ومن ثم بداية العد التنازلي لانهيارها.
والحقيقة أن هذا الأمر يُذكِّرنا بنظرية (السرطان الزجاجي)، فالحشد الشديد لأي مجتمع سيقود حتمًا لانفجاره.
وها هو رئيس إسرائيل السابق رؤوفين ريفلين يقول:”إسرائيل مكونة من أربع قبائل متباعدة”، وتلك القبائل في صراع دائم مع بعضها البعض.
ويقول الحاخام الرافض للصهيونية إلياهو كاوفمان:”لقد تأسست إسرائيل على السلب والنهب، ومن الطبيعي أن تشهد تفاقُمًا في عدوانية الإسرائيليين تجاه بعضهم البعض، ونهايتها الانهيار بعد عقود قليلة مثلما انهارت الممالك الصليبية”.

كما يرى المفكر الأمريكي ناعوم تشومسكي، الذي يصفه الصهاينة بأنه اليهودي الأكثر كُرهًا لذاته اليهودية، يرى أن إسرائيل تتجه إلى دمار نهائي، مؤكدًا أن إسرائيل “تنتهج سياسات يترتب عليها قدر هائل من التهديدات والمخاطر الأمنية المحدقة، فهي سياسات تنحاز للتوسع على حساب الأمن، وتهوي بها إلى قاع الانحطاط القيمي والأخلاقي، وتؤدي إلى عُزلتها ونزع الشرعية الدولية عنها”.
ومن ثم يُسلِّط تشومسكي الضوء على المأزق الحقوقي الذي تتعرض له إسرائيل، وهو أن قطاعات الرأي العالمي المهتمة بحقوق الإنسان بدأت في الامتعاض الشديد منها ومن ثم التخلي عنها.
وهو ما دعا السياسية الإسرائيلية وسيدة الموساد تسيفي ليفني لأن تُبدي انزعاجها من تغيُّر المزاج العالمي وانقلابه على إسرائيل، وبخاصة في أوروبا التي بدأت قطاعات واسعة داخلها تضيق ذرعًا بالممارسات الإجرامية لهذا الكيان الغاصب، ومن ثم اتهمت ليفني أوروبا بتبنيها خطاباً ذو صبغة أيديولوجية معادية لليهود.
فالكيان الصهيوني يمر بحالة ضمور تدريجي على مستويات عدة، تلك الحالة التي لاحظها كثيرون منذ وقت ليس بالقصير، فها هو الشاعر الصهيوني ناتان زاخ يرى أن إسرائيل تلك المحطمة إلى شظايا لن تصمد طويلًا أمام المتغيرات التاريخية، معرباً عن أسفه لهروبه من دولة نازية ليجد نفسه في دولة أخرى فاشية، مؤكداً أن إسرائيل تتشابه كثيراً مع الإمبراطورية الرومانية في أيامها الأخيرة، وها هو مائير دجان، الرئيس السابق لجهاز الموساد، يصرح في عام 2012م بأن الكيان الصهيوني على شفا كارثة في المستقبل القريب نتيحة لما يعانية من أزمات داخلية.
ومن أجل الإفلات من هذا المصير الكارثي يدعو الرئيس السابق للوكالة اليهودية إبراهام بورج اليهود في كتابه (لننتصر على هتلر)( Defeating Hitler)، إلى دولة متحررة من الصهيونية بإرثها اللاإنساني، وهيمنة ذكرى المحرقة النازية على عقل وسلوك سكانها، كما يدعوهم إلى التبرؤ من اليهودية التقليدية شديدة التعصب والكراهية للآخر.
يقول بورج:” إسرائيل كدولة لا تعرف كيف تعيش من دون نزاع ومواجهات وحروب وحشد ومن دون هاجس الخوف، كان جيش هتلر أشد قوة وعنفاً من جيس إسرائيل، ومع ذلك سقط مشروعه النازي، الصهاينة يعلمون أن كل البلدان التي سبق احتلالها قد تحررت وهو ما يقلقهم، إذ يوقنون أنهم يتحركون ضد حركة التاريخ، وأن حتمية النهاية لكل المستعمرين هي سنن تاريخية من شأنها أن تسري على الجميع”.
وكان إبراهام بورج قد حذَّر من الموافقة على قانون تعريف دولة إسرائيل كدولة يهودية، مؤكدًا أن ذلك سيمثل بداية نهايتها، فهو وضع تفجيري للدولة، ومن ثم دعا كل من يمكنه الحصول على جواز سفر أجنبي لفعل ذلك، استعداداً لما هو قادم، يقول بورج:” لقد أصبحت إسرائيل جسدًا بلا روح، واتخذت طريقًا واحدًا مدمرًا دون أن تحاول رسم طريق بديل”.
