تجدد الأزمة السياسية في إسرائيل ، وعودة نتنياهو إلى الواجهة ، بقلم : مريم سويطي
تشهد الساحة السياسية الإسرائيلية حالة من الضبابية والقلق في ظل الصراع الداخلي المحتدم بين الأحزاب الإسرائيلية والحكومة اليمينية الهشة , بعد أن أعلن نفتالي بينت , ويائير لابيد ( رئيس الوزراء الحالي ) عن موافقتهما على حل الكنيست والتوجه نحو انتخابات مبكرة في الأول من نوفمبر تشرين القادم , لتنتهي بذلك حكومة بينت التي استمرت عاماً كاملاً , مما يطرح عدة تساؤلات بشأن مستقبل المشهد السياسي في إسرائيل عقب أن فقدت حكومة بينت الأغلبية البرلمانية وباتت عاجزة عن تمرير القوانين , وضعيفة سياسياً وأيديولوجياً واجتماعياً، وتباين مواقفها إزاء الاقتصاد والسياسة الاجتماعية، فضلا عن اختلافها فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية .
فإقدام الثنائي المُتطرف على حل الكنيست والذهاب إلى انتخابات مبكرة بشكل مفاجئ بهدف قطع الطريق أمام نتنياهو ( زعيم المعارضة ورئيس الوزراء السابق ) الذي بدأ بالتحرك من أجل تشكيل حكومة جديدة داخل الكنيست بعد فشل حكومة بينت بتمرير قانون أنظمة الطوارئ الذي ينظم سريان القانون الإسرائيلي على المستوطنات والمستوطنين في الضفة الغربية، بعد فشل الائتلاف الحكومي بتمرير هذا التمديد وخسارة الحكومة لأغلبيتها في البرلمان , مما بات نتنياهو يشكل عقدة سياسية لدى الأحزاب الإسرائيلية , فاستطاع أن يعزز الانقسام السياسي في المجتمع الإسرائيلي , وتجميع سلسلة من المناصرين وجر الحريديم لمؤازرته مما جعل فجوة بينه وبين الأحزاب , بهدف اسقاط تهم الفساد التي تلاحقه , مما طفت عدة تساؤلات على السطح مع عودة نتنياهو إلى الواجهة وإسقاطه لحكومة بينت.
أهمها هل من الممكن أن يعود نتنياهو إلى السلطة ؟ اتبع نتنياهو أساليب غير تقليدية تضمنت مكائد وحيل عديدة , مثل العمل على استقطاب أعضاء من أحزاب الائتلاف الحاكم وإغرائهم بمناصب في حال عودته إلى السلطة , و رفض التصويت لصالح قوانين هامة مبررًا ذلك بأنه سوف يمررها حين يعود للحكم , وبالرغم من لائحات الاتهام الموجهة ضده في ثلاثة ملفات والتي تتمثل في تلقي الرشاوي , والغش وخيانة الأمانة , إلا أنه الشخصية السياسية الوحيدة التي تستطيع الحصول على 61 مقعداً في الإنتخابات فإن لم تسقطه قضايا الفسادالموجهة ضده, لن تسقطه صناديق الاقتراع .
والمتتبع لنتائج استطلاعات الرأي التي صدرت على مدى السنوات الأخيرة، يرى أن نتنياهو لا يحظى بشعبية مطلقة، من باب التأييد له، ولكنهُ يحصل نتنياهو على ما بين 32% إلى 34% كرئيس حكومة, و في الرد على سؤال من هو الأفضل من بين المطروحة أسمائهم لتولي رئاسة الحكومة ، يحظى نتنياهو بنسبة تقترب الى 50% وأحيانا يتجاوزها بقليل ، بمعنى أنه في نظر غالبية الجمهور هو قائد اللامفر.
