شفا – زينب فياض، يصادف 26 من تشرين أول/أكتوبر من كل عام موعد اليوم الوطني للمرأة الفلسطينية وهي إحدى المناسبات التي نسلط من خلالها الضوء على معاناة السجينات الفلسطينيات خلف قضبان السجون الإسرائيلية، حيث يقبع العديد منهن وسط معاناة مضاعفة بين السجن القمعي إلى البعد والحرمان من فلذات الأكباد والأسرة.
إذ تواجه الأسيرات الفلسطينيات ظروف صعبة والتي تبدء من اللحظات الأولى لعمليات الاعتقال والتي عادة ما تكون في ساعات الفجر الأولى وحتى النقل إلى مراكز التوقيف والتحقيق، ولاحقاً احتجازهن في السّجون وإبعادهّن عن أبناءهن وبناتهّن لمدّة طويلة.
وتُشير كافة المعطيات التي كشفت عنها هيئة الأسرى إلى أن الأشكال والأساليب التي يتبعها الاحتلال عند اعتقال المرأة الفلسطينية لا تختلف عنها عند اعتقال الرجال، وكذلك ظروف الاحتجاز الصعبة.
كما تفيد الشهادات المصرح عنها من أسيرات سابقات داخل سجون الاحتلال بأنهن تعرّضن لجميعهن لشكل أو أكثر من أشكال التعذيب الجسدي أو النفسي والمعاملة المهينة، من دون مراعاة لحقوقهن في السلامة الجسدية والنفسية، في محاولة لملاحقة المرأة وردعها وتحجيم دورها وتهميش فعلها، أو بهدف انتزاع معلومات تتعلق بها أو بالآخرين، وأحياناً، يتم اعتقالها للضغط على أفراد أسرتها، لدفعهم إلى الاعتراف، أو لإجبار المطلوبين منهم على تسليم أنفسهم.
حقائق وأرقام
وبالنظر للإحصائيات التي كشفت عنها هيئة الأسرى يوم أمس، فإنن من بين إجمالي 4700 أسيرًا وأسيرة، منهم 30 أسيرة، ومن بينهن أسيرتان قيد الاعتقال الإداري وهما شروق البدن من محافظة بيت لحم وبشرى الطويل من محافظة رام الله.
وتعد فاطمة برناوي من القدس والتي اعتقلت عام 1967، أول أسيرة في الثورة الفلسطينية، وحُكم عليها بالسّجن المؤبد، وأُفرج عنها عام1977.
في حين بلغ عدد النساء والفتيات اللواتي تعرضن للاعتقال منذ توقيع اتفاقية أوسلو ما يقارب 2550 فلسطينية، وعدد من اعتقلن منذ عا 1967 ما يقارب 17 ألف.
وخلال العام الحالي والعام المنصرم أكبر نسبة اعتقالات في صفوف النساء كانت من محافظة القدس بنسبة 45%.
وصدر بحق 17 أسيرة أحكام أعلاهن حكمًا الأسيرتين (شروق دويات وشاتيلا أبو عياد 16 عامًا، والأسيرتين عائشة الأفغاني وميسون الجبالي 15 عامًا).
وهناك أسيرة قاصر أقل من (18 عامًا) وتدعى نفوذ حماد من حي الشيخ جراح في القدس المحتلة.
وهناك 6 أسيرات جريحات أخطرهن حالة الأسيرة إسراء جعابيص من القدس والمحكومة 11 عامًا، وهي من بين الحالات الأخطر على مستوى الأسرى والمعتقلين، فهي مصابة بحروق شديدة في جسدها سببت لها تشوهات وبحاجة ماسة لإجراء عدة عمليات جراحية لمساعدتها ولو بشكل بسيط على تجاوز حدة الآلام.
كما أن هناك أسيرتين ارتقين خلال احتجازهن داخل سجون الاحتلال وهما الأسيرة سعدية فرج الله من بلدة إذنا قضاء الخليل والتي سقطت شهيدة خلال شهر تموز/يوليو الماضي من العام الجاري بعدما تعرضت لجريمة الإهمال الطبي خلال احتجازها بمعتقل الدامون، والأسيرة فاطمة طقاقطة من بيت لحم، والتي اعتقلت بعد إصابتها برصاص الاحتلال، وارتقت في شهر أيار / مايو عام 2017 في مستشفى “شعاري تصيدق” الإسرائيلي.
معاناة لا تنتهي
وتقاسي الأسيرات الفلسطينيات منذ اعتقالهن على أيدي قوات احتلال لعمليات الضرب والإهانة والسب والشتم، وتتصاعد عمليات التضييق على الأسيرات حال وصولهن مراكز التحقيق؛ حيث تمارس بحقهن كافة أساليب التحقيق سواء كانت النفسية منها أو الجسدية، كالضرب والحرمان من النوم ، والترهيب والترويع، دون مراعاة لجنسهن واحتياجاتهن الخاصة، ولا تتوقف معانات الأسيرات عند هذا الحد، بل تستمر عمليات الضغط والترهيب بحقهن حتى بعد انتهاء فترة التحقيق وانتقالهن إلى غرف التوقيف وهو ما أكده مركز فلسطين لدراسات الاسرى .
