جيل بعد جيل سيبقى عرين الأسود يتجدد ، بقلم: تمارا حداد
منذ النكبة الفلسطينية والاحتلال مستمر في انتهاكاته المتواصلة بحق أبناء الشعب الفلسطيني سواء بالإعتقال أو الاغتيال أو الطرد القسري، ويسعى بشكل دؤوب إلى تهويد الأرض من خلال استكمال مشروع الاستيطان وإحلال المستوطن بدل الوجود الفلسطيني من خلال أساليب وأدوات لم تتوقف يوماً من خلال كسب الوقت نتيجة تمسك الجانب الفلسطيني بخيار المفاوضات والتسوية والإرتهان نحو الاحتلال ودولاً انحازت إليه دون إعطاء أي نتائج إيجابية بعد 74 عاماً من الاحتلال.
حاول الاحتلال اتباع أساليب أخرى من خلال تدجين الشعب الفلسطيني من خلال أدوات اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية ولكن هذه الطرق لم تنجح نحو تركيع وترويض الشعب الفلسطيني بنسيان الهدف الأساسي وهو تحرير الارض وحق تقرير مصير الشعب الفلسطيني وأكبر دليل على ذلك هو خروج مجموعات عرين الأسود وكتيبة جنين ونابلس وغيرها من المجموعات التي تيقنت أن خيار المفاوضات لن يؤتي أُكله ولن يُعطي أي حق فلسطيني سوى أن الاحتلال يكسب الوقت لاستكمال المشروع الصهيوني بأرض دون شعب.
ليس من المُفاجأ خروج مجموعات كعرين الأسود والتي ضمت كوادر فردية إلى أن أصبحت حالة شعبية وظاهرة التف حولها الشارع الفلسطيني والدليل وجود المشاركات الواسعة تصل الآلاف من المواطنين في جنازات الشهداء في نابلس وجنين ورام الله وهذا يؤكد أن سياسة الترويض لأبناء الشعب الفلسطيني من خلال الراتب أو إبعادهم عن النضال الفلسطيني لم تنجح.
عرين الأسود هي جماعة فلسطينية تضم المئات من الأفراد المتنوعين فكرياً وأيديولوجياً وانتمائهم الأساسي هو الوطن وفلسطين، وأولى بدايات التأسيس بدأت بعد قناعة الشباب الفلسطيني منذ العام 2017 بأن خيار المقاومة هو خيار الخلاص من الاحتلال وبدأت الفكرة تتبلور حتى هذه اللحظة والتي ستستمر بالوجود طالما الاحتلال موجود على أرض فلسطين ومهما حاول الاحتلال تفكيك تلك المجموعات إلا أن هناك خلايا أخرى يتم تدريبها وتمويلها بخطوط إمداد وتسليح تنوعت مصادرها وغير معروفة لدى الاحتلال وغيرهم.
عرين الأسود أصبحت مؤلاً لكل الشباب المقاومين وحدت المجتمع الفلسطيني المُنقسم وتمردوا على النعرات الحزبية وشكلت حالة من الإجماع الوطني باختيار طريق الكفاح مهما كانت سياسات الترويض، إن أهم صفات تلك المجموعة هي الجُرأة والتوحد نحو فكرة واحدة وهي التحرر دون النظر لمكاسب ذاتية أو مصالح شخصية وهم من الجيل الجديد ما بعد اتفاقيات اوسلو، وهذا يُعبر أن الأمل موجود وأن الجيل القادم هو من يتم التعويل عليه وانقاذ ما يمكن إنقاذه بعد ضياع الأرض وضياع الحقوق السياسية والتي باتت سراباً أمام تعنت الاحتلال بعدم إعطاء حق للفلسطيني سوى العيش بدوائر محاصرة بالمستوطنات وأن يُدير ذاته إدارياً ومعيشياً وحتى الناحية الاقتصادية فالاحتلال يُذل الفلسطينيين في لقمة عيشهم.
