1:31 صباحًا / 25 نوفمبر، 2024
آخر الاخبار

المؤلف لديه ما يكفي من الخوف فلماذا يزيدها عليه الناقد؟ النقد ضد النقد.. بقلم : فاطمة المزروعي

بغية الوصول الى منجز أكثر تطورا وأكثر حرفية، تحول الإبداع والعفوية في صناعة الكلمة الى مكينة وعلم معقد، فعندما تقرأ نص نقدي، أو دراسة منجز تصاب بحالة من الذهول للكم الهائل من المصطلحات والمفردات الغريبة والتي تم نقلها وتعريبها من لغات أخرى، وتم الدفع بها واستخدامها لتوحي للقارئ بأنه أمام كاتب أو مؤلف او ناقد خارق للعادة وقد جاء بما لم يصل إليه أحد من قبل في التميز عند الطرح والاستدلال وطريقة الكتابة. لكن تساؤلك يكبر أكثر حول عدد القراء الذين سيفهمون ما يراد بهذا النقد او بتلك الدراسة؟!.
في الحقيقة تحولت بعض دراسات العلوم الانسانية ـ بصفة عامة ـ في أجزاء منها الى دراسات لفك العقد والهالة الغامضة التي تحيط ببعض النصوص الابداعية. ولدى الكثيرين اعتقاد بأن المبدع، والنص الابداعي لا يحتاج لمثل هذا التعقيد اللفظي، والصعوبة في صناعة النص، حتى يثبت انه مبدع أو انه يكتب بطريقة مميزة. ولا شك بأن نجاح الكاتب او المؤلف يتحقق من خلال تمكنه من الوصول للقراء، وليس من خلال ناقد يصفق له أو دراسة تمنح منجزه النجاح والتفرد. غني عن القول أن هذا الرأي يوجد من يعارضه، لكن ملامسة حاجات المجتمع، والغوص في ثناياه ووسط همومه هي من المهام النبيلة التي يجب أن يتبناها الكاتب او المؤلف، وبالتالي فإن المراهنة على النجاح الجماهيري والسعي لها هي المعيار الحقيقي للتفرد مهما كانت الطريقة التي يستخدمها المؤلف في منجزه الادبي. ولتوضيح هذه الفكرة أكثر نستشعر بقصص الكاتبة النمساوية الفريده يلينك، والتي فازت بجائزة نوبل، وكتبت باللغة الألمانية، وكانت مؤلفاتها تعالج مواضيع عدة تتعلق بعذاب الإنسان والظلم والفقر والحروب وآلام البشرية، وكانت مبتعدة عن الأضواء، عندما قالت عن أدبها: “لطالما حاولت في كتاباتي أن أكون في جانب الضعفاء، الأدب ليس إلى جانب الأقوياء”. لذلك فإن النقد يأتي تاليا أو تابعا ـ وإذا شئت ثانويا ـ فالمنجز بعد تحقيق هدف الوصول إلى أكبر قدر من القراء والمتابعين والمهتمين بكتاباتك ومؤلفاتك، ويكون هناك شبه اهتمام أو إجماع جماهيري على الإعجاب بنصوصك او أي من منجزاتك الأدبية، وهو ما يعني وصول رسالتك وأفكارك وبالتالي وصول صوتك.
بلا تهميش

