لا شيءَ أكثر …. لا شيءَ أقل ، بقلم : مريم سميح السويطي
“أن اتزوج وأنجب أطفالاً من أجل تحرير فلسطين ” بهذه الكلمات عبر الشهيد ” فارق سلامة” عن أمنيته المنشودة , كان يرتب أمور زفافه والسعادة تغمر قلبه , وروحهُ مفعمة بالحياة والأمل خلال تجهيزات الزفاف وإعداد وليمة العرس , وعروسه تقفُ متهللة فرحاً وتتغلغل إليها الغبطة والسعادة والفرح يعتلي روحها من حيثُ لا تعلم فجعلها منكبةً على تفاصيل ذلك اليوم , قبل أن يغتال الاحتلال الإسرائيلي فرحة العروسين ويستهدف العريس ” فاروق سلامة ” 28عاماً في مخيم جنين , برصاصاتِ غدره قتلَ جسداً وفرحاً مرتقباً, وحول العُرس إلى مأتم , وبدلة الزفاف إلى كفن , ولافتات دعوة الفرح إلى لافتات تأبين وتشييع , وغطرسة المحتل وصلافته سرقت الفرحة من قلوب عائلته.
فاروق كان يحلمُ بالاستقرار وتكوين عائلة , ويستعد لحفل الزفاف المقرر يوم السبت بدأ بتوزيع بطاقات الفرح على المدعوين , وإعداد ولائم العرس , وتخصيص يوم الجمعة ليحتفل مع أصدقائه وعائلته ابتهاجاً وسعادةً بزواجه , وعروسه كانت تحضر نفسها لليلة الحناء والزفاف وتختارُ أثاث منزلها الذي سيجمعها مع رفيق دربها , ووالدته ” هنية سلامة ” التي كانت تقوم بكي بدلة العروس وإعداد الحلوى للطعام وترمقُ نجلها بنظرة يملؤها الحب والسعادة وتردد الأهازيج الشعبية ” عريسنا حلو …. لا تقولوا عنه أسمر” .
فلم تدرك والدة العريس أنها ستجوب أروقة مستشفى جنين الحكومي بحثاً عن ابنها العريس , وتصدح بأعلى صوتها حتى وصلت أصداؤها إلى كل المسامع ” وين العريس ؟ الحمد لله يما ، الحور العين يا فاروق، مستحيل فاروق يموت، فاروق راجع” وتعلتيها الدهشة والجمود , فضاقت وتشعثت بها الأمكنة وبدأت تتسربُ إلى نفسها مشاعر متضاربة حزناً على فراق نجلها وفرحاً وفخراً بنيله الشهادة في سبيل الله والدفاع عن الوطن , فقد أضاءَ فاروق بدماءه قنديل الحرية وبجسده الطاهر جسراً يصعدُ به نحو الجنان , ويرفض التخاذل والذل أحسنت تربية شبلها ليقف في وجه العدو الهش , ويهز بسلاحه منظومته الأمنية الهشة .
السفاحين الصهاينة يتعمدون فلسفة الانتقام من الفلسطينيين واراقة دمائهم برصاصات غدرهم فيجدون في دمائهم لعبة مسلية يمارسونها بقذائف حقدهم المدمرة والتي أطفأت فرحة عائلة أبو قايدة باستهداف والدة العريس نعامة ابو قايدة ( أم الوليد ) 62 عاماً , فلم تعلم أم وليد التي ذهبت إلى احضار العروس أنها ستعود محمولةً على الأكتاف وأن يوم زفاف نجلها الذي انتظرته طويلاً سيكون آخر يوم في حياتها، إذ استشهدت في قصف إسرائيلي استهدف سيارتها وهي في طريقها لجلب عروس ابنها بعدما أن الغيت مراسم الزفاف نظراً للظروف التي كان يمر بها قطاع غزة , فكانت تنشد الأهازيج الشعبية قبل خروجها لجلب العروس من بيتها ” ماني شايفها وين أم العرس ” , والنساء من حولها خائفات ويرددن
” الله يهنيها امك يا العريس” وينثرن الياسمين , قبل أن يسقط الياسمين وتسقط ام العريس وتعود شهيدة , ونزرع الورد في المقابر على هيئة شهداء فتنبت في بيوتنا مثمرة بالحزن والبكاء .
لم يكتفِ الاحتلال الإسرائيلي بإلغاء حفل زفاف نجلها بل ترصدَ الموقف , وصمم على قتل فرحة العائلة مستهجناً لا مُبالياً فهذا هو الوجه الحقيقي للاحتلال القائم على سياسات القتل والإرهاب وارتكاب المجازر بحق الفلسطينيين , في محاولات غير مجدية في سبيل اضعاف روح المقاومة الفلسطينية وكسر صمود ونضال الشعب الفلسطيني , ” فاروق ” و” أم وليد” حالات من معاناة آلاف الفلسطينيين فاغتال الاحتلال فرحة عائلة الشهيد محمد عباس قبل 3 أشهر من زفاف نجلها , ورصاصته سرقت فرحة عائلة الشهيد مجاهد رابي الذين كانوا يستعدون إلى ” الفرح” لاشيء أكثر لا شيء أقل.
مريم سويطي