العلاقات الروسية – الفلسطينية والخطاب ذاته ، بقلم : تمارا حداد
تسعى السياسة الخارجية الروسية إلى تطوير أولوياتها وسياساتها بشكل مستمر حسب المتغيرات العالمية حيث أصدرت مؤخراً “وثيقة السياسة الخارجية الإنسانية لروسيا الاتحادية” والتي تضمنت السياسة الدبلوماسية الروسية الدولية ونصت الوثيقة على 117 بنداً تتعلق بآلية التعامل مع الدول الخارجية، وهذه الوثيقة شهدت تغييرات في التعامل مع الدول الأخرى إلا الملف الفلسطيني الذي لم يتغير به الموقف الروسي إلا والتأكيد على تسوية القضية الفلسطينية وفق القانون والشرعية الدولية وتحقيق أسس حل الدولتين وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
وهذا ما أكده مؤخراً الرئيس الروسي بوتين أثناء لقاءه مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بحق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير وأن موقف روسيا الخارجي بالنسبة للقضية الفلسطينية لم يتغير وأن حلها يجب أن يكون وفق القرارات السابقة التي تبناها مجلس الأمن الدولي وعلى أساس عادل يُراعي مصالح جميع السكان ويسعى بوتين إلى تحقيق ذلك مهما كان الموقف صعباً.
واثناء اللقاء أشار الرئيس الفلسطيني أبو مازن إلى انعدام الثقة بالموقف الامريكي وجاء هذا الخطاب نظراً لغياب الأفق السياسي وعدم تسوية الملف الفلسطيني رغم أن الولايات المتحدة الامريكية الوحيدة التي تستطيع الضغط على اسرائيل لتسوية الملف وإنهاء الصراع (الفلسطيني_ الاسرائيلي) إلا أن أميركا لم تعطي أي بادرة أمل لتحقيق ذلك سوى استخدام سياسية المراوغة والالهاء وكسب الوقت إلى حين ضياع الأرض والحق الفلسطيني.
الموقف الروسي لم يكن مفاجئاً حيث استحدثت الوزارة الخارجية الروسية وحدة متخصصة فقط في العلاقات الانسانية وحل المشاكل الدولية وفق القيم وحق تقرير المصير للشعوب المضطهدة ولتحسين صورتها أمام العالم من خلال دعم قوتها الناعمة وصعود الجاذبية الروسية وإحياء التواجد الروسي بكل مكان لحل الأزمات العالمية بصورة واقعية والمتمثلة بتوطيد العلاقة الروسية_الفلسطينية من خلال تقوية العلاقات الانسانية الثقافية من خلال دعم الطلاب الفلسطينيين في روسيا وتقديم الدعم السياسي للملف الفلسطيني الى حين ايجاد حل سياسي يحقق الاستقرار في منطقة الشرق الاوسط وغيرها من المجالات.
الخطاب واحد ونظام متعدد الأقطاب:
المتابع للموقف الروسي تجاه القضية الفلسطينية يلحظ أن الحق الفلسطيني ثابت ونجاح اي عملية سياسية مستقبلية مرهون بتوجه روسيا الاتحادية لبناء” نظام دولي عادل ومستدام” من خلال حل المشكلات العالقة في آليات عمل مجلس الامن ونظام الامم المتحدة والمنظمات الدولية الاخرى ومع الضغط الى ابعاد القطب الواحد الذي اثر بشكل سلبي على القضية الفلسطينية بسبب انحياز أميركا الكلي لاسرائيل.
روسيا تكثف جهودها نحو تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية وهذا ما شهدناه في اللقاءات المتعددة للفصائل الفلسطينية واستضافة روسيا لها وهو الامر الذي يجب ان يستثمره الفلسطينيون في تحقيق ذلك مستغلاً التحولات الدولية والاقليمة والتي بدأت بلورتها فعلياً أمام محاولات تغيير النظام الدولي الأحادي من خلال استخدام روسيا كل أدوات سياستها الخارجية، واعادة رسم علاقاتها الاقتصادية والتجارية وبناء تحالفات جيوستراتيجية جديدة وتوظيف ادواتها وقوتها المختلفة من اجل اعادة ترتيب النظام السياسي الدولي كما تراه مناسباً ويبقى نجاح تلك الخطوات مرهوناً بعوامل كثيرة أهمها قدرة روسيا على بناء تلك التحالفات الجديدة وقدرة اقتصادها على مواجهة العقوبات الامريكية ومرهوناً بمدى استجابة الدول المتحالفة لها بالوقوف الى جانبها في فترتها الحالية، ومن هنا على الموقف الفلسطيني أن يحدد مسار تعامله مع الدول التي الى جانب الملف الفلسطيني وتسوية الملف وايجاد حل جذري لها، فسياسة الدول الخارجية في الوقت الحالي لا تنفع معها البقاء في مسك العصا من المنتصف بل التوجه مع هذا او ذاك والمصلحة الفلسطينية تقتضي التوجه إلى الدول التي مع القضية الفلسطينية.