وقد يكون هناك الكثير من المؤلفين ممن قد يتفقون مع هذا الرأي، وهذا ليس فيه أي إلغاء أو تهميش لوظيفة النقد، فالنقد ذا مهمة عريضة وكبيرة لا تنحصر في الأدب وحسب. ويرى كثير من الدارسين في هذا المجال أن من وظائف النقد أن يقدم رؤية في أي من المجالات البشرية سواء في الأدب أو السياسة أو الموسيقى أوغيرها من الإبداعات الإنسانية، حيث يتناول مكامن قوة العمل وضعفه، وفي أحيان يقدم البدائل والحلول عند وجود تقصير أو خلل، هذا فضلا عن تسليطه للضوء على المتميز والحث على مزيد من التطوير. ويرى البعض أن النقد الأدبي من مهامه تحليل كيف تحقق النجاح في نص ما أو منجز، ويشرح أسباب قبوله جماهيريا، وبالمثل يقوم بنفس المهمة عند الفشل، لذا تعتبر نتائج أي دراسة نقدية ليست بالضرورة ممتعة وتجد القبول عند الكاتب بل قد تكون سيئة للمؤلف وغير منطقية ولا ترقى للجهد الذي بذله لإتمام منجزه الأدبي. ولكن هذا الأثر يجب أن لا يكون مبعث قلق أو تردد عند كل من يمارس الكتابة. والمعروف أن هناك كما من الدراسات والأصوات النقدية تنبأت بسقوط كتاب ما، أو بفشل مؤلف ما، وكانت النتائج مختلفة تماما، بل وبعيدة عن مثل هذه التوقعات، بل كان النجاح هو الحليف.
البعض من النقاد يؤكد أننا لا يمكن المراهنة على ذائقة الجمهور، بل هناك من يذهب إلى أبعد ويجرد الكتاب او النص الأدبي من النجاح والتميز حتى وإن وجد الانتشار. ويؤكد هؤلاء النقاد أنه على امتداد المعرفة الانسانية لم تكن علامات التميز القبول والانتشار الجماهيري هي المعيار والحكم في تقييم النصوص، ويدللون على ذلك بأن وسائل الاعلام قد تتدخل وتؤثر، كأن يتم تصميم حملات إعلانية يكون لها الفضل في تحقيق الانتشار والإقبال لبعض النصوص، لكنها تكون مثل فقاعة الصابون، فسرعان ما تختبء، أما المنجزات الادبية الأصيلة فحتى وإن لم تجد الانتشار في لحظتها ووقتها فالزمن في صالحها وكفيل بأن يخرجها للنور، وهذا ما حدث مع كثير من المؤلفين الذين انتشرت أعمالهم حتى بعد وفاتهم.
هذه الآراء تحمل العديد من جوانب الصحة وأيضا تجد القبول لدى شريحة واسعة من المؤلفين على امتداد الكلمة، لكنه في هذا الإطار تبقى مسائل تحتاج لمزيد من البحث والتقصي والدراسة والتدقيق وفق أساليب البحث العلمي المعترف بها. من هذه الجوانب محاولة تحديد متى يكون المنجز ناجحا ومتى نستطيع أن نشير لهذا النص بأنه في غاية من الإبداع؟ لكن من المسلّم به أنه يستحيل الاتفاق أو حتى الاقتراب من الاتفاق في هذا الاطار، ذلك ان التفكير والتلقي والقبول وغيرها.. هي من الجوانب الشخصية التي تختلف من فرد إلى آخر، وبالتالي تختلف ميولاتنا ورغباتنا وتقييماتنا للمنجزات الأدبية ومدى قبولنا لها.
لكن أن نبدأ بالحركة العلمية وتحريك المياه الآسنة، خير من البقاء والجمود في وسط يحتاج للتغير والتحريك الدائم، كعالم الكتابة والتأليف.
«كلام فاضي»!
