حكومة نتنياهو والعالم ، بقلم : سعاده مصطفى أرشيد
أثار نتنياهو الانتباه منذ ظهر في مؤتمر مدريد عام 1991، عندما كان ناطقا باسم الوفد لإسرائيلي، وعرف أكثر عندما انطلق في سباقه لرئاسة الحكومة بداية من نشر كتابه “مكان تحت الشمس”، يذكرني هذا الكتاب بالكتاب الشهير (كفاحي) الذي كتبه الزعيم الألماني هتلر عندما بدأ سعيه لقيادة ألمانيا والذي أعلن فيه نظريته العامة ثم تفاصيل خططه، قرأ العالم كتاب كفاحي باعتباره عملا من أعمال الدعاية، ولكن لم يصدق أحد أن هتلر سينفذ ما ورد فيه من مخططات عندما أمسك بالسلطة المطلقة.
نتنياهو أعرب في كتابه عن آرائه التي ظن كثير من قارئي الكتاب ما ظنه العالم سابقا في كتاب كفاحي، وإن آراء نتنياهو التي أوردها ليست إلا إنشاء كتابيا، ما يلبث أن يتجاوزها عندما يصل للحكم، ولكنه في الحقيقة بقي وفيا لما كتبه، بتطرفه ويمينيته وبدعمه المطلق للاستيطان، وبإيمانه أن (يهودا السامرة)، أي الضفة الغربية هي إرث “إسرائيل” ومكان مجدها والتي لا يجوز لأي إسرائيلي أن يتخلى عنها.
الأحد الماضي، أفضت المشاورات التي أجراها هيرتسوغ (الرئيس الإسرائيلي) مع الكتل البرلمانية إلى تكليف نتنياهو تشكيل وزارته السادسة. وكان قد أعلن، لا بل أكد في حملته الانتخابية كما عقب فوزه على ثوابته السياسية القديمة – المستجدة، من ضرورة تقزيم السلطة بتخفيض مستوى التعامل معها في الأمن والإدارة المحلية فقط، بتسريع الاستيطان وتشريع البؤر الاستيطانية، وصولا إلى ضم أجزاء من الضفة الغربية كما ورد في صفقة القرن التي تعتقد السلطة أنها لم تعد قائمة إثر رحيل ترامب.
فالضفة كما ورد آنفا هي أرض “إسرائيل” الحقيقية بالفهم الديني والمشروعية التوراتية، وهي ضرورة إستراتيجية بمفهوم السياسة المعاصرة، نتنياهو سيتحرش بالأردن، وخاصة في مسألة الولاية الأردنية على القدس والمسجد الأقصى، كما في مسائل المياه، وباعتباره الأردن هو حصة الفلسطينيين النهائية ليقيموا دولتهم شرق النهر، لبنان سيكون أيضا مجال تحرش، وقد سبق لنتنياهو أن رأى في حملته الانتخابية كما إثر فوزه، أن اتفاقيتي ترسيم الحدود والغاز ليستا إلا إذعانا من الحكومة السابقة أمام المقاومة اللبنانية، وأنه لا بد من تصعيد مع إيران التي استطاع أيام زمالته مع ترامب أن يحبط الاتفاق النووي، الذي كانت قد أبرمته إدارة أوباما مع طهران، وسيعمل على تحريض دول البترودولار عليها مما قد يورط واشنطن في مواجهه لا تبدو راغبة فيها.
في جانب آخر، فلدى نتياهو رغبة عارمة في تصفية حسابات سياسية استراتيجية ثم شخصية مع جو بايدن، الذي كان آخر من اتصل بنتنياهو مجاملا ومداهنا إثر فوزه بالانتخابات، لكن كان قد سبق ذلك الاتصال مكالمة هاتفية بين وزير الخارجية بلنكن والرئيس الفلسطيني، أكد فيها الأول على التزامات الإدارة الأميركية (وهي التزامات لفظية)، وفي مجال آخر أبدى رفض الإدارة الأميركية التعامل مع وزراء من قماشة المتطرف بن غفير الذي يطالب بوزارة سيادية. المبعوث الأميركي للبنان عاموس هولكشتاين اتصل بدوره في من يهمه الأمر في لبنان الرسمي، مؤكدا أن واشنطن ملتزمة باتفاق ترسيم الحدود واستخراج الغاز من المياه الإقليمية اللبنانية.
يتبجح نتنياهو بعلاقته الحميمة بالرئيس الروسي بوتن، والذي زاره أكثر من أي زعيم آخر وحقق معه انسجاما شخصيا وسياسيا حسب رأيه هو، في أقل تقدير لن يثير حفيظة موسكو، وإنما سيعمل على مقايضة الملف الأوكراني لمصلحة أخذه مكاسب وفرص على الجبهة السورية، كل ذلك يشير أن العلاقات بين ننتياهو وبايدن ستشهد توترات حادة.
مصادر القوة لدى نتنياهو كانت لتكتمل لو حقق الجمهوريون، نصرا مهما في الانتخابات النصفية، ولكن حتى الساعة لا يبدو أن ذلك سيتحقق مما سيجعله أكثر تريثا في مقاربة بعض الملفات الساخنة.
السؤال المطروح: هل يستطيع نتنياهو تشكيل حكومة مقبولة دوليا مع شركاء من أمثال بن غفير الذي يطمح بوزارة الدفاع أو الأمن الداخلي، كما المتطرف الدموي الآخر سيموترتش الطامح بوزارة المالية؟
الإدارة الأميركية وحكومات غربية أخرى تقول: أنها لا تستطيع التعامل مع حكومة لديها هذا النوع من الوزراء، ويبدو أن مهمة البحث عن حل قد أوكلت للرئيس هيرتسوغ الذي يبحث عن صيغة تتشكل بها حكومة واسعة، إن استطاع إقناع لبيد وغانتس بالدخول في هذه الشراكة، فيما تفيد الأنباء أن الثنائي غانتس ولبيد، قد يوافقان شريطة ألا تكون الحكومة برئاسة نتنياهو.