إن وجود جماعة عرين الأسود أقلقت المستوى السياسي والأمني لجيش الاحتلال حتى أن قائد جيش الاحتلال غانيتس هو بنفسه أشرف على القضاء على أفراد مجموعة عرين الأسود في نابلس وهذا يُعبر أن القلق الدائر في المجتمع الاسرائيلي قد زاد وطأته بسببب تلك المجموعة وتأثيرها على استقطاب الجمهور الفلسطيني وقدرتها على توسيع وجودها في أكثر من بقعة جغرافية وليست محصورة في نابلس لذلك قام الاحتلال باتباع أكثر من أداة لفك المجموعة والقضاء عليها بأكثر من أسلوب، أولها من خلال ارسال رسالة عبر الجوالات بالابتعاد عن الانضمام عن تلك المجموعات وأن لم تنفع فيقوم الاحتلال باعتقالهم واذا لم يستطع ذلك فيقوم الاحتلال بإطباق الحصار على المنطقة التي يعتبرها مليئة بالحركات الارهابية فيتم السيطرة على المنطقة بوضع السواتر الترابية وبعدها يتم إرسال الطائرات المسيرة لمعرفة المعلومات اللازمة ومعرفة تواجد المُنضمين لمجموعة عرين الاسود من خلال اتباع التكنولوجيا المتطورة كبرنامج بيغاسوس والاقمار الصناعية وغيرها، واستخدام المخترقين أمنياً لكشف مواقع تواجد كوادر المجموعة إلى أن يتم اغتيالهم وتصفيتهم لردع الآخرين، ولكن الاحتلال لم يعلم أن سياسية الضغط على أبناء الشعب الفلسطيني سوف يولد ردة فعل عكسية ولها نتائح سلبية فكلما كان هناك حصاراً على مدينة مُعينة واتباع أسلوب العقاب الجماعي كلما زاد عناد الشعب بفك الحصار والتمسك بخيار المقاومة والالتفاف حول تلك المجموعات والتي ستبقى إذا بقي الاحتلال.
يتبع حالياً جيش الاحتلال أسلوب عمليات المُباغتة والعمليات الاستباقية لأكثر من سبب أولها كسب الأصوات الانتخابية للفوز في الحكومة القادمة لمحور (لابيد وغانيتس) أمام محور اليمين المتطرف (نيتينياهو) وأيضاً لتطمين الجمهور الاسرائيلي بأن العمليات المنظمة من كوادر عرين الأسود لن تنتقل إلى الداخل المحتل وأن الأمن القومي لن يتضرر بتواجد تلك المجموعات نتيجة العمليات والضربات المستمرة على كوادر المجموعات.
أساليب الاحتلال حول قطع خطوط الإمداد والتسليح هدفها الأساسي حسم حالة العرين ولكنها لن تُجدي نفعاً لعدم معرفة المصدر الأساسي لذلك ومن الذي يُدربهم ومن قائدهم الفعلي ومن أين يأتي المال والسلاح هذه أمور حتى كادر العرين قد لا يعرفها وهذا الأمر سيجعل الاحتلال يبقى مستخدماً العمليات الاستباقية باعتقاده أنها ستنجح.
باعتقادي أن الأدوات التي استخدمت بقمع أي ظاهرة وطنية سواء بالتدجين أو القتل هي تزيد الشعب إصراراً نحو الاستمرار في عمليات الكفاح الوطني طالما الظلم وضياع العدالة بين أبناء الشعب الفلسطيني سواء بالواقع المعيشي أو حتى الحقوق الطبيعية أسوة بشعب نال حريته.
إن نجاح تلك المجموعات وهو بالتفاف الجمهور الفلسطيني ومدى الامتداد الشعبي لها واحتضان الفكرة ووضوحها وبساطة أولوياتها وتأسيس شبكة رعاية اجتماعية وحماية لأنصارها تبدأ من القاعدة حتى القمة ومدى قدرتها على الحاق الأذى للاحتلال، ومدى التطور التسليحي والاستراتيجي ومستوى التدريب وتشكيلاته العسكرية والامنية بضم تخصصات متنوعة معتمدة على منظومات قتالية تستطيع السيطرة والصمود ضمن خطط مدروسة ومنظمة.
عرين الأسود أمل الشباب الفلسطيني إزاء الترهل والضعف الفصائلي الذي لم يُحقق هدف الشعب بالاستقلال، هم يمتلكون روح الإرادة رغم الحصار عليهم من كافة الاتجاهات، وإن ضعُف اليوم العرين فالمستقبل آلاف العرين ولن يبقى محصوراً في مدينة واحدة بل ستشمل المدن الأخرى ليقين الشعب أن خيار السلام لا يريده الاحتلال مهما تنازل الجانب الفلسطيني فالاحتلال يتعامل معه كخادم وليس كصاحب حق وامام قانون الغاب لا وجود للخدم والضعفاء، وجيل بعد جيل سيبقى عرين الاسود يتجدد مهما كان حجم المؤامرة للقضاء عليه فروح الكفاح راسخ إن طال الزمن أو قصُر.