هناك جانب آخر من المعضلة مع النقد والنقاد حيث يشعر البعض منهم أن له أهمية كبيرة جدا لدرجة تفوق أي مؤلف، بل تفوق المنجز الأدبي أيا كان، وإذا تلقى الناقد من هؤلاء نسخة من كتاب جديد كإهداء يهز رأسه ويقذف به بعد تصفحه للحظات، ويعلق قائلا: “كلام فاضي”!.. مثل هذه الممارسة تحدث دوما وبأشكال مختلفة، وهي رغم مرارتها لدى كاتب أخذ على عاتقه هم التأليف ثم لا يجد حتى كلمة نقد بناء، تكشف عيوبه وتدرس نصوصه وتسلط الضوء على أفكاره وآرائه، فإنها أيضا تنم عن حس يفتقد الذوق والشعور بمسؤولية القلم. مثل هؤلاء النقّاد يتجاهلون المؤلفين، ويتجاهلون تقديم أي دراسة أو رؤية نقدية عفوية، اعتبارا للنص فقط ودون النظر إلى المؤلف ومن هو ومن أين جاء؟ فالذي يحدث الآن ـ في كثير من الأحيان ـ تحكمه المعرفة الشخصية، وهو ما يسمى بالشللية، فلا يوجد نقد عفوي، يقدم دراسات دورية ويبحر ويتواكب مع حركة التأليف والنشر، فيرصدها ويحللها ويتلمس التطورات التي تحدث.
وإذا وجد نوع من النقد يصطنع الجدية فأغلبه هو من النوع الذي يمكن تسميته النقد القاسي، وهو الذي يمارس تحطيم المنجز الأدبي وتكسير أصابع المؤلف، وهذا النوع تحديدا يتجرد من أي قيمة إنسانية فيلقي بالنص في أتون الهاوية، ويصفه بالفشل، ويلغي بجرة قلم منجزا أدبيا، دون النظر لأي عواقب نفسية قد تصيب المؤلف، في الوقت الذي يمكن لمثل هذا الناقد أن يصل برسالته النقدية إلى هدفه لو أنه سلك منهجا راقيا ومتطورا، فالنقد السلبي قد يؤدي لحرمان الجمهور المتعطش للقراءة من مؤلف وكاتب مبدع، وذلك بقتل رغبته في الكتابة والتأليف نتيجة لنظرة أحادية للنص قدمها ناقد غير مسؤول ـ دون تعميم ـ فالنقد اللاذع جعل الكاتب الشهير توماس هاردي يترك الكتابة إلى الأبد، والنقد القاسي قاد الشاعر توماس تشاترتون إلى الانتحار. لذلك فالنقد ليس وسيلة لحشد الكثير من الكلمات العنيفة المحملة بقاموس من التحقير ضد الكاتب أو منجزه مهما كانت نظرتنا لما قدمه.
هذه ليست دعوة لإلغاء النقد، فكما لا تستطيع منع الهواء، فأنت لا تستطيع منع النقد، إنما هي دعوة لتطوير آلياته وأدواته، ومثلما أن هناك حداثة في المجالات الحياتية المختلفة، فيجب أن لا يكون النقد بمعزل عنها وهو المرافق الأبدي لأي إنتاج إنساني منذ الأزل ـ حتى وإن كانت بالفعل توجد مدارس نقدية حداثية. أيضا لا بد أن تلتصق بالنقد النظرة الإنسانية للمنجز والشعور الدافئ به.
يجب أن نفهم النقد كدراسة المنجز بكل تجرد وهدوء، والتعمق في أتونه ومحاولة تلمس جوانبه، وأنه أداة تعلمنا كيف نتذوق إبداع الآخرين، أو تعلمنا طريقة التفكير في النص الذي أمامنا، ليس صحيحا أن مهمته إظهار عيوب النص.. سلبياته.. وسقطاته، فإذا كانت هذه وظيفة النقد، أو جانبا هاما من وظيفته فإننا نكون قد وضعنا أداة رقابية فوق رأس الكاتب يخشاها ويخافها، في الوقت الذي أجزم أن الكاتب والمؤلف العربي بصفة عامة لديه ما يكفي من الخوف.
وفي كل الأحوال فإن الآراء التي سبقت، والتي تمت الإشارة في سياقها إلى أنها لا تقصد التعميم، فإنها تنطبق بشكل أساسي على تلك الكتابات النقدية التي تحفل بها الصحافة الثقافية، اليومية والأسبوعية، فهي الأكثر تأثيرا والأشد فتكا، أما الكتابات النقدية الأكاديمية الخارجة من الجامعات (وخصوصا الرسائل الجامعية)، فإنها بطبيعتها أقرب إلى الموضوعية باعتمادها على مناهج مقاربة علمية ومعروفة، وتمتلك أدواتها المعرفية التي تشكل إضافة نوعية للمؤلف والناقد والقارئ على السواء.

شاهد أيضاً

اللجنة الرياضية لمحافظة سلفيت تزور نادي سرطة الرياضي

اللجنة الرياضية لمحافظة سلفيت تزور نادي سرطة الرياضي

شفا – بتوجيه من محافظ سلفيت اللواء د.عبدالله كميل، نفذت اللجنة الرياضية في محافظة سلفيت …