بعض النقاط على حروف مهمة ، بقلم : محمد بركة
في بداية العام ٢٠١٢ وتحديدًا في الشهر الأول منه، وكنت آنذاك رئيسا للجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة ونائبا عنها في الكنيست، وعلى غير عادة، تلقيت اتصالا هاتفيا مفاجئا من رئيس الحكومة الاسرائيلية آنذاك بنيامين نتنياهو، الذي قال لي إنه بصدد فرض ما أسماه بتقاسم العبء، وبمعنى آخر أنه ينوي فرض خدمة الزامية معينة على المواطنين العرب كبديل للخدمة العسكرية.
خلفية الموضوع ان نتنياهو أراد استمالة أفيغدور ليبرمان وكسب رضاه بعد أن هدد الأخير بفك الائتلاف الحاكم لأنه أراد فرض خدمة عسكرية أو “مدنية” على العرب والحريديم.
ليبرمان هذا هو صاحب مقولة “بدون ولاء (لطابع الدولة الصهيوني) لا توجد مواطنة” وضغط على نتنياهو في حينه لتنفيذ هذه المقولة.
هذه المقولة تعني أن على العربي التنازل عن هويته وثوابته والولاء لطابع الدولة العنصري (أو قبولها بحالتها وتعريفها العنصريين) مقابل حقوق “يومية مدنية”.
يومها قلت لنتنياهو إن هذا الامر غير وارد ونحن لا نقبل، لا حقوقا مشروطة ولا مواطنة مشروطة.
من نافل القول التأكيد إن نتنياهو باتصاله ذاك أراد تسجيل موقف لليبرمان وللإعلام، ولذلك قلت له باختصار قبل إنهاء المكالمة: صحيح انك تتحدث معي ولكنك لا تتحدث اليّ.
كان واضحا انه اراد إرضاء ليبرمان فقد علمت لاحقا أنه تحدث مع الاخوة، النواب احمد طيبي وجمال زحالقة ومسعود غنايم حول نفس الموضوع وتلقى منهم، ودون تنسيق مسبق بيننا، جوابا بنفس المعنى.
حلم الصهيونية وحلفائها القاضي بإلغاء الوجود الإنساني الفلسطيني في هذا الوطن وبانتزاع الهوية الوطنية والحقوق القومية من كينونة كل فلسطيني، لم يغب عنها يوما.
هذا ثابت عندهم، من ادبيات الصهاينة الاوائل مرورا بالنص الصريح في وعد بلفور الى النكبة والى اختراع عكاكيز عميلة وصولا الى مقولة رابين بعد يوم الارض إنه لا يعترف بحقوقنا القومية إنما بحقوق دينية وثقافية، وصولا الى ليبرمان وحتى ذروة الوساخة العنصرية التي تمثلت بسن قانون القومية ومن ثمّ الى مشاركة عربية صورية في ائتلاف حكومي.
لماذا أسوق هذا الكلام الآن؟
لأقول، مجددا، إن تفكيك المجتمع وتفتيت الهوية وتغريب الانسان الفلسطيني (بمختلف الطرق ومنها إسقاط سياسي وتجهيل واستهداف اللغة العربية وعدم الاعتراف بنا كمجموعة قومية وإشاعة الجريمة والتعامل الأمني معنا) ليسوا مجرد أخطاء سقطت “سهوا” في المشروع الصهيوني، انما هي سياسة استراتيجية تشكل جوهر هذا المشروع البغيض.
العنصرية الموجهة ضدنا هي لأننا فلسطينيون فهل يمكن مجابهة العنصرية دون مجابهة جوهرها؟!
الفلسطيني في الداخل لا يمكنه ان يكون جزءًا من منظومة الحكم في إسرائيل لأنها قائمة على أساس هذا المشروع، ولكنه يستطيع، لا بل عليه ان يكون مناضلا من أجل هويته الوطنية ومن أجل تحصيل حقوقه القومية والمدنية ومن أجل مُثُله الإنسانية من داخل الكنيست ومن خارجها ومن داخل البلاد ومن خارجها.
إن خلع معطف الهوية الجامعة والتخلي عن رداء الانتماء الى القضية الوطنية من اجل أوهام تلقّي فتاتٍ في قفص دواجن، سيقود الى تحقيق حلم الصهيونية من ناحية والى تعرّي مهين من ناحية اخرى:
لا فتات يقوتنا ولا رداء يلمّنا.
نحن لا نخافهم ونحن واثقون من علاقتنا مع هذه الارض (إمّا عليها وإمّا فيها) لكننا لسنا عبثيين لنقول إن تنامي الفاشية لا يهمّنا ولا يقلقنا.
علينا مجددا ومجددا التمسك بمقولة مؤتمر الجماهير العربية المحظور بأمر عسكري في العام 1981:
“لم ننكر، ولا يمكن ان ننكر حتى لو جوبهنا بالموت نفسه، أصلنا العريق: اننا جزء حي وواع ونشيط من الشعب العربي الفلسطيني”.