وفي هذا الشأن يؤكد الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي أن الإسرائيليين قد استولوا على أراضي الآخرين وذبحوهم، وأنه إذا نال الفلسطينيون حقهم، فإنه عند ذلك وفي تلك اللحظة يمكن التأسيس لعلاقة مختلفة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أما الاستمرار في سياستها الحالية هو تدشين لنهاية الدولة الصهيونية .
وها هو الكاتب الإسرائيلي أوري أفينيري يدعو الكيان الصهيوني للتوقف عن العدوان على الفلسطينيين والانسحاب من الأراضي المحتلة، إذا أراد هذا الكيان ضمان استمراريته في الشرق الأوسط، ومن أقواله:”أنت لا يمكنك أن تحدثني عن الإرهاب، فأنا كنت إرهابيًا”، فقد كان مُنخرطاً في شبابه ضمن ميليشيات الإرجون الصهيونية الإرهابية.
وكان أفينيري قد صرّح لأسوشيتد برس في مقابلة له عام 2013م قائلًا:” لدي شعور قوي بأن دولة إسرائيل هي السفينة تيتانيك، حيث نتجه بقوة نحو جبل الجليد، وحتى الآن لدينا فرصة ذهبية لتغيير مسار السفينة، غير أننا لو بقينا أغبياء سنصطدم بجل الجليد لتكون لنهاية”.
وفي ذات السياق يحذرنا عالم الاجتماع اليهودي البولندي زيجمونت باومان من مصير كارثي ينتظر إسرائيل، وأنه داخل تلك القلعة المحاصرة، يقصد إسرائيل، يجرى الاعتقاد والنظر للاختلاف في الرأي على أنه جرمًا وخيانة، وأن الحروب مصير محتوم لا مفر منه ولا خيار آخر، فهو مجتمع الحشد وتلك لحظة مثالية للانفجار.
ومن ثم يدعو باومان اليهود لإعادة صياغة أيديولوجية جديدة، فالمحرقة يجب أن تكون تطهيرًا أخلاقياً لليهود وليس دافعًا للانتقام ومبررًا لشن الحروب.
وهناك التيار الديني اليهودي الرافض للصهيونية مثل حركة ناطوري كارتا والذي يؤمن بحتمية زوال إسرائيل الحالية وفقاً لوعد إلهي يقضي بزوال أي دولة يهودية قبل قدوم مسيحهم المخلص.
وهناك نبوءة يهودية قديمة أوردها الحاخام الشهير(شمعون بن يوحاي) والذي عاش في القرن الثاني الميلادي، وهي تتحدث عن تجمع الإسرائيليين في فلسطين ثم يأتي أحفاد أشور فيدمرونهم فيقتل من يقتل ويهرب من يستطيع الهرب.
وها هو آري شبيط، وهو كاتب صحفي إسرائيلي، يذهب إلى أن الكيان الصهيوني :” يلفظ أنفاسه الأخيرة ويسير في طريق مسدود بل واجتاز نقطة اللاعودة”، ومن ثم دعا الجميع لمغادرة البلاد.
والكاتب الإسرائيلي روغل ألفر الذي يؤكد أن الكيان الصهيوني أوشك على النهاية فقد وقعّ على (شهادة وفاته) وما علينا سوى الانتظار لمعرفة التوقيت، فهي دولة فاشية ونظام عنصري، فهي لا تعدو كونها مقلب نفايات للتعصب والشيفونية والعنصرية والكراهية.
وفي عام 2021م صرح يوفال ديسكين، الرئيس السابق لجهاز الأمن الإسرائيلي العام (الشاباك)، بأن: “إسرائيل لن تبقى للجيل القادم لأسباب وعوامل داخلية” ، حيث تزايد الانقسام بين الإسرائيليين عمقاً، كذلك انعدام الثقة في أنظمة الحكم وهو الشعور الآخذ في الاتساع مع انتشار الفساد، وفقدان قوتها العسكرية للسيطرة على كثير من المناطق.
وعالمياً فقد استفادت إسرائيل كثيرًا من أحادية النظام العالمي وتصدُّر الولايات المتحدة الأمريكية المشهد منفردة تلك الداعمة بقوة للكيان الصهيوني، وهو الوضع الذي لايزال مستمراً حتى الآن، ومع ذلك فنحن نعتقد أن أحادية النظام العالمي القائم في طريقها للتغيير في المستقبل القريب بما يضع الكيان الصهيوني على حافة المجهول.
وذلك في ظل اعتمادها المُزمن على قوة خارجية، فالحقيقة أن إسرائيل تبدو كمريض موضوع على جهاز التنفس الاصطناعي الذي لا يمكنها العيش بدونه.