نجح الدب الروسي نسبياً في حلحلة الكتلة الموالية للولايات المتحدة الأمريكية لا سيما في ضوء التحالفات الجديدة التي تتبلور في اكثر من منطقة في العالم، فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية والعالم يشهد صراعاً على النفوذ بين القوتين الأكبر وهما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي سابقاً، والذي رغم سقوطه في التسعينات استعاد قوته ضمن روسيا الاتحادية التي أعادت فرض نفسها كقوة كبرى في العالم.
الاعوام الماضية شهدت تصاعداً كبيراً لهذا الصراع في العديد من المناطق مثل البلقان وأوكرانيا، وبلغت المنافسة على النفوذ بين البلدين أشدها في الصراع على الشرق الأوسط الذي يشهد اضطرابات كبيرة منذ عام 2011.
سبب تجدد الصراع على اكثر من منطقة من بينها منطقة الشرق الاوسط بين البلدين باعتبارها مناطق استراتيجية هامة من النواحي الاقتصادية والسياسية، لكلا البلدين، الإدارة الأمريكية بدت وكأنها متفاجئة من التحركات الروسية حيث كانت الاستجابات الامريكية البطيئة والمترددة من قبلها شجعت الحكومة الروسية على الاستمرار بتقوية نفوذها في اكثر من بقعة.
الهدف الرئيسي لروسيا من محاولة تعميق نفوذها هو استعادة مصالحها الكبيرة والتي كانت تملكها إبان الحرب الباردة مع أمريكا، وكذلك إبعاد الولايات المتحدة الأمريكية عن مناطق نفوذها في اكثر من منطقة.
استند الدور الروسي في الصراعات الدولية الجديدة إلى تفاعل مقومات القوة الروسية الداخلية مع طبيعة البيئة الإقليمية والدولية الداعمة للدور الروسي، فتمكنت روسيا الاتحادية من الاستفادة من مقومات قوتها الإستراتيجية على الصعيد الداخلي إلى جانب نجاحها في إيجاد شراكات إستراتيجية مع القوى الإقليمية والدولية، أفضت إلى زيادة فاعلية دورها في الصراعات الدولية الجديدة.
تنطلق الاستراتيجية الروسية من أن الشرق الاوسط فضاء قريب من حدودها الجنوبية وان اي عدم استقرار فيه سيؤثر سلباً من دول الجوار وهو ما قد يهدد أمنها القومي بالاضافة الى كون هذه المنطقة تشكل منفذاً مهماً للوصول إلى المياه الدافئة ومن هذا المنطلق تسعى روسيا الى حل سياسي للقضية الفلسطينية.
أما الإستراتيجية الأمريكية تُركز على ضرورة التواجد الدائم في منطقة الشرق الأوسط عبر أساليب مختلفة سواء التواجد العسكري المباشر أو من خلال بناء تحالفات سياسية واقتصادية مع دول المنطقة ودعم اسرائيل، وذلك لتطويق روسيا ومنعها من التغلغل إلى ما تعتبره أمريكا مجالها الحيوي، أي أن الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت في الفترة الأخيرة متوجسة من العودة الروسية الجديدة والتي اعتبرتها مهددة لوجودها في الشرق الأوسط خاصة في ظل التقارب الإستراتيجي بين روسيا والصين، وبذلك اعتمدت الولايات المتحدة على توسيع التنافس ونقله إلى مناطق النفوذ الروسي خاصة في سوريا وأوكرانيا، وذلك بهدف إلهاء روسيا بالمشاكل والأزمات حتى لا تتيح لها الفرصة لإعادة ترتيب أوراقها الداخلية والخارجية والعودة كطرف قوي ومنافس يهدد مصالحها في منطقة الشرق الأوسط .
تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية أن منطقة فلسطين هي قلب الشرق الأوسط ولابد من السيطرة عليها من أجل إقامة نظام عالمي يبقيها في الريادة ولا يسمح بصعود أي قوة منافسة لها، كما أنها تدرك بأن من يسيطر على ارض فلسطين يمكنه التأثير على العراق ومصر وغيرها، والتي تشكل ارض فلسطين نقطة التقاء بينهم ومن يسيطر على هذه النطاقات الجيوسياسية يمكنه التأثير بالشرق الأوسط.
لذا روسيا فهمت هذا الواقع السياسي لذا تحاول دائماً الى الدفع لحل القضية الفلسطينية بشكل عادل لانهاء النظام الدولي احادي القطب والذي بحاجة لوحدة حقيقية للشعب الفلسطيني والتوجه لتحالف يدافع عن الفلسطينيين.