يمين فاشي يستند إلى عصابات الشوارع ، بقلم : نهاد ابو غوش
يتجه مدلول “اليمين الجديد” و”اليمين الشعبوي” في العديد من بلدان العالم، إلى تشكيلة واسعة ومتباينة في منطلقاتها من الأحزاب والقوى والتيارات والحركات الاجتماعية، ولكنها تجتمع على معاداتها للديمقراطية وحقوق الإنسان، والتعصب القومي أو الديني مقرونا بكراهية الأجانب والأقليات والتمييز ضد الأشخاص ذوي الإعاقة داخل البلد. تندرج تحت هذا التصنيف كل من قوى المحافظين الجدد والليبرالية الجديدة وتيار رودي جولياني ودونالد ترامب في الولايات المتحدة، إلى قيادات بارزة في حزب المحافظين البريطاني، وحزبي الجبهة الوطنية بقيادة مارين لوبان في فرنسا، ورئيسة الوزراء الإيطالية الجديدة جورجيا مالوني وفيكتور أوربان في المجر.
ولا يقتصر الأمر على الدول المتقدمة التي بدأت بعض فئاتها تضيق باللاجئين والمهاجرين، بل ثمة دول ما زالت مصنفة ضمن العالم الثالث كالهند التي يحكمها اليمين الشعبوي ممثلا بحزب بهاراتيا جاناتا برئاسة ناريندرا مودي، والرئيس البرازيلي المنتهية ولايته جايير بولوسنارو. لكن اليمين الفاشي الصاعد نجمه في إسرائيل، أي قائمة الصهيونية الدينية برئاسة الثنائي سموتريتش وبن جفير، وهما أبرز المنتصرين في الانتخابات الأخيرة، يختلف عن كل ما سبق ذكره، فهو أقرب إلى عصابات الشارع التي شهدتها بعض البلدان الرأسمالية وعرفت بظواهر النازية الجديدة وحليقي الرؤوس والذئاب الرمادية، وحَمَلة الهراوات والجنازير والحراب لملاحقة خصومهم.
حصل حزب الصهيونية الدينية على أكثر من نصف مليون صوت، ضمنت له إحراز 14 مقعدا في الكنيست، ومن الضروري عند تتبع مسار هذا الحزب ملاحظة تدخل بنيامين نتنياهو شخصيا في تجميع صفوفه مرتين، الأولى في الانتخابات السابقة ولولا تدخل نتنياهو لما اجتاز هذا الحزب المؤلف من ثلاثة اجنحة، نسبة الحسم. ثم جاء تدخل نتنياهو مجددا عشية الانتخابات الأخيرة لجمع فريقي سموتريتس وبن جفير بعد خلافاتهما المعلنة وتلويح الأخير بالانشقاق، وهذا يؤكد أن هذا الحزب هو تشكيل رديف لحزب الليكود، وقد بات يمكن لزعيمه نتنياهو أن يقدم نفسه كسياسي معتدل إذا ما قورن بشركائه.
لا يخفي حزب “القوة اليهودية” برئاسة بن جفير كونه سليلا وامتدادا للحركة الكاهانية التي حظرتها إسرائيل رسميا في العام 1994، لكنها واصلت الظهور بأسماء وتشكيلات جديدة، كما يمكن اعتباره امتدادا طبيعيا للحركات اليمينية المتطرفة التي ولدت من رحم حزب الليكود وإلى جواره مثل أحزاب النهضة “هتحيا” برئاسة غؤولا كوهين، والوطن “موليدت” برئاسة رحبعام زئيفي، و”تسومت” برئاسة رفائيل إيتان، وحزب الاتحاد الوطني الذي ذاب لاحقا في حزبي يمينا والصهيونية الدينية. كل حزب يميني متطرف يخرج عنه حزب جديد أكثر تطرفا، تماما مثلما تنشأ عن فيروس كورونا مثلا متحورات أكثر خطورة وفتكا من سابقاتها، ولكن يمكن القول بثقة أن حزب القوة اليهودية الذي بات في مركز الخريطة السياسية الإسرائيلية، يمثل طفرة نوعية في تاريخ الحركات اليمينية، فهو ليس يمينا ايديولوجيا أو ثقافيا، ولا شأن له بقضايا تشغل اليمين واليسار مثل الخصخصة ومسؤولية الدولة عن الخدمات الاجتماعية والحريات المدنية والديمقراطية، فهذا الحزب أقرب للتشكيل العصابي الذي يتوج جهود ميليشيات تدفيع الثمن وشبيبة التلال وجميعية “لهافا”، ومن هذا التيار خرج باروخ غولدشتيان مرتكب مذبحة الحرم الإبراهيمي في الخليل، وقتلة الشهيدة عائشة الرابي، ومرتكبو جريمتي احراق عائلة دوابشة والطفل محمد أبو خضير.
