رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو”، يصلي ويدعو ويتمنى أن ينشغل الرئيس الأميركي “باراك أوباما”، بالقضايا الأميركية الداخلية، الميزانية، الاقتصاد، البطالة، والتوظيف، الاحتباس الحراري، إيران وأفغانستان، ليحظى بفرصة زمنية للتهرب من المواجهة مع الرئيس الأميركي، لكن مثل هذه الفرصة لن تكون طويلة، فـ “نتنياهو” قلق جداً ويعيش صدمة ورعب عودة “أوباما” إلى البيت الأبيض لفترة أربع سنوات قادمة، فقد أسرع في إرساله برقية التهنئة بالفوز لـ “أوباما”، معتبراً أن الحلف الإستراتيجي القائم بين إسرائيل والولايات المتحدة أقوى من أي وقت مضى، رغم وجود خلافات كبيرة بينه وبين الرئيس الأميركي، خاصة في الموضوعين الإيراني والفلسطيني، وهنا ينطبق على “نتنياهو” المثل القائل “اللي ببطنه عظام بتقرقع”، ومن شدة توتره، أجرى مقابلة سريعة مع السفير الأميركي في إسرائيل، لمنع حدوث توتر ومواجهة مع “أوباما”، وفي اليوم التالي هاتف “أوباما” لإظهار أن الأمور في العلاقة بينهما طبيعية وعادية.
التوتر بين الرجلين له حكاية طويلة، لكنه كان تحت الرماد، إلا أنه تجدد منذ بضعة أشهر، حيث تدخل “نتنياهو” في الانتخابات الأميركية لصالح المرشح الجمهوري “ميت رومني” الذي افتتح حملته الانتخابية من إسرائيل، لكن “نتنياهو” ما زال تحت تأثير الصدمة من فشل مرشحه “رومني”، فبرقية التهنئة التي بعثها “نتنياهو” للرئيس الأميركي، ومحادثته الهاتفية، تندرج ضمن أساليب العمل الدبلوماسي والعلاقات العامة، إن ما يخشاه “نتنياهو” من فوز “أوباما” هو التأثير على مجريات الانتخابات الإسرائيلية للكنيست، وأن يتدخل “أوباما” في هذه الانتخابات لينتقم من “نتنياهو” الذي تدخل في الانتخابات الأميركية لصالح المرشح الجمهوري، فإذا قامت إدارة “أوباما” بطرح مبادرة سياسية لتحريك الموضوع الفلسطيني قبل موعد الانتخابات الإسرائيلية، ففي هذه الحالة سيُحرج “نتنياهو” ويُزج به إلى الزاوية، إن عزاء “نتنياهو” الوحيد أن العلاقات الدولية لا تقوم على الانتقام بل على المصالح، وأن أمن إسرائيل، وعدم حصول إيران على السلاح النووي، مضمونان من قبل الرئيس الأميركي، فإذا كان “نتنياهو” مطمئن البال، فلماذا هذه الخيبة الكبيرة في مكتب وديوان رئيس الوزراء، عقب إعلان النتائج؟ بينما بقي “نتنياهو” يراهن حتى اللحظة الأخيرة على فوز “رومني”، لكن النتائج لم تأتِ على أهوائه.
إن أهم الملفات الشائكة المطروحة على جدول أعمال الرئيس الأميركي والتي تحتل الأولوية هي الأوضاع الاقتصادية في الولايات المتحدة ويليها الملف الإيراني، والملف الإسرائيلي-الفلسطيني، والحرب في أفغانستان، والاحتباس الحراري، إضافة إلى عشرات الملفات الأقل أهمية، فالرئيس الأميركي في ولايته الثانية والأخيرة، سيكون أكثر تحرراً في قراراته، مع أن وجود أغلبية جمهورية في مجلس النواب الأميركي قد تضع العقبات أمام قراراته، وعلى الأقل أخذه توجهات مجلس النواب المؤيد بأغلبيتها لإسرائيل بعين الاعتبار، فإسرائيل تتوقع ضغوطاً بوقف الاستيطان، في حين عبر نواب كنيست من حزب الليكود عن خيبة أملهم من خسارة “رومني”، دون إخفاء خشيتهم من أن إسرائيل ستواجه ضغوطاً أميركية، وتضطر لتقديم تنازلات سياسية، ويقولون بأن “أوباما” ليس جيداً لإسرائيل.
في أول اختبار للسياسة الأميركية الجديدة في ولاية “أوباما” الثانية، الطلب الذي سيتقدم به الفلسطينيون للأمم المتحدة، للحصول على عضوية دولة مراقب في الجمعية العمومية، وهي بالنسبة لـ “نتنياهو” الكابوس الرابض على صدره ويلاحقه في مناماته، فأكثر ما يخشاه “نتنياهو” هو حصول الفلسطينيين على طلبهم.