وأكدت الهيئة أنه على مدار العقود الماضية شاركت المرأة الفلسطينية في النضال ضد الاحتلال كغيرها من أبناء الشعب الفلسطيني بمختلف شرائحه، لافتة بأن النساء والفتيات يجري استهدافهن خلال عمليات اعتقالهن واستجوابهن، فلا يسلمن من الضرب والسحل والتنكيل والاحتجاز بالزنازين والتعذيب بأشكاله المختلفة على يد جيش الاحتلال، دون مراعاة لخصوصيتهن وطبيعتهن الأُنثوية
وتواجه الأسيرات أوضاعًا اعتقالية وظروف حياتية قاسية داخل معتقل “الدامون”، فلا زالت الكاميرات مثبتة في ساحة الفورة، عدا عن زجهن بغرف سيئة للغاية ترتفع فيها نسبة الرطوبة، بالإضافة إلى رحلة العذاب التي يعانين فيها الأمرين عبر ما يسمى عربة “البوسطة”، كما تتعمد سلطات الاحتلال حرمانهن من تلقي العلاج عبر إهمالهن طبياً وتجاهل أمراضهن، وحرمانهن من زيارات ذويهن لحجج وذرائع واهية.
واستعرض المركز عدد من الحالات التي تعرضت للتعذيب خلال الشهرين الأخيرين كالأسيرة “دنيا جرادات” من جنين، والتي تعرضت لتحقيق عنيف في مركز الجلمة لمدة 14 يوما قبل نقلها الى سجن الدامون، واحتجزت فى زنزانة ضيقة بدون تهوية بظروف سيئة، وبطانية متسخة والحمام عبارة عن فتحة بالأرض تخرج منها الروائح الكريهة والفئران والحشرات.
كذلك تعرضت الأسيرتين وتحرير أبو سرية ومريم صوافطة في مركز تحقيق “بتاح تكفا” لتحقيق قاسي حيث تم شبحهما على كرسي صغير، وتعرضتا للاستجواب من أكثر من محقق على مدار ساعات طويلة، تخلله اعتداء بالضرب وتوجيه شتائم بألفاظ نابية وصراخ مستمر، ووضعهما فى زنازين انفرادية مراقبة بالكاميرات لا تصلح للعيش البشري، وبعد 14 يوماً جرى نقلهما لمركز تحقيق “الجلمة.
بينما الأسيرة عطاف جرادات(50 عاما) من جنين، وقد اعتقلت بعد اعتقال ابنائها الثلاث (غيث وعمر ومنتصر جرادات)، و قام الاحتلال بهدم منزله، خضعت لتحقيق قاسي في معتقل الجلمة، أدى الى تدهور وضعها الصحي حيث أصيب بضغط الدم المرتفع وعدم انتظام بدقات القلب، وتتلقى 8 أنواع من الادوية، كما تعرضت مرتين لأعراض الإصابة بجلطة وتم نقلها عدة مرات للمستشفى .
واشار المركز الى ان الاسيرات يعانون من ظروف صعبة وقاسية، ويشتكون من عدم توفر الخصوصية في سجون الاحتلال نتيجة وجود كاميرات مراقبة على مدار الساعة وضعتها إدارة السجن في ممرات السجن و ساحة الفورة، إضافة الى الاقتحامات المتكررة لغرفهن، والعزل الانفرادي، كذلك وضع الحمامات خارج الغرف ويسمح باستخدامها في أوقات محددة فقط خلال فترة الخروج الى الفورة.
من جهتها اشارت هيئة الأسرى أن الأسيرات يعانين من التنقل بسيارة البوسطة حيث يتعمد الاحتلال إذلالهن بعمليات التنقل، حيث يتم إخراج الأسيرات من السجن الساعة الرابعة فجرا، وتعود مساء من نفس اليوم، الأمر الذي يسبب لها التعب الجسدي والنفسي والإرهاق، وطوال فترة السفر يتم تقييدهن بالسلاسل الحديدية بالأيدي والأرجل، كما يمنع الاحتلال الاسيرات من التجمع لغرض الدراسة والتعلُّم، أو لأداء فرائض الصلاة جماعةً، وممارسة الأنشطة الذهنية والترفيهية.
كما تعاني الاسيرات من سياسة الإهمال الطبي مما يعرض حياتهن للخطر وقد أدت تلك السياسة مؤخراً لاستشهاد الأسيرة المسنة سعدية سالم فرج الله (65 عاما) من الخليل، في سجن الدامون نتيجة إصابتها بجلطة قلبية.