لا تقتصر العلاقة بين اليمين التقليدي واليمين الفاشي الجديد بتدخلات حديثة ومنفردة لنتنياهو، لأن العبرة الرئيسية تكمن في الممارسة، وكل ما فعلته الحكومات الإسرائيلية السابقة كان توفير التربة الخصبة لنموّ هذا النبت الشيطاني في بيئة المستوطنات التي باشر ببنائها حزب العمل، وضاعفها حزب الليكود، وواصلت حكومة بينيت – لابيد حمايتها وتنميتها.
يعود نشوء وتعاظم قوة اليمين الفاشي في إسرائيل لعدة عوامل، من بينها ارتفاع نسبة المستوطنين إلى إجمالي عدد السكان، حيث تزيد نسبة المستوطنين عن 12 في المئة من عدد السكان بينما وزنهم السياسي يزيد عن ذلك، وتنامي الشعور لدى أوساط واسعة بأن إسرائيل هي بمنجاة من أي ملاحقة او محاسبة، ويستمر إفلاتها من العقاب على سلسلة الجرائم والمجازر التي تركتبها بشكل منهجي منذ نشأتها وحتى الآن، سواء على يد الدولة ومؤسساتها أو على أيدي الأفراد والجماعات، إلى جانب التعبئة العنصرية المستمرة حول تفوق العنصر اليهودي، وتهديد وجوده وحياته من قبل العرب والفلسطينيين.
كما في تجارب الفاشية في أوروبا، غالبا ما يستند اليمين المتطرف إلى طبقات شعبية فقيرة، مع مستويات تعليم متدنية، ويجري تعبئة هذه الفئات وتحريضها على الأجانب والأقليات، وتصوير هذه الأقليات بأنها هي سبب شقاء الفقراء ومزاحمتهم على خيرات بلادهم. ولكن في إسرائيل يختلف الأمر قليلا حيث تنتشر هذه الاتجاهات برعاية الدولة ودعمها والتكامل مع خططها، ولذلك ينشا سؤال جوهري: ما الفارق بين لابيد وغانتس ونتنياهو من جهة وبين باروخ مارزل وبن جفير وسموتريتش من جهة أخرى؟ الطرف الأول يرتكب الجرائم والمجازر الجماعية مستخدما أدوات الدولة ومرتديا بدلات أنيفة ومتحدثا بكلام معسول كما فعل لابيد على منصة الأمم المتحدة، بينما الطرف الثاني يدافع عن جرائم القتل مباشرة ودون مساحيق تجميل، وهو يمتدح السطو على الأراضي الفلسطينية وإقامة البؤر الاستيطانية، وحرق مزروعات الفلسطينيين وتسميم مياه شربهم، وقطع طرقهم، أما جمهور هذا التيار فلا يرى كبير فرق بين ما يفعله السياسيون ذوو البدلات الانيقة، وبن غفير الذي يقود العصابات في مطاردتها لاطفال الشيخ جراح.
علينا أن نقلق كثيرا لفوز بن جفير وخصوصا إذا اتيح له تسلّم وزارة مهمة كوزارة الأمن الداخلي التي سيكرسها لقمعنا، حتى الوزارات الخدمية كالزراعة والاسكان والاتصالات سوف يكرسها لخدمة مشروعه الاستيطاني والتضييق علينا، لكن فوزه هذا يمكن أن يكون سيفا ذا حدين على إسرائيل، إذا ما أحسنّا التعامل مع القضية ونجحنا في شن حملة عالمية لفضح نظام الأبارتهايد وتعريته والدعوة لمقاطعة إسرائيل ومحاسبتها وفرض العقوبات عليها وسحب الاستثمارات منها.