أسباب الأزمة السياسية في إسرائيل اليوم :
الخريطة الحزبية في إسرائيل والنظام السياسي في المجتمع اليهودي يختلف كثيراً عمَ كان في السابق إسرائيل الأن تعيش أزمة حقيقية خمسة انتخابات في أقل من أربعة سنوات , والكنيست الإسرائيلي في حالة بين المد والجزر , فزيادة تشرذم توزيع وتشتت المقاعد ال 120 على القوائم عامل من عوامل وجود الأزمة السياسية , والتأثيرات الداخلية الفكرية حيث لا يمكن التقاء أفراد مع أفراد وزيادة الكراهية اتجاه الحريديم من قبل جميع المكونات في إسرائيل , غياب الشخصيات الإسرائيلية التاريخية مثل مناحيم بيجين , إسحاق شامير التي كانت تقود الأحزاب , وغذى الأزمة العداء الشخصي وتصفية الحسابات مع نتنياهو , وتشكيل القائمة العربية المشتركة وزيادة عدد المقاعد التي معها على حساب الاحزاب الإسرائيلية ووصلت إلى 15مقعد فالبعض بات يقول” لولا منصور عباس لما ذهبنا إلى انتخابات خامسة” , وتشتت الأصوات العربية مما يؤثر على تشكيل الحكومة أو ستكون حكومة ضعيفة وعرجاء .
وأظهر استطلاع رأي حديث في إسرائيل استعصاء تشكيل الحكومة الإسرائيلية , وتراجع ثقة اليهود في المؤسسات الأمنية , وارتفاع نسبة الكراهية بين الأحزاب الإسرائيلية , من ناحية أخرى، فإن التدفقات السابقة للمهاجرين الشرقيين واليهود السوفييت، عززت من الانقسام الطائفي والسياسي، ووجد هذا الانقسام ترجمته في تعزيز الاستيطان، والتوجه الديني وظهور الجماعات والأحزاب اليمينية والدينية المتطرفة، وهو الأمر الذي أفضى إلى ما يسميه بعض الكتاب والباحثين التنازع على الميراث الديني اليهودي بين الأحزاب القومية اليمينية، وبين الأحزاب الدينية المتطرفة , فأصبح التيار الديني المتشدد، مسيساً وصهيونياً كما أصبح التيار اليميني المتشدد دينياً وتوراتياً , وكذلك تراجعت ثقة اليهود في الولايات المتحدة الأمريكية بالهجرة إلى إسرائيل .
الأزمة السياسية الإسرائيلية وانعكاسها على القضية الفلسطينية:
المشروع الصهيوني غير مرتبط بمن يتولى السلطة في إسرائيل بل بمؤسسات صهيونية راسخة في الدولة وما يجري على أرض الواقع ، فإذا نظرنا إلى عمق الأزمة السياسية الداخلية الاسرائيلية ، فنلاحظ مدى انعكاس آثارها على القضية الفلسطينية ، وأن القادم لا يحمل أي أُفق ايجابي بل العكس سيحمل تارة البقاء على الوضع الراهن وتارة أُفق سلبي أقل من الحفاظ على الوضع الراهن لكسب الوقت واستنزاف الحالة الفلسطينية ، وكسب الوقت لصالح الاحتلال للاستمرار في عمليات التصعيد والاستيطان وتهويد القدس , وفي حال حدوث انتخابات مبكرة لن يحل الصراع العربي- الاسرائيلي بل على العكس تماماً سيزدادُ سوءاً وبالتحديد في الداخل الفلسطيني والذي ينعكس على حال الضفة الغربية والقدس وغزة , ويعود ذلك إلى عدة أسباب تتمثل في : واقع الصراع الفلسطيني و الاسرائيلي ينطوي على عناصر متعددة يصعب التنبؤ بالمستقبل المنظور كون الصراع مرتبط دولياً واقليمياً وحال الشرق الأوسط , والتوازن الديني والعلماني واليساري واليميني المتطرف في إسرائيل سيستمر في حالة من الصراع الداخلي .
الأزمة السياسية والحزبية التي تعصف بإسرائيل نتيجة خلافات عقائدية وتناقضات دينية واجتماعية متأصلة في المجتمع الإسرائيلي ومن المحتمل أن تستمر إلى ما بعد الإنتخابات فالطبقة السياسية ، مصابة بعمى الصهيونية المزمن , وستواصل سياسة الهروب إلى الأمام ، وعلى الأرجح أن يُهمن احتمال عودة نتنياهو إلى السلطة على الحملات الانتخابية , فهو مستعد لفعل أي شيء للعودة إلى الحُكم , وإنقاذ نفسه من المحاكمة بتهم الفساد المُدان بها والتي قد تستمر إلى عدة سنوات , مما يوفر انهيار الائتلاف وحل الكنيست فرصة ثانية مُحتملة لعودة نتنياهو الذي يحظى حزبه اليميني الليكود بأداء جيد في استطلاعات الرأي .