والسؤال كيف سيكون الموقف الأميركي من هذا الطلب المشروع، في الوقت الذي يلقى هذا الطلب معارضة إسرائيلية شعواء، لأن حصول الفلسطينيين على هذه العضوية تقوض -على نحو خطير- سمعة إسرائيل وشرعيتها في كثير من دول العالم، وسيستطيع الفلسطينيون رفع قضايا ضد إسرائيل في محكمة جرائم الحرب الدولية، وستصبح فلسطين ممثلة في جميع مؤسسات الأمم المتحدة، والشيء الوحيد أن هذه العضوية لا تمنحها التصويت في الجمعية العامة، فـ “نتنياهو” يلوح بمعاقبة الفلسطينيين إذا تقدموا بطلب هذه العضوية، وباستخدامه تقرير القاضي “ليفي”، بأن الضفة الغربية ليست أراضٍ محتلة، وبشرعية الاستيطان فيها، إذ أن “نتنياهو” يعتبر الأراضي الفلسطينية مشاع يستطيع سلبها ويبني فيها دون رادع أوعقاب، ووزير خارجيته “ليبرمان” أخذ يشن حملة شرسة ضد الرئيس الفلسطيني “محمود عباس”، ويتغنى بأن لا سلام مع “عباس” ودعا إلى رحيله، وأنه لا أمل في التوصل إلى تسوية بين إسرائيل والفلسطينيين ما دام “عباس” موجوداً، مشددا أن عليه أن يرحل، مع أن وزارة الخارجية كان لها رأي يتعارض مع مواقف وزيرها، فقد أعدت تقريراً جاء فيه بأن الجمود السياسي في المنطقة، وتجميد المفاوضات، أضر بسمعة إسرائيل في العالم، ويساهم في إزالة الشرعية الدولية عنها معتبرين أن إسرائيل هي العائق أمام السلام وأن السفارات الإسرائيلية في العالم تواجه صعوبة بالرد على تساؤلات الدول التي يعملون فيها بهذا الشأن، والوزير “موشيه يعالون” اعتبر – في مقابلة مع القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي- “عباس” متشدداً كعرفات ويتلاعب بالمجتمع الإسرائيلي، والوزير “غلعاد اردان” أعلن صراحة أن إسرائيل لن تقبل بدولة فلسطينية مستقلة مهما كانت الظروف، إذن ماذا يريدون؟ فهذا سر طلب “نتنياهو” دعوة الفلسطينيين-التي لا نهاية لها- إلى مفاوضات دون شروط مسبقة، ودون العودة إلى المرجعيات التي سبق أن أُقرت، فالحملة الإسرائيلية المسعورة لإحباط توجه الفلسطينيين لعضوية دولة مراقب، وفرض العقوبات عليها، ووقف تحويل عائدات الضرائب، وإلغاء اتفاق باريس الاقتصادي، كل ذلك يواجه معارضة من قبل الدوائر الأمنية الإسرائيلية، التي تؤيد الإبقاء على التعاون مع السلطة الفلسطينية، وبخاصة أجهزتها الأمنية.
الصورة الحاضرة بأن “نتنياهو” يخشى انتقام “أوباما” منه، ومخاوف من احتمال تدخل “أوباما” ضد “نتنياهو” في الانتخابات الإسرائيلية، وحسب معاريف 8-11-2012، فإن أوباما قد يفرض على “نتنياهو” دخول مفاوضات مع الفلسطينيين، وفقاً للرؤيا الأميركية، وأن الأحزاب الإسرائيلية المعارضة لـ “نتنياهو” تستغل الوضع وتقول في حملتها الانتخابية بأن “نتنياهو” لا يستطيع العمل والتعاون مع “أوباما”، ويعتبرون وجود الليكود في الحكم أنه سيجلب الويلات على إسرائيل، لكن السؤال الكبير كيف ستكون توجهات وسياسة “أوباما” في الشرق الأوسط؟ وهنا يقع اللوم على الفلسطينيين أنفسهم المنقسمين بين غزة ورام الله، وعلى العالم العربي والإسلامي الذي لم يكن لاعباً في السياسات الأميركية، ولم يستغل مقدراته الهائلة في التأثير على السياسة الأميركية لصالح الفلسطينيين، فعلينا لوم أنفسنا، قبل أن نعتب على الرئيس الأميركي وعلى إدارته، فأين أنتم يا عرب؟