وفي التحليل الأخير، فإننا نريد أن نُضيء حقيقة مركزية مفادها أن الكيان الصهيوني بصيغته الحالية لن يصمد كثيراً أمام دوامة العدم التي تحاول ابتلاعه، إذ أنه محشور بين مطرقة الزمن وقوانينه الصارمة وبين سندان الكبرياء الفلسطيني المؤيد عربياً ودولياً من التيار الإنساني العريض والآخذ في التنامي.
كما أن علينا أن نعي حقيقة أن التحليلات والتصريحات حول قرب نهاية الكيان الصهيوني والصادرة من داخل هذا الكيان ذاته بعضها صادق غير أن بعضها الآخر لايعدو كونه محاولات لتخدير الوعي العربي (أو هكذا يجري توظيفها)، ومن ثم علينا ألا نركن للموقف السلبي الداعي للمشاهدة فقط في انتظار الانهيار الذاتي للكيان الصهيوني كما تذهب التصريحات المتواترة بكثرة في الخطابين العربي والصهيوني.
فذلك فخٌ لا يصح أن نتورط فيه بعد تلك الخبرات الطويلة التي راكمناها حول هذا الصراع وآليات تحركه ومسارات تمدده.
نعم علينا أن نتفاءل حين نطالع تلك النتائج، غير أنه يجب أن يكون مقترناً بالعمل وفقاً لخطط مدروسة جيداً، دون التفاؤل الساذج الأحمق الذي يتعاطاه الكسالي كمخدر حيث يحلمون بمستقبل فردوسي وهم نائمون في سرير التواكل.
فلنتمسك بموقفنا الداعم للقضية الفلسطينية ولنعضّ عليه بالنواجذ، فكل أسباب وعوامل الانهيار تلك لن تتفاقم وتؤتي أُكُلها إلا بضغوط متصاعدة منا على كافة المستويات:سياسياً واقتصادياً وثقافياً ونفسياً واجتماعياً.
فالقاعدة التي علينا أن نعيها جيداً أن هناك علاقة طردية بين تزايد الضغط على الكيان الصهيوني وبين تفاقم تلك العوامل المؤذنة بانهياره.
ومن ناحية أخرى فهذا الكيان الغاصب ومن أجل أن يتجنب هذا المصير لا حل يلوح في الأفق أمامه ولن يكون، إلا أن يصبح الصهاينة جزءًا عضويًا من البشرية بكل ما تحمله الفكرة من مضمون، أو أن يُجبروا على ذلك، وكل الوسائل الأخلاقية متاحة.
فبدلًا من أن يطالب الصهاينة الجميع بالتطبيع معهم عليهم هم أن يُطبِّعوا مع البشرية، أن يعودوا ليكونوا بشراً بحق، بأن ينسفوا أطروحاتهم العنصرية ويتخلوا عن ممارساتهم الإجرامية ضد الفلسطينيين، ويعترفوا بالسابق منها ويعتذروا عنها في آن.
ومن ثم ينظروا لأنفسهم باعتبارهم جزءاً من مجتمع إنساني عام، الكل فيه متساوون، لهم ذات الحقوق وعليهم ذات الواجبات، وأن الفلسطينيين شعب له حق تقرير مصيره وحق ممارسة قوميته على أرضه التي من رحمها خرج منذ آلاف السنين.
حين تتجذّر تلك القناعة في الوجدان اليهودي يمكن الحديث عن تسوية إنسانية وعادلة للصراع العربي الصهيوني بما يسمح بقيام دولة فلسطينية كاملة السيادة، تلك التسوية التي هي في عمقها خير ضمانة لاستمرارية الوجود اليهودي(وليس الصهيوني) في هذا العالم، إن أرادوا ذلك.
ومن دون شك فالبديل أمامهم سيكون مُؤلماً بقدر ألم الشعور بإنغراس أنياب الفناء المدببة في لحم هذا الكيان الغاصب ومن ثم السقوط في هوّة العدم.

شاهد أيضاً

شهداء ومصابون في قصف الاحتلال لمنزل في رفح جنوب قطاع غزة

شهداء ومصابون في قصف الاحتلال لمنزل في رفح جنوب قطاع غزة

شفا – استشهد عدد من المواطنين وأصيب آخرون، اليوم الإثنين، بعد قصف الاحتلال لمنزل في …