الجزائر الفلسطينية “القدس أمانة في أعناقنا” بقلم : موفق مطر
حفظ الأمانة إحدى أهم سمات شخصية الإنسان العربي، قد يضحي بكل ما يملك من أجل الحفاظ عليها وردها لأصحابها، فكيف إذا كانت الأمانة أعظم وأرقى وأسمى وأقدس من أي شيء مادي ولا تقدر بثمن، فالقدس ليست مجرد قطعة أرض أو مدينة، أو عاصمة– رغم إيماننا بقداسة كل بقعة من أرض بلاد العرب- إنها الروح اللازمة لقيامة الأمة ونهضتها وانبعاثها الحضاري من جديد، إنها الركن الأساس والمركزي لعقيدة الأمة الروحية والسياسية والثقافية، أما منع تهويدها، والعمل بإخلاص على تحريرها، فبات بالنسبة لنا نحن الشعب الفلسطيني، ولكل شعوب أمتنا العربية، المعيار الأدق من ميزان الذهب على قياس ارتقائها وتقدمها، وازدهارها، والأهم من كل ذلك هي المؤشر المغناطيسي الصحيح دائما نحو القيم الأخلاقية في قطب كوكبها الإنساني الحضاري، فمن أرادها كذلك فقد انتصر لحريته واستقلاله وسيادته الوطنية، الضامنة لهويته وعقيدته وشخصيته الإنسانية العربية.
لقد بلّغ الفلسطيني العربي الإنسان الرئيس محمود عباس الرسالة بلغة عربية فصحى، بعد أن أوضح بيانه لكل ذي لب عاقل خطر التهويد والهيمنة الاستعمارية والصهيونية الزاحف بقوة لتدمير حاضر الأمة واجتثاث تاريخها الحضاري، وتركها مجردة عارية، هائمة في دهاليز الكرة الأرضية، تبحث عن المستقبل فلا تجد مخرجا، خطر سيصبح واقعا إذا تركت الأمة القدس تواجه مصيرها محاصرة، ترمى بوابل من نيران الاحتلال والاستيطان ومشاريع التهويد والعنصرية الصهيونية منذ مئة سنة ونيِف، لقد بلّغ الرئيس الأمانة لرؤساء وملوك وقادة الشعوب العربية بقوله: “القدس أمانة في أعناقنا”، مقدما عنق الشعب الفلسطيني على أعناق الشعوب الشقيقة، لقناعته وإيمانه بقدرة هذا الشعب على حملها مهما كانت التضحيات.
لم يطلب رئيس الشعب الفلسطيني وقائد حركة تحرره الوطنية من الأشقاء العرب مالا، أو سلاحا، وإنما طلب الوفاء بتعهداتهم وبما وقعوا عليه، وتطبيق قرارات القمم السابقة بتقديم الدعم المالي وشبكة الأمان لموازنة دولة فلسطين، فالتعهد أمانة ثقيلة، والوفاء فعل، مرفوع على قيم أخلاقية سبقت اسم العربي ومكانته، أما العمل السياسي المشترك المنظم لتطبيق القرارين: 181 سنة 1947 الخاص بالتقسيم، و194 سنة 1948 الخاص باللاجئين الفلسطينيين، فهذا ما نعتقد أنها الخطوط العريضة لخريطة طريق تبدأ من قمة الجزائر بلد الاستقلال والسيادة بعد مليون ونصف المليون شهيد، وتنتهي في القدس التي يحميها الشعب الفلسطيني ويضحي بلا حدود ولا حسابات من أجل الحفاظ على فلسطينيتها وعروبتها، خريطة تبدأ بتنظيم الدعم السياسي السريع الفاعل في المحافل الدولية، وتشكيل لجنة وزارية عربية للتحرك على المستوى الدولي، بالشراكة مع الفاتيكان والأزهر، لمنع نقل سفارات الدول ذات العلاقة مع إسرائيل إليها، وتوحيد جهود الأشقاء العرب الدبلوماسية والسياسية بما لديهم من عناصر قوة وضغط لتمكين فلسطين من الحصول على عضوية كاملة في الأمم المتحدة، وعقد مؤتمر دولي للسلام على قاعدة الشرعية الدولية، وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، أما الخط المادي فهو – حسب قرارات القمم العربية – لحمايتها من مشاريع وخطط صهيونية استعمارية عنصرية لتهويدها بلغت عشرات مليارات الدولارات!.
وخط يؤدي لتشكيل لجنة قانونية لمتابعة الجرائم بحق الشعب الفلسطيني جراء إصدار الحكومة البريطانية وعد بلفور في عام 1917، وصك الانتداب الذي صاغته الولايات المتحدة الأميركية، وإقرار هذه الدول وإسرائيل معها بهذه الجرائم، وإجبارها على الاعتذار وجبر الضرر ودفع تعويضات للمتضررين منها وللمواطنين الفلسطينيين من 500 قرية محتها المنظمات الصهيونية وإسرائيل عن الوجود، فالجرائم لا تسقط بالتقادم” …وها هم الأشقاء في الجزائر ما زالوا يناضلون بعد حوالي ستين عاما على الاستقلال لانتزاع حقوق المواطنين الجزائريين كاملة من الذين استعمروه مئة وثلاثين سنة.