وتعاني عدد من الاسيرات من امراض متعددة أبرزها الأسيرة المقدسية إسراء الجعابيص، والتي تحتاج الى عدة عمليات يماطل الاحتلال منذ سنوات فى إجراؤها والأسيرة عطاف جرادات من السيلة الحارثية حيث تعاني من أمراض مزمنة.
تدمير جسدي
الباحثة نور بدر سراحنة ، ترى في الاعتقال الممارس من قبل الاحتلال عملية مبنية على منطق إقصاء الجسد الذي يمثل عائقاً أمام استكمال المشروع الصهيوني ببقائه وصموده في أرضه، ثم كجسد مقاوم يعمل على خلق القلق الوجودي لهذا المشروع.
وتؤكد بدر إن الاستعمار أنتج أشكالا متباينة من أنماط تدمير الجسد، حيث يعتبر وضع الجسد المقاوم داخل معسكرات الاعتقال أحد أنماط التدمير التي مارستها السلطة الاستعمارية بشرعية سيادتها على مقصورات هذا الفضاء.
وتضيف بدر: «تعمل طاقة الموت اليومية داخل السجن عبر مجموع من السياسات القائمة بالأساس على التعذيب الجسدي والتعذيب النفسي، وتمتلك فيه السلطة الاستعمارية السيادة المطلقة على المكان أي السجن، وعلى الأجساد أي الأسيرات، كسلطة تكاد تكون ذات أًول إلهية بتعبير جورج أغامبين».
وتشدد سراحنة، التي تعمل في دائرة الإعلام مع جمعية نادي الأسير الفلسطيني، على أن ظروف اعتقال الأسيرات أصبحت أكثر صعوبة، كما أن التحديات أصبحت أصعب على صعيد المواجهة، فماكنة السجن طورت الكثير من أدواتها تجاه الأسيرات، فهناك أدوات وإن كانت ثابتة لكن فيها تغيرات بحاجة لقراءة موسعة لمعرفتها وإدراكها والكشف عن تأثيرها على الأسيرات تحديدا.
عائلات في وضع صعب
معاناة الأسيرات داخل سجون الاحتلال لا تأثر عليهن فقط بل حتى على عائلاتهن والذين يتكبدن معاناة الفراق ومشقة الانتظار والحرمان، حيث تنتظر عائلات ذوي الأسيرات دورهم في الزيارة بجانب السجن أو تحت ظل الأشجار لتجنب حرارة الشمس الحارقة، وإلقاء نظرة قد تعوّض سنوات الغياب.
ناهدة صوان، شقيقة الأسيرة نهاية صوان (44 عاماً)، والتي تقبع في سجن الدامون قرابة عام وهي مريضة بسرطان الثدي، قالت بعد زيارة شقيقتها: “بعد أن توفيّ والداي كانت أختي تسكن في البيت لوحدها، كنت أزورها في العيد مراراً، وأعيد عليها. لكن الآن حرمت من هذه الجلسة بعد اعتقالها.
وأضافت: “أختي حالياً خلف قضبان السجن، وهي مريضة وتعاني من سرطان الثدي، ووضعها صعب، وشروط الزيارة معقدة، ذهاباً وإياباً. قمت بمعايدتها بمناسبة عيد الأضحى، طبعا هي تتمنى الخروج من السجن وتنتظر ساعة نيل حريتها، وقد طلبت مني تجديد أثاث البيت حتى تخرج إلى حياة جديدة”.
من جهتها، تقول والدة الأسيرة نورهان عواد (22 عاماً) من القدس، “دخلت نورهان إلى السجن وهي ابنة 14 سنة، هذه سابع سنة ومرت الكثير من المناسبات وهي في سجون الاحتلال منذ تاريخ 23 نوفمبر/تشرين الثاني سنة 2015 حتى الآن، كانت البداية في سجن هشارون لمدة ثلاث سنوات وانتقلت حالياً إلى سجن الدامون.
وعن مصاعب ومشاق السفر للسجن أضافت: “نخرج من الساعة الخامسة والنصف صباحا ونتكبد عناء الوصول واللقاء، الحمد لله اليوم الزيارة مرت في ظروف أحسن لأن هناك أهالي يستقبلون الحجاج ولهذا تغيبوا عن موعدهم.
وتابعت “وضع الأسيرات صعب، وتحطمت نفسيتهن بعد استشهاد سعدية فرج الله، وهناك حداد عليها، كما أنهن لم يصنعن كعك العيد، كما أخبرتني ابنتي”.
ومنذ سنوات طويلة تعاني الأسيرات الفلسطينيات داخل سجون الاحتلال، في ظل ظروف صعبة لا تحفظ أدنى شورط الكرامة الإنسانية وسط صمت دولي، ليبقى حلمهن الوحيد هو مستقبل يتمكن فيه من العيش بحرية وكرامة مع عائلاتهن.
مختصة في قضايا الشرق الأوسط والشأن الفلسطيني